المحادثات الماراثونية دخلت مرحلة حاسمة بل شارفت على الانتهاء.. اختراق وشيك في الملف النووي الإيراني
تصاعدت مؤشرات قرب تبلور اتفاق أمريكي إيراني في فيينا بعد مفاوضات ماراثونية غير مباشرة انطلقت منذ عدة أشهر، شاركت فيها القوى الدولية الفاعلة (مجموعة 5+1 التي تضم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا) بهدف إعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في 2018 في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي أعاد فرض عقوبات قاسية على طهران.
عدة تسريبات دبلوماسية أكدت أن المحادثات دخلت مرحلة حاسمة، بل وقد تكون أشرفت على الانتهاء. التسريبات ذهبت إلى حد تحديد بعض تفاصيل الاتفاق متوقعة أن تتضمن تبادل سجناء بين واشنطن وطهران قريبا. أولوية “الجمهورية الإسلامية” كانت ولا تزال المطالبة بإلغاء العقوبات على قطاعي النفط والمصارف والتي تشل اقتصاد البلاد. كما تصر أيضا على رفع القيود المتعلقة بحقوق الإنسان والإرهاب.
الاتفاق السابق كان قائما على فرض قيود على أنشطة تخصيب اليورانيوم مقابل رفع العقوبات الدولية. وقد بذلت ألمانيا وبريطانيا والصين وفرنسا وروسيا جهودا جبارة لسد الفجوة بين واشنطن وطهران اللتين يظل القرار النهائي في أيديهما، وبالتالي الحسم في مآل المفاوضات.
وبهذا الصدد توقعت صحيفة “فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ” (23 فبراير/ شباط 2022) أن تتضح “نتيجة المحادثات بحلول نهاية الأسبوع المقبل” سواء في اتجاه النجاح أو الفشل. ومن مؤشرات قرب اتفاق وشيك، شروع إيران في نقل مزيد من النفط على السفن، كخطوة استباقية لتسريع قدرتها التصديرية بمجرد الإعلان على الاتفاق ورفع العقوبات. ووفقا لشركة “كيلر” التي ترصد حركة تدفقات النفط على مستوى العالم، فإن قدرة نقل النفط الإيراني بواسطة الناقلات، زادت بحوالي 30 مليون برميل، منذ بداية ديسمبر/ كانون الأول 2021، لتصل إلى 103 مليون برميل. وموضوعيا، من مصلحة الدول الصناعية الكبرى المستهلكة للطاقة عودة النفط الإيراني للأسواق بهدف تهدئة التقلبات في الأسعار التي ارتفعت بأكثر من 20%، هذا العام لتصل إلى 100 دولار للبرميل، وهو وضع فاقمته تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا.
برلين تضغط للحسم بعد أن حانت “ساعة الحقيقة”
وقد عبرت ألمانيا عن موقفها بشأن محادثات فيينا على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن على لسانالمستشار أولاف شولتس الذي قال (19 فبراير شباط) “لدينا الآن فرصة للتوصل إلى اتفاق يسمح برفع العقوبات. لكن إذا لم ننجح بسرعة كبيرة، فإن المفاوضات قد تفشل. المسؤولون الإيرانيون لديهم خيار. الآن حانت ساعة الحقيقة”. وذهب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نفس الاتجاه، داعيا طهران لاتخاذ قرار عاجل. وحث في مكالمة هاتفية استمرت ساعة ونصف الساعة، الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على ضرورة التوصل إلى اتفاق. وأعلن بيان لقصر الإليزيه، أن هناك توافق على حل يحترم المصالح الأساسية لجميع الأطراف المعنية ويمكن أن “يُجنب حدوث أزمة نووية خطيرة”. وأوضح ماكرون أنه يجب على إيران الآن اغتنام الفرصة واتخاذ القرارات السياسية لتأمين الصفقة لصالح إيران والجميع.
موقع إذاعة “دويتشلاندفونك” الألمانية (14 فبراير) نشر بيانات حول البرنامج النووي استنادا إلى معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن. وذكر أن إيران تملك اليوم 4.000 جهاز طرد مركزي جديد عالي الأداء. كما تمكنت من مراكمة 114 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة %20 و17.7 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة %60 وهو ما كان محظورا عليها في اتفاق 2015. وكتب الموقع معلقا بأن الأمر يتعلق بـ”تطور خطير للغاية لأن الجمهورية الإسلامية يمكنها الحصول على اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة النووية بسرعة كبيرة”.
طهران على وعي بأن ساعة الحسم قد وصلت
يعلم صناع القرار في طهران أن المفاوضات النووية وصلت لنقطة اللاعودة، سيتعين فيها اتخاذ القرار الحاسم، ومن مؤشرات ذلك عودة كبير المفاوضين الإيرانيين من فيينا وتوجهه إلى طهران في “زيارة قصيرة للتشاور”. ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن وزارة الخارجية الإيرانية قولها إن علي باقري غادر فيينا (الأربعاء 23 فبراير شباط)، فيما أكدت إيران أن المحادثات ستتواصل على مستوى الخبراء في العاصمة النمساوية. وكان دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي وروسيا اقترحوا في وقت سابق الانتهاء من المشاورات بحلول شهر فبراير الجاري. وأجمعت كل الأطراف أن المحادثات حققت تقدما كبيرا في اتجاه إحياء اتفاق عام 2015 الذي يقوم على مبدأ رفع العقوبات مقابل فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني.
وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أكد من جهته (23 فبرايرشباط) في مؤتمر صحفي مع نظيره العماني في طهران أن “المحادثات النووية في فيينا وصلت إلى مرحلة دقيقة ومهمة (..) نتساءل عما إذا كان بوسع الجانب الغربي تبني نهج واقعي في التعامل مع النقاط المتبقية في المحادثات”. وأكد عبد اللهيان أيضا أنه لا تزال هناك قضايا “مهمة” لم يتمّ حلّها بعد. وقال المسؤول الإيراني “هناك تقدم جيد جدا في المحادثات لكن الكرة الآن في ملعب الطرف الآخر. حان الوقت لأن يتخذ الطرف الآخر قرارات سياسية. مصير بلادنا ليس رهنا لهذا الاتفاق”.
موقف إسرائيل لن يؤثر على مجرى المفاوضات
تعتبر إسرائيل القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط وإن كانت لا تقر بذلك رسميا. وهي تنظر بتوجس لاحتمال وصول الجمهورية الإسلامية لـ”العتبة النووية”، بمعنى قدرتها على امتلاك ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة ذرية. وتُعارض الدولة العبرية بمنطق استراتيجي حصول إيران على السلاح النووي وتعتبره تهديدا لأمنها القومي، وهذا ما يفسر معارضتها لمحادثات فيينا، لكنها تعلم أنه ربما لم يعد بإمكانها منع ذلك، غير أنها تظل متمسكة بعدم استبعاد الخيار العسكري إذا دعت مصالحها العليا لذلك.
رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت حذر بدوره من أن أي تفاهم مع إيران قد يكون “أضعف وأقصر” مما كان عليه لدى إبرام الاتفاق الأول عام 2015. واستطرد بينيت موضحا (20 فبراير) “قد نرى اتفاقا قريبا، الاتفاق الجديد الذي يبدو أنه سيتم التوصل إليه (سيكون) أقصر (زمنيا) وأضعف من الاتفاق السابق”. وشدد بينيت على أن إسرائيل التي عارضت بشدة االاتفاق الأول “تعمل وتستعد لاتفاق آخر على كل الأصعدة”. وترى إسرائيل أن الفوائد التي ستجنيها طهران من رفع العقوبات “ستذهب في نهاية المطاف لتمويل الإرهاب”، مؤكدة أنها لن تلتزم بالاتفاق وستحتفظ بحرية التصرف إذا أحرزت إيران تقدما نحو امتلاك السلاح النووي.