العمالة الأجنبية وتهديد الهوية العربية الخليجية .. لماذا؟ ومن المسؤول عن ذلك؟

تواجه دول مجلس التعاون الخليجي مأزقا حقيقيا، وتسير نحو منعطف خطير قد يهدد استقرارها، ومن الممكن أن يهدد وجود بعضها في المستقبل نتيجة لاعتمادها بشكل كبير على وجود العمالة الوافدة من دول أجنبية بما فيها الدول العربية، حيث ان دول الخليج تعتبر الوافدين العرب “أجانب” مثلهم مثل الهنود والفلبينيين والتايلنديين وغيرهم الذين ينتمون لجنسيات غير عربية، وتجاوزت أعدادهم أعداد عدد السكان الأصليين في بعض دول المجلس كالإمارات، وقطر، والكويت، والبحرين، وقاربت على الوصول لنصف عدد السكان في السعودية، وعمان، وإلى نصف عدد سكان دول المجلس ككل. ولهذا تعد دول مجلس التعاون الخليجي من أكثر دول العالم جذبا واستعانة بالقوى العاملة الأجنبية.
فقد حذر رئيس الاستخبارات والسفير السعودي السابق في لندن وواشنطن الأمير تركي الفيصل في محاضرة ألقاها بنادي الاحساء الثقافي في الأسبوع الأخير من ديسمبر 2021، من خطر العمالة الوافدة، ومن استمرار السياسات التي تتبعها دول مجلس التعاون الخليجي بالنسبة إلى أعداد العمالة الأجنبية الموجودة فيها قائلا إن ” بعض دول الخليج تعاني من خلل سكاني، وهو جرس إنذار لما يحمله المستقبل من تحديات وطنية شاملة، وإن استمرار السياسات المتبعة سيجعلنا أقليات في بلادنا وبالتالي وجودنا نفسه سيكون عرضة للخطر.”
ما ذكره تركي الفيصل حقيقيا وليس جديدا، فمن المسلم به أن ثمة ارتباطا طرديا بين تزايد العمالة الوافدة، خصوصا الأسيوية، وتحديدا الهندية والفليبينية والتايلندية، وبين تصاعد المخاطر التي تقلل فرص العمالة الوطنية وترفع نسب البطالة، وتهدد الأمن والاستقرار وثوابت الهوية الوطنية المرتبطة باللغة والثقافة والعادات العربية لدول المجلس. لكن تركي الفيصل تجاهل الأسباب الحقيقة التي أنتجت هذا الوضع الديموغرافي الخطير، ومن أهمها أن دول مجلس التعاون التي تحكمها عائلات لا يهمها سوى المحافظة على أنظمتها السياسية الوراثية وعروشها ونفوذها وامتيازاتها، تخاف من تزايد الوجود العربي فيها وتعتبره مهددا لأنظمتها. ولهذا عززت حدودها الاقليمية مع الأقطار العربية الأخرى، ووضعت قيودا شديدة على دخول وإقامة العمالة العربية لخوفها من التأثير السياسي القومي الوحدوي والثقافي الذي قد ينقله الوافدون العرب لإخوانهم أبناء الخليج، أو بسبب خلافاتها السياسية مع بعض الأنظمة العربية، ومنعت المقيمين العرب من الزواج من نساء خليجيات، ومن الحصول على جنسياتها.
وفي المقابل فتحت دول المجلس الباب على مصراعيه للعمالة الآسيوية التي تعتبرها غير مسيسة لا تهتم إلا بكسبها المالي وتحسين أوضاعها المعيشية في بلادها، ومنحت بعض دول المجلس الجنسية لأعداد كبيرة من غير العرب، وتناست أن العمالة الأجنبية الكثيفة المجنسة والمقيمة قد تهدد الأمن والاستقرار بالتظاهر والإضرابات والعصيان المدني والجريمة، وقد تطلب التدخل والحماية من دولها في حال اندلاع أعمال عنف تهدد سلامتها، وهناك أيضا سيناريوهات أخرى قد يتم من خلالها تحويل المسألة الديموغرافية إلى مسألة سياسية من أهمها حقوق العمال والمهاجرين حيث طرحت الفلبين والهند ذلك في أكثر من مناسبة، فمنذ ما يزيد عن عشر سنوات تساءل وزير العمل الهندي ” لم لا يكون هناك مسؤولون من الهنود المقيمين في دول التعاون في حكومات تلك الدول؟”
كان وما زال من الأفضل لدول مجلس التعاون الحريصة على أمنها واستقرارها وحماية حدودها وأوطانها من الأعداء الطامعين بها وثرواتها وهم كثر، ان تضع سياسات للاستغناء عن العمالة الآسيوية واستبدالها بعمالة عربية، وصهر العمال والمهنيين العرب من أطباء ومهندسين ومدرسين في المجتمعات الخليجية بتجنيسهم كما فعلت دول متقدمة مثل كندا وغيرها، أو على الأقل منحهم إقامات دائمة، والسماح لهم بالاستثمار، والخدمة في الجيش والمؤسسات الحكومية. فالعربي يشترك مع المواطن الخليجي في التاريخ واللغة والدين والعادات والتقاليد والمصير المشترك؛ ومستعد للدفاع عن الدولة الخليجية التي تمنحه الجنسية أو الإقامة الدائمة وتساوي بينه وبين مواطنيها في الحقوق والواجبات، لأنه يعتبرها جزءا لا يتجزأ من وطنه العربي الكبير ويختلف بذلك تماما عن الوافد الآسيوي الذي لا تربطه بدول المجلس روابط تاريخية أو لغوية أو دينية أو ثقافية، وينظر إليها كأماكن للكسب المادي، ويغادرها عندما يحقق هدفه المالي، أو عندما يشعر أن سلامته في خطر.
المسؤولون عن هذا الوضع الديموغرافي الراهن الذي يهدد أمن ومستقبل دول الخليج هم حكام الخليج الذين لا يثقون بابن جلدتهم الوافد العربي؛ فهم الذين عمقوا الحواجز الحدودية بين دولهم والدول العربية الأخرى؛ وهم الذين سنوا القوانين العنصرية المجحفة التي تميز بين المواطن الخليجي والمقيم العربي في الراتب الشهري، وتلزمه بتجديد إقامته كل عام، وتعرضه للطرد من وظيفته والإبعاد القسري من البلاد في أي وقت، وتحرم أولاده من التعليم في المدارس الحكومية والجامعات والعناية الصحية المجانية، وتفرض عليه ضرائب ورسوم إقامة مرتفعة، وتحرمه من نظام التقاعد بعد وصوله السن القانونية.
وختاما نقول لحكام الخليج ان العرب المقيمين في دولكم هم أخوة لأبناء الشعوب الخليجية؛ فهم جميعا ينتمون للوطن العربي الواحد، ويعانون من الخلافات والانقسامات العربية – العربية ويحملونكم أنتم وحكام الأقطار العربية الأخرى المسؤولية عن إيجادها واستمرارها وتداعياتها؛ أي إن الوافدين العرب ليسوا أجانب كما تعتبرهم وتعاملهم أنظمتكم، ولو أن دولكم سمحت لهم بالتجنس أو بالحصول على الإقامة الدائمة والانصهار في مجتمعاتكم لكان بإمكانهم مشاركة المواطنين الخليجيين في العمل على استقرار وازدهار وحماية دول المجلس، بينما العمالة الأجنبية التي تفضلونها على العربية تشكل خطرا ماحقا على هويتكم الوطنية، وعلى مستقبل ووجود أنظمة حكمكم وبقائكم على عروشكم!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى