اعتبرت مصر، اليوم الأحد، إعلان إثيوبيا بدء تشغيل سد النهضة “إمعانا” منها في خرق التزاماتها بمقتضى اتفاق إعلان المبادئ الموقع عام 2015.
جاء ذلك في أعقاب إعلان أديس أبابا، في وقت سابق اليوم، عن بدء عملية توليد الطاقة الكهربائية من سد النهضة.
وأكدت الخارجية المصرية في بيان، أن هذه الخطوة تُعد إمعاناً من الجانب الإثيوبي في خرق التزاماته بمقتضى اتفاق إعلان المبادئ لسنة 2015، الموقع من قِبَل رئيس الوزراء الإثيوبي.
وأشارت إلى أن ذلك يأتي “تعقيباً على الإعلان الإثيوبي اليوم 20 فبراير الجاري عن البدء بشكل أحادي في عملية تشغيل سد النهضة وذلك بعد سابق الشروع أحادياً في المرحلتين الأولى والثانية من ملء السد”.
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد دشن، صباح اليوم، رسميا المرحلة الأولى من توليد الطاقة الكهربائية في سد النهضة، الذي يدور خلاف بشأنه مع مصر والسودان منذ بدء إنشائه قبل نحو 10 سنوات.
بدأت أثيوبيا في تشييد سد النهضة على النيل الأزرق في عام 2011، بهدف توليد الكهرباء، وتخشى مصر أن يلحق السد ضررا بحصتها من المياه والتي تحصل على أغلبها من النيل الأزرق.
ورغم توقيع اتفاق مبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا عام 2015، يحدد الحوار والتفاوض كآليات لحل كل المشكلات المتعلقة بالسد بين الدول الثلاث، فشلت جولات المفاوضات المتتالية في التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث على آلية تخزين المياه خلف السد وآلية تشغيله.
الطموح الإثيوبي تهديد وجودي لمصر
وهكذا، وفي ما يعتبر منعطفا كبيرا في المشروع المثير للجدل، بدأت إثيوبيا، الأحد، عملية توليد الطاقة من سد النهضة الضخم الذي يثير توترات إقليمية، خصوصا مع مصر التي تعتمد على نهر النيل لتوفير حوالى 90 في المئة من احتياجاتها من مياه الري والشرب.
ولم تكترث اثيوبيا لاحتجاجات القاهرة أو الخرطوم، اللتين تطالبانها بالتوقيع على اتفاق قانوني ملزم حول ملء السد وتشغيله، منذ بدء أعمال بنائه.
وقد أجرت الحكومات الثلاث عدة جولات من المحادثات لم تفض حتى الآن إلى أي مؤشر عن تحقيق اختراق.
والسد الذي يتوقع أن يكون أكبر مشروع في أفريقيا لتوليد الكهرباء من المياه، في قلب خلاف إقليمي منذ أن أطلقت إثيوبيا المشروع عام 2011.
وتتخوف دولتا المصب جارتا إثيوبيا، مصر والسودان، من تداعيات السد على أمنهما المائي، فيما تشدد أديس أبابا على أهميته لتوليد الكهرباء والتنمية.
وأطلق رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد رسميا عملية إنتاج الكهرباء من سد النهضة على النيل الأزرق، اليوم الأحد.
وقام أبيي برفقة مسؤولين رفيعي المستوى، بجولة في محطة توليد الطاقة وضغط مجموعة من الأزرار على شاشة إلكترونية، وهي خطوة قال المسؤولون إنها أطلقت عملية الإنتاج.
وقال مسؤول خلال مراسم الافتتاح “هذا السد العظيم بناه الإثيوبيون، وها قد وصلنا الى اليوم الذي ضحى وصلى من أجله كل إثيوبي وأمل به”.
النهر الأطول في العالم
يبلغ طول نهر النيل 6695 كيلومترا، وهو يعد بذلك، كما الأمازون، النهر الأطول في العالم، ويشكل مصدرا حيويا للموارد المائية وللطاقة الكهرمائية في منطقة أفريقية قاحلة.
وتساوي مساحة حوض النيل ثلاثة ملايين كيلومتر مربع، أي 10 في المئة من مساحة القارة الأفريقية، ويتوزع بين عشر دول هي بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر وإثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا وجنوب السودان والسودان وتنزانيا.
ويقدر مستوى تدفقه السنوي بنحو 84 مليار متر مكعب.
وينبع النيل الأزرق من إثيوبيا، في حين ينبع النيل الأبيض من بحيرة فيكتوريا. وفي الخرطوم يلتقي هذان النهران ليشكلا معا نهر النيل الذي يعبر السودان ومصر ويصب في البحر المتوسط.
السد الأكبر في أفريقيا
تطمح إثيوبيا لإنعاش اقتصادها بفضل سد النهضة الذي تبلغ تكلفة بنائه أكثر من أربعة مليارات دولار، ويتوقع أن يصبح عندما يبدأ بإنتاج الكهرباء أكبر سد للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، بقدرة إنتاج تفوق خمسة آلاف ميغاواط، أي أكثر بمرتين من إنتاج إثيوبيا من الكهرباء.
وكانت إثيوبيا تخطط في الأساس لإنتاج نحو 6500 ميغاواط، عندما أطلقت المشروع عام 2011، قبل أن تخفض هدفها.
وقال أديسو لاشيتيو من معهد بروكينغز في واشنطن إن “الكهرباء التي ستولد من السد يمكن أن تساعد على إحياء اقتصاد دمرته عوامل مجتمعة من حرب دامية وارتفاع أسعار الوقود وجائحة كوفيد”.
ويقع سد النهضة على النيل الأزرق، في منطقة بني شنقول-قمز، على بعد نحو 30 كلم من الحدود مع السودان، ويبلغ طوله 1,8 كلم وارتفاعه 145 مترا.
وفي منتصف 2020 بدأت إثيوبيا المرحلة الأولى من ملء السد الذي تزيد قدرته الإنتاجية القصوى عن خمسة آلاف ميغاواط.
وأعلنت أديس أبابا أن هدفها للعام 2021 هو ملء خزان السد بـ13,5 مليار متر مكعب إضافية من المياه، علما بأن سعته القصوى هي 74 مليار متر مكعب.
ورغم أن مصر والسودان حضتا مرارا إثيوبيا على تأجيل خططها لملء خزان السد إلى حين التوصل لاتفاق شامل، أعلنت أديس أبابا في يوليو الماضي أن كمية المياه التي يخزنها السد باتت كافية لبدء عملية توليد الطاقة، لكنها لم تعط أرقاما محددة وسط اعتقاد بعض الخبراء بأن الهدف الذي حددته لم يتم بلوغه.
ومن المعروف ان نهر النيل يزود مصر، البلد القاحل الذي يزيد عدد سكانه عن 100 مليون نسمة، بنسبة 90 في المئة من احتياجاتها المائية والزراعية.
وتتمسك مصر بـ”حق تاريخي” لها في مياه النيل، تضمنه سلسلة اتفاقات مبرمة منذ عام 1929. حينها، حصلت مصر على حق الفيتو على بناء أية مشاريع على النهر.
وفي عهد جمال عبد الناصر حصلت مصر، عام 1959، بموجب اتفاق مع الخرطوم حول توزيع مياه النيل، على حصة بنسبة 66 في المئة من كمية التدفق السنوي للنيل، مقابل 22 في المئة للسودان.
أما إثيوبيا فتقول إنها ليست طرفا في تلك الاتفاقات، ولا تعتبرها قانونية.
وشهد عام 2010 توقيع دول حوض النيل، باستثناء مصر والسودان، اتفاقا جديدا نص على إلغاء حق النقض الذي تتمتّع به مصر، وسمح بإقامة مشاريع ري وسدود لإنتاج الكهرباء.
فشل المحادثات الاثيوبية مع مصر والسودان
وتؤكد إثيوبيا، القوة الإقليمية الصاعدة، أن مشروع سد النهضة أساسي من أجل تنمية البلاد، وأنه لن يؤثر على مستوى تدفق المياه.
في المقابل تتخوف مصر من وتيرة ملء خزان السد، ومن أن تعبئته خلال فترة قصيرة، ستؤدي إلى انخفاض كبير في جريان مياه النيل على امتداد مصر.
وتعتبر مصر المشروع تهديدا “وجوديا” لها، فيما حذر السودان من “مخاطر كبيرة” على حياة الملايين من الناس، خشية من أن يلحق أضرارا بسدوده في غياب اتفاقية حول تشغيل السد غير أنه يأمل السودان في أن يسهم المشروع في ضبط الفيضانات السنوية.
ومنذ 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتفاق حول ملء السد وتشغيله، إلا أن جولات طويلة من التفاوض بين الدول الثلاث لم تثمر حتى الآن اتفاقا.
ولم تتوصل محادثات أجريت برعاية الاتحاد الأفريقي لاتفاق ثلاثي حول ملء السد وتشغيله. وطالبت القاهرة والخرطوم بأن تتوقف أديس أبابا عن ملء خزان السد إلى حين التوصل لاتفاق.
غير أن المسؤولين الإثيوبيين يعتبرون ملء السد مرحلة طبيعية من عملية بناء السد ولا يمكن وقفها.
وقد ناقش مجلس الأمن الأولي، في يوليو الماضي، المشروع، إلا أن إثيوبيا التي طالما عارضت بحث قضية السد في مجلس الأمن، اعتبرت بيان المجلس خروجا “غير مفيد” عن المسار بقيادة الاتحاد الأفريقي.
وتبنى مجلس الأمن، في سبتمبر، بيانا يوصي مصر وإثيوبيا والسودان باستئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي. وعقب البيان دعت مصر والسودان لاستئناف المفاوضات حول الأزمة.
توتر إثيوبي – سوداني
وأضيف إلى مصادر التوتر الإقليمية النزاع الدائر منذ نوفمبر 2020 في إقليم تيغراي في شمال إثيوبيا، والذي أدى إلى لجوء عشرات آلاف الأشخاص إلى السودان الذي يعاني أساسا أزمة اقتصادية خانقة.
ويواجه السودان صعوبات سياسية واقتصادية منذ سيطرة العسكر بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في أكتوبر، على الحكم.
كما تشهد العلاقات بين أديس أبابا والخرطوم توترا على خلفية نزاع حول السيادة على منطقة الفشقة الحدودية الخصبة التي تشهد اشتباكات دموية متقطعة بين الجانبين.