باجماع خبراء الاستراتيجية.. العملية العسكرية الروسية في سوريا منحت موسكو الثقة لتحدي الغرب بشأن اوكرانيا

في 8 فبراير/شباط الجاري، نقلت روسيا 6 سفن إنزال من أسطول البلطيق والأسطول الشمالي إلى البحر الأسود بعد مرورها على قاعدة طرطوس في سوريا، وذلك للمشاركة في مناورات عسكرية للجيش والبحرية الروسية.

وأظهر المرور عبر طرطوس، مرة أخرى، أهمية هذا المرفق للأسطول الروسي المتوسطي. ولا تعتبر طرطوس موطئ قدم لروسيا في الشرق الأوسط فحسب، بل تعمل أيضا كعنصر من عناصر البنية التحتية العسكرية لنشاط موسكو العالمي في مواجهة الغرب، وينطبق الأمر نفسه على قاعدة “حميميم” الجوية الروسية في سوريا والتي توسعت قدراتها مؤخرا.

وساعدت الحملة العسكرية في سوريا على تهيئة الجيش الروسي للمواجهة الحالية مع أوكرانيا؛ وما يترتب عليها من توترات مع الولايات المتحدة وحلف “الناتو”.

وورث الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” جيشا روسيا غير كفء بهيكل قديم وأسلحة عفا عليها الزمن، وكان يكافح لتجاوز حرب العصابات التي واجهها في الشيشان.

وكشف الصراع الروسي الجورجي عام 2008 عن مشاكل كبيرة في الجيش الروسي، ترتبط بتقادم المعدات العسكرية ومنظومة الاتصالات. وأثار ذلك تساؤلات حول قدرة القوات المسلحة الروسية على هزيمة عدو مجهز بأسلحة حديثة، مثل جيوش دول “الناتو”.

وأصبحت الحملة السورية إعدادا مهما للقوات المسلحة الروسية لمواجهة أعداء أقوى من الجيش الجورجي الصغير أو المقاتلين الانفصاليين في الشيشان. ولم يكن مؤكدا ما إذا كانت عملية إعادة تسليح الجيش الروسي التي بدأت بعد 2010 تفي بالمتطلبات الحديثة، لذلك كانت سوريا ساحة اختبار لتجربة هذه الأسلحة في ظروف القتال.

وبينما بدأت روسيا الحملة في سوريا بالاعتماد على قاذفات الخطوط الأمامية القديمة من طراز “سو-24″، والتي أثبتت فعاليتها، قامت فيما بعد بتحويل قوتها الضاربة الرئيسية في سوريا للاعتماد على طائرات “سو 34” الجديدة. وأظهرت الأخيرة فعالية قتالية عالية يمكن الاعتماد عليها في حالة نشوب صراع مع أوروبا.

بالإضافة إلى ذلك، أتاح النشاط الروسي في سوريا الفرصة لاختبار صواريخ “كروز” يتراوح مداها بين 1500 و2000 كيلومتر، وتنطلق من السفن الحربية والطائرات.

وإذا لزم الأمر، يمكن تجهيز هذه الصواريخ برأس حربي نووي. وعندما بدأت موسكو في استخدام هذه الصواريخ للمرة الأولى في سوريا، ظهرت بعض المشكلات، ولكن تم القضاء على أوجه القصور هذه في نهاية المطاف، والآن يتم اعتبارها سلاحا قتاليا فعالا للغاية.

ويثير ذلك تساؤلات حول إمكانية تجاوز الاتفاقية التي تحد من نشر الصواريخ متوسطة المدى في أوروبا.

وربما يرد البعض بالتشكيك في العلاقة المباشرة بين التدخل في سوريا والتصعيد الحالي بين روسيا وحلف “الناتو”. ومع ذلك، من الواضح أن العملية العسكرية الروسية في سوريا منحت موسكو الثقة لتحدي الغرب.

وقال “صموئيل راماني”، الزميل المشارك في المعهد الملكي المتحد للخدمات: “لقد لعبت الحملة السورية بالتأكيد دورا في المواجهة بين روسيا والغرب. وأثبتت روسيا أنها تستطيع التدخل عسكريا بطريقة حاسمة. علاوة على ذلك، كان استخدام التكنولوجيات العسكرية الجديدة اختبارا لإمكانية استخدامها في التدخلات في أماكن أخرى، بما في ذلك في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي”.

وقال “ليونيد إيزيف”، الأستاذ المساعد في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، إن الحملة السورية ساعدت في تشكيل صورة روسيا داخل وخارج البلاد كقوة عظمى لها قوة عسكرية قادرة على المواجهة. وكانت هذه هي اللبنة الأخيرة في تأسيس القوة العظمى الروسية، وبعد ذلك لم يكن لدى منتقدي النظام الروسي أدنى شك في أن موسكو قوة عسكرية عظيمة قادرة على اللعب على قدم المساواة مع الولايات المتحدة وحلف “الناتو”.

وبالإضافة إلى البعد العسكري التقني للتدخل الروسي في سوريا، فإن تجربة موسكو مع الدول الأعضاء في “الناتو”، مثل تركيا، تلعب دورا أيضا في المواجهة، فقد أصبحت لعبة الرهانات المستمرة جزءا من العلاقة بين موسكو وأنقرة بشأن سوريا.

وقد تم اختبار استراتيجية مماثلة في عام 2015، عندما أسقطت مقاتلة تركية من طراز “إف-16” قاذفة روسية من طراز “سو-24” على خط المواجهة؛ ما أدى إلى انهيار العلاقات الروسية التركية، وعرض البلدين لخطر الاشتباك العسكري في سوريا.

وفي أوائل عام 2020، اقتربت تركيا وروسيا مرة أخرى من صراع عسكري مفتوح في إدلب، بعد أن نفذت الطائرات الحربية السورية والروسية ضربات ضد الجيش التركي. ومع ذلك، كان الطرفان قادرين على تقديم تنازلات، بالرغم من أنهما قدما في البداية مطالب غير مقبولة لبعضهما البعض.

وربما تكون هذه التجربة أعطت القيادة الروسية الثقة في أن الكرملين سيكون قادرا على الخروج من أي تصعيد، وإيجاد حل مقبول للطرف الآخر.

ويمكن القول إن الساحة السورية أعطت موسكو الثقة للعمل في مناطق أخرى. وبفضل السياسة الروسية في الشرق الأوسط، تعلم الكرملين اللعبة الدبلوماسية بشكل أفضل، وتعلم كيفية الخداع وطرق توضيح موقفه وتوقيت إطلاق التحذيرات.

 

المصدر – كيريل سيمينوف/ المونيتور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى