الحقبة التركية المظلمة في التاريخ العربي

 

المواقف التي اتخذها رجب طيب اردوغان منذ صعوده الى سدة الحكم عام 2002 تجاه اسرائيل وقيامه بتغيير السياسة التركية القديمة الشديدة الالتصاق بها, كما كان الحال ايام الحكم العلماني الكمالي-القومي الطوراني , واعلانه التعاطف مع الشعب الفلسطيني وكلامه المتكرر عن القدس ومحاولته كسر الحصار على قطاع غزة وفتحه ابواب تركيا لقادات وكوادر حركة حماس ,,,,,, هذه كلها دفعت الكثيرين بيننا الى الاعجاب الشديد به, بل واحيانا التغني باسمه والمبالغة في ذلك حتى تم تصويره وكأنه المُنقذ والمُخلّص. وليس ذلك غريبا علينا , فنحن شعب شرقي تغلب علينا العاطفة وننساق بسهولة وراء الزعماء وخصوصاً اذا لامسوا وتراً حساساً في القلوب: فلسطين. اذن شعبيّة اردوغان يمكن فهمها في هذا السياق.
ولكن ما يدفعنا للكتابة هو ما لاحظناه من قيام البعض بتوسيع نطاق محبته لاردوغان لتشمل تركيا كلها بل وتوسيع ذلك النطاق اكثر وجعله يصل – بأثر رجعي- حتى الى الدولة العثمانية ! فصرنا نرى من يعلن حنينه الى الدولة العثمانية ويتحسّر علناً على ايامها الغابرة! ولذلك أحببتُ أن أصدم هؤلاء الهائمين بحب الآغوات والباشاوات , والمُمجّدين لحكم الاستعمار التركي ( البعض صار يستنكر اطلاق صفة الاستعمار على حكم الاتراك لبلادنا العربية على اعتبار انهم مسلمون , والمسلمُ لا يستعمر المسلم! ) بحقيقةٍ تاريخيةٍ لن يحبوها ولن يستسيغوها , ولكنهم لن يستطيعوا لها دفعا !
فبالنسبة الينا نحن أمة العرب لا يكاد يوجد في تاريخنا الطويل فترة أكثر سواداً من فترة الاستعمار التركي / العثماني! 400 سنة طويلة من الظلام الدامس عشناها تحت حكمهم وتجبّرهم. 400 سنة كادت تؤدي الى القضاء علينا تماماً كأمةٍ تحت الشمس. حتى اللغة العربية التي هي لغة الاسلام الذي كانوا يحكموننا باسمه كادت تندثر وتتلاشى على يد مدحت باشا وأضرابه ممن ارادوا جعل كل شيء تركياً ولم يروا فينا غير رعايا وضيعين ليس عليهم سوى الخضوع والطاعة للصدر الأعظم والباب العالي !دمّروا كل شيء , دمّروا الثقافة والحضارة والانسان, ونهبوا كل شيء. لم يتميز العثمانيون بشيء سوى القتال , ولم يكن عندهم الاّ الجيش الذي أقاموا عليه امبراطوريتهم. انكشاريّة ومقاتلون , لا غير.
وحتى لا نبقى في الكلام الانشائي نطلب من عشاق العثمانيين ان يجيبونا ويردّوا علينا : ماذا حصل للأمة العربية خلال الفترة العثمانية الطويلة ؟ وعلى جميع الصُعُد والمجالات ؟ أين اختفى العمالقة والعباقرة ؟ ولماذا توقفت أمتنا عن إنتاج مفكرين وعلماء ومبدعين خلال فترة حكمهم؟
أين عظماء الأدب والشعر ؟ اين المتنبي وابو تمام ؟ أين ابو فراس الحمداني ؟ اين الفرذدق وجرير؟ أين ابو العلاء المعري؟ اين البوصيري؟
أين عمالقة العلوم والرياضيات والهندسة ؟ اين جابر بن حيان والخوارزمي والادريسي ؟
اين عظماء الطب والجراحة ؟ اين ابن الهيثم و الرازي وابن النفيس والزهراوي ؟
أين أهل الفكر وعلم الاجتماع والفلسفة والحكمة ؟ اين ابن طفيل وابن رشد والفارابي وابن سينا ؟ اين ابن خلدون ؟
اين الكبار من اهل التاريخ والتدوين والاخبار ؟ اين الطبري والبلاذري والمسعودي؟ اين ابن الاثير وابن عساكر والخطيب البغدادي ؟
اين كبار شرّاح القرآن والحديث؟ اين ابن كثير و ابن الجوزي وابن حجر العسقلاني؟
بل أين أهل الدين ذاته من كبار الفقهاء والعلماء ؟ اين الشافعي وابو حنيفة ؟ اين الغزالي وابن حزم ؟
لا شيء لا شيء . محلٌ وقحط. توقفت أمتنا تماماً عن العطاء والابداع . ظلامٌ دامس فرضه المستعمرون الاتراك على أمتنا العربية . ولولا وجود القرآن الكريم , محفوظا في الصدور , لضاعت حتى لغتنا العربية ولصرنا نحن أثراً بعد عين.
لا أعادها الله علينا من أيام.
*كاتب من الاردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى