الزّوابع والتّوابع في ما نشهده من مَنازِع

الحيادية الطوباوية.. هروب من المسؤولية
أثار دهشتي وعجبي ذلك الكم الهائل من العواطف الجياشة والتعاطف الرومانسي مع الشعب الأوكراني، على صفحات التواصل الاجتماعي ذي الطابع النفاقي المفتوح على صفحاته. وما يدعو للدهشة والعجب والاستغراب أن كلمات التضامن والتعاطف مكتوبة باللغة العربية، وتساءلت هل بات الأكرانيون يجيدون اللغة العربية بين قصف ودوي مدفع؟ أم أن لغتنا العربية اعتُمِدت في أكرانيا نيابة عن اللغة الروسية، التي طمستها سلطات أوكرانيا المتغربنة والمتصهينة؟ لكني انتبهت إلى أنه لا هذا الخيار حاصل ولا ذاك، ومما زادني دهشة أن غالبية – ان لم يكن كل- من ساهم في تلك الحملة افتتح تعليقاته بالإشارة إلى أنه يكره الحرب، ويقف ضد الحرب وما تجره من ويلات، وهنا تنبهت إلى إن هذا الكلام غير موجه للشعب الأوكراني ولا لزعامات الدول، ولم يتبق سوى جمهور الأصدقاء والمتابعين، وهم جميعهم من أبناء جلدتنا وغالبيتهم من سكان هذه البلاد، اذن فالحديث موجه إليهم، على غرار الحماة التي تخاطب جارتها لتسمع كنتها، وما دام الأمر كذلك فان في هذا الكلام رسائل مبطنة.
هل هناك من يؤيد الحرب من بين صفوفنا؟ بالتأكيد لا، اذن ما الداعي لهذه الملاحظة الباهتة والتي تأتي من باب إسقاط الواجب، فأسقطت أصحابها في لزوم ما لا يلزم. ان اللجوء إلى القيم “الطوباوية” التي لم نشهدها لدى أولئك عند العدوان العالمي على سوريا في السنوات السابقة، يطرح أكثر من سؤال وعلامة تعجب، وهو طريقة دبلوماسية للهروب من اتخاذ موقف واضح من النزاع الحالي. فهل هناك حيادية في الصراع بين حلف الناتو الاستعماري وروسيا الدولة المدافعة عن حقها في الأمن والبقاء؟ أما الادعاء وترويج مقولات مثل “غزو” أو “اجتياح” أوكرانيا، تعكس انحيازا لمعسكر عمل على تهديد روسيا وأمنها القومي، أمام دولة تقوم بعملية عسكرية لتنظيف أوساخ الغرب على عتبة بيتها لضمان أمنها ومستقبلها.
وهنا يسجل لأصحاب الحيادية “المثالية” في هذه الأزمة من أبناء شعبنا ومجتمعنا، أنهم في هروبهم هذا انما يسيرون وفق أصحاب نهج “النأي بالنفس” في الدولة اللبنانية، ومتى عرف السبب بطل العجب.

زليتسكي من الكوميديا.. إلى توريط أوكرانيا
بدأ زليتسكي حياته العملية كفنان كوميديا وممثل ومقدم برامج، وتلك مهن محترمة ولا تشكل نقيصة لدى صاحبها. لكن مأساة زليتسكي أنه وبعد انتخابه رئيسا لجمهورية أوكرانيا لم يتنازل عن مواهبه تلك واستمر يؤديها ببراعة، ووجدت فيه الولايات المتحدة ضالتها المنشودة، خاصة وأنها تملك أكبر مصنع للفن والسينما في العالم على وجه الخصوص وهو (هوليوود). ووقع زليتسكي في شباك المخرجين الأمريكان، لكن السياسيين منهم وليس الفنانين، واستجاب برعونته لرغبات وتعليمات أسياده في واشنطن، وتمادى في استفزاز “الدب” الروسي في موسكو، ونسي أو ربما جهل ما جاء في أحد الأمثال بأن من يريد مداعبة القط عليه ان يحتمل جراحه، وأن من يلعب بالنار يحرق أصابعه.
استمرأ زليتسكي المهرج اللعبة خاصة وأن واشنطن كانت ترمي له بالطعم تلو الطعم، وهو يبتلعه ويمضغه مسرورا مقهقها. وظن لغبائه أن طول أناة الرئيس بوتين تجاهه ضعف وخوف من سيدته في واشنطن، فواصل التمثيل واندمج بالدور إلى حد أنساه حجمه الطبيعي، وصور نفسه عملاقا أو جبارا طالما أن أمريكا في ظهره، (كانت سكينا في ظهره وليست سورا كما تهيأ له). وسرعان ما وقع في الفخ، وهنا بدا على حقيقته فأرا في الشباك يصرخ ويولول تارة ويستعطف ويتوسل طورا، علّ من يهب لنجدته أو مساعدته، لكن ظنه خاب من غدر الأصحاب، فلجأ إلى حيلة دنيئة بالتلويح بيهوديته معتقدا أنها ستكون ورقة رابحة، وما علم بان إسرائيل ربيبته في ورطة أكبر من ورطته، وهكذا وجد نفسه ثانية في مصيدة أدخل نفسه فيها بمشورة مدربيه وتركوه وحيدا، فعاد إلى مهنته الأولى إلى التمثيل والتهريج حتى في عز الأزمة والموقف الحرج الذي أوقع نفسه فيه، فحمل هاتفه المتنقل وأخذ يلتقط الصور لنفسه في أكثر من حالة يقفز ويتدحرج ويقف أمام مبان مهدمة أو دبابات معطوبة، ويوجه التهديد لبوتين والنداء لبايدن والرجاء لجونسون والمناشدة لماكرون والاستجداء لبينيت، وكلهم وضعوا القطن في آذانهم والنظارة السوداء على عيونهم وتركوه مع كاميرته يلتقط السلفي علّه يسلّي رواد تلك المواقع!

(شفاعمرو- الجليل)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى