محمد حسنين هيكل المدرسة والقامة التي لن تتكرر

“كان يشغل العالم بماذا سيكتب غدا في عموده الشهير بالأهرام بصراحة ، وعندما غادر الأهرام أصبح الاهتمام بماذا يفكر الأستاذ” .
هكذا لخص أحد أشهر الصحفيين في العالم مسيرة وتاريخ الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل رحمه الله الذي غادر عالمنا قبل ستة أعوام تاركا خلفه إرثا ومسيرة احترمها كل من يعمل في عرش صاحبة الجلالة حتى المختلفين مع الأستاذ وفكره ، سواء كان الاختلاف فكريا محترما يمكن تفهم أسبابه أو نفاقا للسلطة التي تعاقبت على حكم مصر بعد الرحيل المفجع للزعيم جمال عبد الناصر الذي كان الأستاذ أحد أقرب المقربين إليه ، ولخص تلك العلاقة الزعيم جمال عبد الناصر بقوله : أنه، أي الأستاذ، الوحيد الذي استطاع أن يفهمني مع أن الأخبار كانت متاحة للجميع وليس للأستاذ وحده .
وهناك ظلم كبير تعرض له الأستاذ الكبير خاصة بعد مأساة رحيل جمال عبد الناصر مفاده ؛ أن الأستاذ كاتب سلطة وقلما للنظام، وهذا الكلام السطحي الفارغ من الحقيقة والمضمون ، الذي حاول المرتزقة من الصحفيين خاصة المقربين من المقتول أنور الساداتي والسائرين على نهجه لأننا يجب أن نقر حقيقة أن مصر منذ انقلاب 14 مايو أيار 1971م ، تسير على نهج السادات بما في ذلك حكم الرئيس الاخونجي محمد مرسي الذي أسقط نفسه قبل أن يسقطه السيسي عندما مارس السلطة بثوب المعارضة ولكنه أكد احترامه وسيره على نهج كامب ديفيد بل ونافق الغرب وأمريكا والكيان الصهيوني بمنح اسم المقتول أنور الساداتي قلادة النيل وهي أكبر الأوسمة في مصر ، ولولا الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل ومع هذا السقوط المزري للأمة منذ زيارة الهالك أنور الساداتي المشئومة لفلسطين المحتلة عام 1977م ؛ لكان أغلب الشعب العربي والمصري يعتقد أن الهالك هو بطل الحرب كما هو شهيد السلام .
الأستاذ الذي عرضت عليه أعلى المناصب في الجمهورية الثانية لمصر ولكنه اعتذر وفضل لقب الجورنرجي على أي موقع ومنصب آخر .
وبلغة الأرقام التي تفضح كتبة الارتزاق والارتهان الأستاذ الكبير كان قريب من السلطة من عام 1957 عندما تم تعينه رئيسا لتحرير الأهرام لغاية عام 1974 ، عندما اختلف مع المقتول أنور الساداتي في الإدارة السياسية لحرب أكتوبر وقال الأستاذ رأيه ونشره في الصحف وفي كتابيه ( الطريق إلى رمضان و على مفترق الطرق ) وأوضح الحقائق أكتر في كتابه الشهير ( حرب أكتوبر السلاح والسياسة ) ليصبح المعارض أو المعترض كما كان يقول عن نفسه تأدبا ، وهكذا عمل بالقرب من السلطة (13 إلى 14 عاما ) ومعارضا أو معترض لمدة 42 عاما أي حتى رحيله .
ولا زلنا نذكر عبارته الشهيرة للرئيس عبد الفتاح السيسي ( بأنه محتاج لثورة على نظامه ) .
أما معارضته للساداتي بسبب نهج الخيانة والتبعية التي سار عليها الساداتي فحدث ولا حرج ، حتى أنه اعتقله في أحداث سبتمبر أيلول الشهيرة عام 1981م ، أي قبل شهر من مقتله .
وسار مبارك على نهج سلفه في معاداة الأستاذ وخيانة الأمة ، حيث كان الأستاذ الكبير أحد أبرز معارضي سيناريو التوريث الذي أراد الهالك حسني مبارك إتباعه في مصر ومحاضرة الأستاذ الشهيرة في الجامعة الأمريكية هي من فجر الرفض الوطني لسيناريو التوريث ذلك الرفض الذي تكلل بثورة 25 يناير المجيدة التي أزاحت مبارك وأسرته وقبله السادات وهم نظام واحد من المشهد السياسي في مصر وإرساله لكهوف النسيان محملا بعار الخلع بعد استهانته بمصر أرضا وشعبا حتى أنه قال لأحد أمراء الخليج أنه لن يورث ابنه خرابه ولم يكن صادقا بالشواهد والأدلة ولا أعلم من أين أصبحت مصر ومتى خرابه .
ومن الجرائم التي عقبت ثورة يناير وصف أيتام كامب ديفيد لمبارك بالوطنية وللمقتول قبله بشهيد السلام .
وعندما بدأت محاكمة حسني اللامبارك قال الأستاذ أكثر من مرة : أن محاسبته يجب أن تكون سياسية عن ضياع هيبة مصر ودورها القومي والأممي وتبذير ثرواتها وبيع الكثير من مؤسساتها وأراضيها ، ولكن للأسف شيئا من ذلك لم يحدث ، والأستاذ قبل رحيله ابتعد عن السلطة حتى وصل ألأمر عندما طلب منه كلمة للرئيس السيسي أجاب : أنه يحتاج لثورة على نظام حكمه.
وفي الذكرى السادسة لرحيل الأستاذ الكبير نتذكر مواقفه المشرفة من قضايا الأمة حتى أنه كان يرى بعين زرقاء اليمامة واقع الغد والمستقبل .
وأمضى 42 عاما من عمره معترضا على السياسة المصرية محاولا الإصلاح الحقيقي ، وأذكر كم كان تفاؤله رحمه الله بثورة 25 يناير من خلال حواراته الطويلة الممتدة مع الإعلامية المعروفة لميس الحديدي وقبلها منى الشاذلي .
لذلك كم نفتقد هذه القامة الصحفية التي لا تتكرر فهو أشهر الصحفيين في العالم وأكثر من ترجمت كتبه ومقالاته لمعظم لغات العالم .
وفي الذكرى السادسة لرحيله أحسنت الدولة المصرية بعمل جناح خاص للأستاذ الكبير في مكتبة الإسكندرية يضم كل كتبه ومقالاته وصوره مع قادة العالم وتعريف أجيال الأمة بعظمائها ومبدعيها .
وبرأيي المتواضع أن الأستاذ رغم شهرته الأممية إلا أنه حتى الآن لم ينل ما يستحق من التكريم الذي يليق به وبتاريخه العظيم .
وفي ذكرى رحيله رحمه الله يبقى أملنا كبير بالدولة المصرية خاصة وكل الأحرار في أمتنا العربية بأن يكرم الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل بما يليق به وبتاريخه وعطائه ، فهو نموذج مشرف لكل أمة الضاد وهو مدرسة إعلامية قد لا تتكرر أبدا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى