يوم وبّخ هواري بومدين القيادة السوفييتية: لم آتِ عندكم للغداء والعشاء

يوم امس كانت الذكرى الــ 43 لوفاة الرئيس الجزائري المناضل هواري بومدين (27-12-1979). وهذه اضاءة على أحد ابرز المواقف العروبية القومية التي سجلها التاريخ له.

مباشرة عقب انتهاء حرب 1967 والهزيمة الكبيرة التي تلقتها الامة العربية, شدّ الرئيس هواري بومدين, وبتنسيق مع جمال عبد الناصر, الرحال الى موسكو للقاء القيادة السوفييتة. وفي يوم 12 حزيران عقد اجتماع موسع حضرته القيادة السوفييتة العليا بكاملها ضم بريجينيف (الامين العام للحزب الشيوعي) و كوسيغين (رئيس الوزراء) وغروميكو (وزير الخارجية) و بادجورني (رئيس الدولة), في مقابل هواري بومدين الذي كان يتكلم باسم الامة العربية كلها في ذلك الظرف العصيب.
ونحن ننقل محضر الاجتماع كما ورد في كتاب “الانفجار” لمحمد حسنين هيكل والذي استند الى وثيقة من محفوظات قصر عابدين بناء على ما سجله الرئيس الجزائري وارسله الى عبد الناصر من خلال السفير المصري في موسكو مراد غالب.
بدأ بومدين حديثه بالقول انه يأسف لأنه طلب من سفير الجزائر في موسكو ابلاغ السلطات السوفييتية أنه لا يريد حفلات تكريم على غداء او عشاء. وكان الرئيس الجزائري قد شعر بالاستفزاز عندما اطلعه السفير الجزائري على برنامج أعد لزيارته السريعة لموسكو يبدأ بحفل عشاء لتكريمه. وأضاف بومدين مخاطباً بريجينيف “انه لم يجئ هنا لكي يتغدى او يتعشى, وانما هو يريد ان يفهم”.فرد عليه بريجنيف ” أنا وزملائى نفضل أن نسمع منك أولا رؤوس المسائل التي تريد ان تتحدث فيها”. فقال بومدين انه ليس لديه رؤوس موضوعات وانما لديه موضوع واحد يتمثل في سؤال يريد ان يطرحه ويسمع جوابا قاطعا عليه”!
ركز القادة السوفييت انتباههم , وجاء السؤال الواحد من بومدين: “ما هو حدود الوفاق بينكم وبين الأمريكيين ؟”
ويبدو ان القادة السوفييت لم يفهموا المطلوب من السؤال بدقة , فاستطرد بومدين ” إننا نراه وفاقا من جانب واحد، أنتم تتصرفون بأقصى درجات الضعف وهم يتصرفون بأقصى درجات القوة”!
فقاطعه رئيس الوزراء كوسيجين ” نحن لا نتصرف بضعف”. فرد بومدين ” بل تتصرفون بمنتهى الضعف, وإذا كنتم تتصورون أننى جئت إلى هنا لكى أجاملكم فإنى لن أفعل ذلك, لقد جئت لأحدثكم بالحقيقة. والحقيقة أننا لسنا وحدنا الذين هزمنا, وإنما أنتم هزمتم فى نفس الوقت معنا بل قبلنا! وإذا كنتم لا ترون أن ميزان القوى العالمية قد تحول لصالح الناحية الأخرى فهذه مصيبة, وإذا كنتم ترون ذلك ولا تفعلون شيئا فهذه مصيبة أكبر. وأنتم اكثر من غيركم تعرفون مدى الدور الذي قام به الامريكيون مع اسرائيل, وما كانت لتقدم عليه وحدها لولا هذا الدور. وتعرفون ايضا اكثر من غيركم ما الذي يعنيه ضرب القوى التحررية العربية في التوازن الدولي القائم. كما انكم تعرفون ان جزءا كبيرا مما تحملناه كان مقصودا به وجودكم ونفوذكم المعنوي في المنطقة. وقد تركتم ما حدث يحدث رغم انكم اول من حذر منه دون ان يصدر عنكم اي رد فعل إلا بالبيانات والمقالات”.
رد كوسيجين “هل تريدنا أن ندخل فى حرب نووية؟ وهل تقدرون ما هو معنى الحرب النووية واحتمالاتها ؟”
فقال بومدين ” ان هذا الكلام كان ينبغى أن تفكروا فيه قبل الأحداث وليس بأثر رجعى بعدها “.
وتدخل بريجنيف في الحديث وقال منادياً “بومدين” بـ”الرفيق” : “إن الاتحاد السوفيتى لم يكتف بالبيانات والمقالات, وإنما قدّم لأصدقائه العرب ما يحتاجون إليه من السلاح, ولكنهم لم يحسنوا استعماله”.
فقد بومدين أعصابه وقال لبريجينيف “ليكن! نحن لا نحسن غير أن نسوق الجمال ولا نعرف كيف نقود الطائرات الحديثة, فتعالوا أنتم وأرونا ما تستطيعون عمله” ثم اضاف ” معلوماتى تؤكد أن السلاح الإسرائيلى كان متفوقا في الكم والعدد”. فرد كوسيجين: “حاولنا أن نستجيب لطلباتكم وقدمناها بأسعار مريحة, بل أنكم لم تسددوا حتى ربع تكاليف ما حصلتم عليه.”
استبد الغضب بـبومدين فقال أنه كان يتخوف من مثل هذه الملاحظة, واستعد لها بأن طلب من وزير المالية الجزائرى ان يعد له تحويل لصالح وزارة الدفاع السوفيتية بمبلغ مائة مليون دولار. ثم أخرج الصك بالمبلغ, وكان يحتفظ به فى ملف أمامه, ووضعه على الطاولة !
فأحمر وجه كوسيجين قائلا ” لست تاجر سلاح حتى تعاملنى بالشيكات”.
فرد بومدين, بأنه لم يبدأ, وإنما أنت الذى تحدثت عن نصف الثمن وربع الثمن.
تكهرب جو الاجتماع, فاقترح بريجنيف رفع الجلسة لاستراحة قصيرة, وبعدها يستأنفون النقاش.

وكانت النتيجة النهائية لزيارة بومدين هي الاتفاق أن يقوم رئيس الدولة السوفييتي نيكولاي بادجورنى بزيارة عاجلة الى مصر للقاء الرئيس جمال عبد الناصر، لتسوية الامور وتنسيق الموافق.

*كاتب من الاردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى