عاشقة الإتقان.. توفيق الحكيم يرثي أم كلثوم يوم تشييع جثمانها

فور اعلان وفاة سيدة الغناء العربي أم كلثوم بعد صراعها مع المرض، كتب الأديب المصري الكبير، توفيق الحكيم مقالا بليغا في رثاء سيدة الغناء العربى أم كلثوم، نشره في جريدة الاهرام يوم خروج جنازتها في الخامس من فبراير 1975 قال فيه:
**روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال “ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه” وأم كلثوم كانت هي الاتقان، فلقد كانت تؤدى كل قصيدة وأغنية وكل لحن ونغم الأداء الكامل.
فما شعر أحد السامعين للحظة واحدة أن أداءها في حاجة إلى مزيد، وهذه طبيعة الفنان الأصيل وكانت أم كلثوم فنانة أصيلة، والاتقان ليس كلمة تقال ولكنها حصيلة الدأب والكدح والعمل الطويل، ودافعها دائما هو حب الفنان لفنه اكثر من أى شيء آخر.
لقد رأيت هذا الحب للفن عند أم كلثوم في ليلة دعينا فيها الى حفل خاص منذ نحو ربع قرن احتشد فيه المدعوون لسماع ام كلثوم، لكن أم كلثوم لمحت بفطرتها الفنية ان هذا الحشد من المدعوين لا يحسن الاستماع الذى ينم عن فهم حقيقي، فقد كان نوعا من الاستماع السطحي التظاهري لفئة من المصفقين وليس لصفوة المتذوقين.
فما كان من سيدة الغناء ام كلثوم الا ان اشارت الينا من طرف خفى ان ننسحب وانسحبت معنا برفق من هذا الحفل، وقادتنا الى منزلها وكنا في تلك الليلة خمسة افراد فقط، وجلسنا حولها، ومضت تغنى في سهرة صباحي حتى مطلع الفجر،
كانت أم كلثوم، كما قال أحدنا، تريد ان تغنى لترضي فنها، فإرضاء الفن من أهم صفات الفنان، وهو من أجل ذلك يستميت في الاتقان، فحققت بذلك كلمة نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، واستحقت حب الله العظيم.
رحم الله أم كلثوم رحمة واسعة وادخلها فسيح جناته في الاخرة، كما أدخلت الناس في الدنيا في جنات منها الرائع بالاتقان.