الشاعر والأديب الفلسطيني حنّا أبو حنّا.. وداعًا!


رحل عن عالمنا الشاعر والأديب والمثقف والمربي الأستاذ حنّا أبو حنّا، أحد أبرز شعراء المقاومة والوطن والتراب في الداخل الفلسطيني، ومن رواد الشعر الوطني الثوري الإنساني الأوائل الذين رفدوا حياتنا الثقافية بعد النكبة بأشعارهم وقصائدهم الوطنية الكفاحية الملتزمة بالهم والوجع الفلسطيني.
ولعل من المصادفة والمفارقة أن يرحل حنّا عن الدنيا في ذكرى وفاة الشاعر الفلسطيني الكبير راشد حسين.
يُعد حنّا أبو حنّا المعلم الأوّل للجيل الأدبي الفلسطيني، جيل راشد حسين ومحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زيّاد وسالم جبران وحنّا إبراهيم ومحمود الدسوقي ونايف سليم، وذلك بشهادة الراحل محمود درويش الذي قال “حنّا أبو حنّا علمنا ترابية القصيدة”.
ولد حنّا في 16 تشرين الأوّل من العام 1928 في بلدة الرينة قضاء الناصرة لأبوين فاضلين هما أمين أبو حنّا ونبيهة زايد، وكان والده يعمل مساحًا للأراضي.
أنهى تعليمه الثانوي في مدرسة المعارف الثانوية بالناصرة، ثم تم اختياره ليواصل تعليمه في الكلية العربية بالقدس سنة 1943، وأقام فيها لمدة أربع سنوات، وتخرج من الكلية عام 1947، حاصلًا على شهادة الاجتياز الفلسطينية، وعلى إجازة تعليم أيضًا.
اشتغل حنّا مدرسًا في ثانوية الناصرة البلدية، وانخرط في العمل الثقافي والوطني والسياسي، وأسس جوقة “الطليعة” للموسيقى مع الموسيقار ميشيل درملكنيان. وشارك في إنشاء اتحاد الشبيبة الشيوعية، وفي تأسيس مجلة “الجديد” الثقافية الفكرية عام 1951، ومجلة “الغد” عام 1953، ومجلة “المواكب” عام 1984، ومجلة “مواقف” عام 1993، وشارك أيضًا في تحرير صحيفة “الاتحاد” العريقة مع المثقفين ورفاق الحزب الشيوعي توفيق طوبي وإميل حبيبي وإميل توما وصليبا خميس وجبرا نقولا وعلي عاشور ونبيل عويضة. كذلك شارك في تنظيم المهرجانات الشعرية في أماكن مختلفة، داعيًا أصحاب المواهب الشعرية والأدبية باستثمارها في خدمة الناس والمجتمع والوطن دون طائل.
ولم يقتصر نشاط حنّا في الداخل بل تعداه في الخارج، حيث شارك في مهرجات الشباب العالمي في هنغاريا، ومؤتمر الطلاب العالمي في بلغاريا، وترأس وفد الشبيبة الشيوعية إلى مهرجان الشباب العالمي في موسكو العام 1957، ومؤتمر اتحاد الشبيبة الديمقراطي العالمي في كييف وغيرها.
عانى حنّا الملاحقات السلطوية واعتقل إداريًا، وفي أيلول العام 1956 عاد للتدريس في الكلية الارثوذكسية العربية بحيفا، معلمًا للغة العربية وآدابها، بالإضافة للأدب العالمي. وفي العام 1974 عين مديرًا للكلية، إلى جانب عمله في دائرة اللغة العربية بجامعة حيفا ما يقارب العشرين عامًا، التي استحدث فيها موضوع “الأدب العربي في فلسطين”، كما وعمل مستشارًا في لجنة المناهج التعليمية ونجح بإدخال موضوع الأدب الفلسطيني في المنهاج، ليعرف الطالب العربي تاريخه وتراثه.
بعد تقاعده من الكلية الأرثوذكسية العربية في حيفا، علّم في كلية اعداد المعلمين العرب بحيفا لسنوات طويلة، وادار مركز الجليل للأبحاث الاجتماعية لمدة 4 سنوات، وأشعل عضوًا في الهيئة الإدارية للمسرح الناهض، ومسرح الميدان، ورئيسًا للجنة المراقبة، وعضوًا مؤسسًا في مجمع اللغة العربية.
لحنّا أبو حنّا إصدارات ومؤلفات وأعمال شعرية وادبية وبحثية عديدة، وهي: “داء الجراح (مكتبة عمان، 1969م)، قصائد من حديقة الصّبر (عكا، 1988م)، تجرَّعت سمَّك حتى المناعة (حيفا، 1990م)،”عراف الكرمل”، (حيفا، 2005م) وأصدر دراسات متعدّدة: عالم القصة القصيرة (مطبعة الكرمل، حيفا، 1979م)، روحي على راحتي: ديوان عبد الرحيم محمود، تحقيق وتقديم (مركز إحياء التراث العربي، الطيبة، 1985م)، دار المعلمين الروسية (في الناصرة 1994م)، رحلة البحث عن التراث (حيفا، 1994م)، الأدب الملحمي، ديوان الشعر الفلسطيني، وقام بأعمال ترجمة: ألوان من الشعر الروماني / ترجمة (دار الاتحاد، حيفا، 1955م) وليالي حزيران / رواية مترجمة عن الأدب الروماني (دار الاتحاد، حيفا، 1951م). وكتب في سيرة حياته: ظل الغيمة (دار الثقافة، الناصرة 1997) خميرة الرّماد (مكتبة كل شيء – حيفا 2004)، مهر البومة (مكتبة كل شيء، حيفا 2004).
حنّا أبو حنّا كغيره من الشعراء والمثقفين الفلسطينيين عاش النكبة وعايشها، وذاق على جلده معنى القهر والظلم، فجاءت تجربته الشعرية والأدبية صادقة حارة وأصيلة، وتدور كتاباته الشعرية حول الأرض والوطن والإنسان والهوية والمعاناة اليومية والقضية الفلسطينية بكل تشظياتها وأبعادها.
قدم حنّا أبو حنّا للأدب عمومًا وللفلسطيني خصوصًا لونًا مميزًا وجميلًا، وعرف بلقب “زيتونة فلسطين” لتجذره وأصالته وعطاءاته، وبرحيله تخسر وتفقد الحياة الثقافية الفلسطينية علمًا شامخًا وقامة أدبية وقيمة ثقافية ووطنية سطرت صفحات مشرقة في تاريخنا الثقافي الفلسطيني، فله الرحمة والخلود وطيب الذكرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى