السلطة الدينيّة وأزمة العقل العربي المعاصر

في هذا الزمن العربي الرديء الذي أضعنا فيه طريقنا وفشلنا في فهم واقعنا وصحيح ديننا وحماية وطننا وأمننا وكرامتنا، اختلط العفيف المقدّس بالمدنّس، والديني النقيّ بالدنيوي المسيس الملوّث، والحقّ الواضح بالباطل، وأصبحنا أمّة متناحرة من شعوب وقبائل تقوم ثقافتها على النقل ومحاربة إعمال العقل، ورفض التغيير والتفاعل مع ثقافات وتطورات العالم الحديث.
العقل العربي اليوم مصاب بآفة الضمور بسبب تحييده وقلّة استخدامه، ويعاني من ضرر بالغ ألحقه به رجال الدين الجهلة الذين نجحوا في إقصائه، وحرموه من نعمة التفكير الحر، وأثقلوه بالموروث الثقافي المشوّه الذي تراكم خلال القرون الماضية، وأدخلوه في متاهات المكروه والمرفوض والمستحب والمقبول، واعتبروا كل مثقف يتمرد على التقوقع الفكري ويطلق العنان لخياله، ويفكر بالحياة والكون والوجود والعدم بحرية وبلا خوف ويتساءل لماذا، وكيف، ومن أين، وإلى أين خارجا على الجماعة، أو مرتدا كافرا يشكّل خطرا على الأمة تجب معاقبته، وطلبوا منا ألا نستخدم عقولنا ولا نفكّر لأنهم هم أصحاب الحقيقة المطلقة الذين يفكّرون نيابة عنا، ويخرجون لنا الفتاوى التي تجيب على جميع الأسئلة، وتحلّ جميع المشاكل المتعلقة بقضايا دنيانا وآخرتنا لنسير على هداها!
ولهذا أصيبت أمتنا العربية” بكساح عقلي”، وأصبح عقلنا الجمعي ماضويا قبليا طائفيا منغلقا آحادي الثقافة عاجزا عن الفكاك من القيود والأغلال التي فصلتها له السلطات الدينية المتحالفة مع الأنظمة الدكتاتورية التسلطية العربية، وفاشلا في كسر الجمود والانطلاق إلى آفاق الحداثة والابداع العلمي والفكري. فقد وصفه المفكر المغربي محمد عابد الجابري بالقول” إن العقل العربي قام بإلغاء الزمان والتطور عن طريق رؤية الحاضر والمستقبل من خلال الماضي، فهو فكر غير تاريخي ذو زمان راكد، لا يتحرّك ولا يتموّج، لذلك كانت قراءته سلفية تنزّه الماضي وتقدّسه وتستمد منه الحلول الجاهزة لمشاكل الحاضر والمستقبل.”
نحن نعيش في هذا العالم الحداثي القائم على العلم والثقافة والحرية الفكرية الدائم التجديد والتجدّد، ولا يمكننا أن نكسر القيود والأغلال التي تقيد عقولنا ونتجاوز أزماتنا الحالية، ونواكب حركته وعلومه وثقافته إلا بالتصدي لتجّار الفتاوى والخطب والمواعظ الماضوية والمسيّسة، وبالتخلي عن فلسفة النقل واللجوء إلى إعمال العقل، ودعم الفكر النقدي والحرية والتسامح، ومحاربة التعصب والانغلاق والتكفير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى