لماذا لا نعود إلى صاحب الشرعية ومانحها؟

نقاش حاد يدور في الأوساط الفلسطينية حول قرار عقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير، وجوهر الخلاف في تقديري في مجمل القضايا الفلسطينية حول حالة الانتقائية السائدة في سلوك قيادة السلطة، والتي تفرضها على الجميع دون استئذان، ومطلوب من الكل أن يكون مجرد ردة فعل غير مهمة، سواء كانت ردة الفعل تلك قبولاً أو رفضاً، في النهاية هي مجرد ردة فعل، أما الفعل ذاته فلا معيار حقيقي لتوضيح منهجية اتخاذه، هو مجرد مزاج متقلب.
والحل في تقديري لهذه الحالة العبثية التي تفرضها قيادة السلطة في الضفة الغربية أن نعود إلى الأصل، إلى صندوق الانتخابات الذي يفصل بين الجميع، ويحدد وزن كل طرف من المكونات السياسية.
ولكن ما الحل؟ والسلطة تخشى الانتخابات. ليست تلك وجهة نظري، هذا هو التفسير الألطف الذي يمكن من خلاله فهم سلوك قيادة السلطة في مسألة الانتخابات.
هناك رأي أكثر تطرفًا يرى أن السلطة لا تخشى الانتخابات فحسب، بل الحقيقة أنها لا تريد انتخابات، لا تريدها من الأصل، بمعنى لديها قرار مسبق، ومتخذ منذ سنوات: لن نذهب لانتخابات مجددا، لن نذهب إليها بأي حال.
يقول أصحاب هذا الرأي إنهم استنتجوا ذلك من تحليل سلوك السلطة طوال سنوات، فمن يتوقع ذهابه لانتخابات، حتى لو كانت محتملة، لا يقطع رواتب الناس، ولا يحرم منتفعي الشؤون الاجتماعية من العائلات الفقيرة من مستحقاتهم، ولا يفرض إجراءات عقابية على منطقة تشتمل على ثلثي الأصوات الانتخابية المفترض مشاركتها في تلك الانتخابات، ولا يطالب الجيران بفرض الحصار عليهم بشكل علني لا لبس فيه.
وكل ما سبق يؤكد أن السلطة كان لديها قرار، بأن لا انتخابات بأية حال.
ولكن بافتراض أن هذا الرأي متطرف، وأن السلطة كان لديها استعداد لعقد انتخابات، لكنها تراجعت مؤخراً بعد خشيتها من خسارة غير مسبوقة، بافتراض ذلك: ما الحل في مواجهة هذا المزاجية؟
الأصل أن الانتخابات حق لأي شعب، يختار من خلاله ممثليه، لكن السلطة في الضفة تخالف ذلك، لقد خلقت مقدسات فوق سياسية، لا يُمكن ولا ينبغي لأحد أن يقترب منها، منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، هي الثابت الذي لا ينبغي لأحد أن يقترب منه.
وهذا نوع من التضليل الكبير، واللعب على عواطف الناس. منظمة التحرير ثابت أساسي في المعادلة الفلسطينية، وشرعية غير قابلة للمس، ومنجز فلسطيني عظيم، لكن الحديث لا يدور عن المنظمة أصلاً، الحديث يدور عن قيادة المنظمة، من يختارها، وكيف يختارها، ومتى يحاسب من اختارهم، ومتى تجدد شرعية من تم اختيارهم، فيظلون في مواقعهم، أو يزاحون لصالح غيرهم.
تخيل معي أن دولة ما، كلما تم الحديث عن انتخابات فيها، وعن تجديد قياداتها، يتم الحديث عن ضرورة الدولة، وعن أهميتها، وعن مدى التضحيات التي بُذلت لإقامتها.
هذا التضليل مقصود، وتتم ممارسته بمنهجيات متقنة، لأن القيادة الحالية للسلطة والمنظمة -مع كل احترامنا لأشخاصهم- لا شرعية لهم، فيتم الخلط العمد بين شرعية بناء عظيم ممتد، ملك لشعب عظيم، وبين من عمل حارساً في يوم من الأيام لذلك البناء.
يا سيدي كنت حارساً فيما سبق، واليوم صاحب البناء يريد استرداد ملكه، لقد بات يراك عاجزاً مع تقدمك في السن عن حراسة ما كُلفت بحراسته، ارفع يدك، واترك له حق أن يختار، إن كنت تزعم أنك الأكفأ فسيعيد اختيارك، وتعود ظافراً، لتضع أصابعك في عيني من يتهمونك اليوم بأنك مجرد مستبد تستقوي بقوتك على شعبك، وتحرمهم من أبسط حقوقهم، أن يختاروا قيادتهم.
من سيجتمعون في المركزي لا شرعية لهم، لأن الشرعية تُستمد من صندوق الانتخابات، وكل الشرعيات الآتية من خارجه لا قيمة لها، ولا وزن، إنها خصم من رصيد يوشك أن ينفد تماماً، عندئذ سيكون حراك الشعب المحروم من صندوق انتخاباته دون قواعد حاكمة، سيكون كتلة غضب حارقة ومدمرة.
والحل أمام ذلك التهديد في غاية البساطة، هيا بنا إلى صندوق الانتخابات، ولتكن انتخابات شاملة ومتزامنة، تجدد شرعية كل المؤسسات، منظمة، ورئاسة سلطة، وتشريعي.
أعرف أن السلطة لن تستجيب لذلك، فمن يتجاهل الشعب كله لن يستمع لرأي في صحيفة أو موقع إخباري، لكن الكلمة موجهة لصاحب الشأن، للجماهير والنخب والفصائل والتجمعات: أما آنت لحظة الخلاص، لنصرخ جميعاً، تسقط كل الشرعيات، وترتفع شرعية الشعب الفلسطيني، يمنحها من شاء، وينزعها ممن شاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى