غدا ذكرى رحيلها.. هكذا سهرت باريس مع ام كلثوم حتى الفجر

عندما نحيى غدا الخميس (3 شباط) الذكرى 47 على غياب صاحبة الصوت الذى لا يغيب، والإحساس الذى لن يتكرر فى صوت آخر، والتاريخ الوطنى الذى تجسد فى الصوت الذى لف العالم من أجل دعم المجهود الحربى المصري زمن عبد الناصر، فلابد ان نؤكد أن العرب اتفقوا على ألا يتفقوا «لكنهم اتفقوا على شيء واحد لم يختلفوا عليه، ألا وهو حبهم الجارف للسيدة أم كلثوم التى تزعمت عرش الغناء من المحيط إلى الخليج

فقد قررت سيدة الغناء العربى أم كلثوم إقامة عدة حفلات خارج مصر، بعد نكسة 5 يونيو1967، من أجل المجهود الحربى، وتلقت سيدة الغناء العربى الدعوة من الرئيس الفرنسى شارل ديجول للغناء فى باريس لرفع معنويات العرب فى فرنسا، ولبت أم كلثوم النداء وحطت الطائرة التى تقل أم كلثوم وفرقتها الموسيقية والوفد الإعلامى المرافق لها فى مطار «أورلى».

وصلت أم كلثوم باريس فى الأسبوع الأول من نوفمبر 1967 واستقبلها فى المطار عددٌ من المسئولين الفرنسيين والسفراء العرب وحشدٌ من وسائل الإعلام الفرنسية والعربية والعالمية، وأقامت فى فندق جورج الخامس، وفى اليوم التالى لوصولها خرجت لتتنزَّه فى حديقة «اللوكسمبورج» الواقعة أمام مجلس الشيوخ الفرنسى.

وكان بصحبتها ابن شقيقتها والإعلامى د. على السمَّان الذى قالت له ام كلثوم وهى تتمشَّى فى الحديقة: «أنا حضرتُ إلى باريس لأنه واجب وطنى، وكلنا جنود فى معركة واحدة، ولن نترك مصر فريسة لأى عدوان مهما كانت قوَّته، وسنضحِّى بأرواحنا من أجل وطننا»، وطلبت منه أن يكتب رسالة شكر للجنرال ديجول تُحَيّى فيها موقفه الشجاع بعدم تأييده لأمريكا وإسرائيل فى عدوانهما الغاشم على مصر، وعندما فرغ السمَّان من كتابة الرسالة، وقَّعت عليها أم كلثوم بالعبارة التالية: «أم كلثوم – مواطنة مصرية».

وفى الساعة التاسعة والنصف مساء الإثنين 13 نوفمبر انفرج الستار بمسرح صالة «أوليمبيا» وظهرت أم كلثوم ومن خلفها 20 موسيقيا عزفوا أغنية «أنت عمرى» لمحمد عبد الوهاب، و«الأطلال» لرياض السنباطى، واختتمت حفلها الأول بأغنيتها الجديدة «فات الميعاد» لبليغ حمدى، وفجأةً اندفع أحد الشبَّان الجزائريين وارتمى على ارضية المسرح ممسكاً بقَدَمَيها يريد تقبيلهما، وحاولت كوكب الشرق التراجع إلى الخلف بسرعةٍ محاولةً سحبَ قَدَمَيها من بين يدى هذا الشاب فسقطت على الأرض، وتوقَّفت الفرقة وسارع بعض أعضائها لمعاونة أم كلثوم فى النهوض.

وامسك رجال الأمن الفرنسى بالشاب الجزائرى، وروى الإذاعى جلال معوَّض الواقعة قائلا: «بعدما نهضت أم كلثوم وتمالكت نفسها واستعادت توازنها تابعت غناء «الأطلال»، التى كانت تغنيها قبل أن تقع، فإذا بها بذكائها المتَّقد وسرعة بَدِيهَتها تغنى « هل رأى الحب سكارى بيننا» بدلا من أن تغنّى «هل رأى الحب سكارى مثلنا» وكانت تقصد الشاب الجزائرى السكران، وقالت وكالة الأنباء الفرنسية إن أم كلثوم حولت صالة مسرح «اولمبياد» إلى جزيرة عربية صغيرة وكان سائقو التاكسى فى الخارج يتطلعون إلى ساعاتهم منتظرين انتهاء الحفلة التى انتهت بعد 5 ساعات، وفى مساء الأربعاء 15 نوفمبر أحيت أم كلثوم حفلتها الثانية.

وعندما انتهت أم كلثوم من إحياء حفلتيها جاء مبعوث خاص من القصر الرئاسى الفرنسى ليسلمها رسالة من الرئيس شارل ديجول يقول لها فيها: «مرحبًا بك فى فرنسا، حققتى نجاحًا عظيمًا، أنت ضمير أُمَّة».

وقد ذهبت أم كلثوم لحضور الحفل الذى أقامته على شرفها مصلحة السياحة الفرنسية، وقالت فى حوار صحفي إنها سألت عن موعد العودة لمصر فور خروجها من المسرح لأنها تتوق للوطن، وطلبت من فرقتها عدم شراء هدايا من باريس، لأن مصر فى أمس الحاجة للعملة الصعبة، وقد احتفت جريدة «لوموند» بسيدة الغناء فى عناوين صفحتها الأولى بقولها: «عندما تغنى آلهة الفن المصرى أم كلثوم تهتز الرءوس من شدة النشوة، كما تهتز أغصان النخيل على النيل».

وأضافت: «استطاعت ملكة الغناء العربى أن تسيطر على قاعة الأوليمبيا، وتضع جمهورها تحت سحرها لمدة خمس ساعات. جاذبيتها كامنة فى صوتها الملاطف القوى الحنون، النقى كحبات الكريستال، إنها تسحر كل فرد وتخلق اندماجا كاملا بين خشبة المسرح والصالة، وأداؤها الفريد يثير تنهدات البعض ودموع الآخرين»..

وعادت أم كلثوم لمصر واستقبلها الرئيس جمال عبد الناصر فى بيته، موجها لها الشكر على مجهودها الوطنى الكبير من أجل مصر، وقد تبرَّعت أم كلثوم بإيرادات حفلتيها فى باريس بالعملة الصعبة للمجهود الحربى .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى