الانسان هو الذي يقرر نجاحه أو فشله في حياته

بقلم: د. كاظم ناصر

كلنا نرغب في أن نكون من أكثر الناس نجاحا في حياتنا ، وكلنا نفكر في الحصول على أفضل الأشياء في الحياة وفق فهمنا للأفضلية وتعريفنا لها في الجتمعات التي نعيش فيها . كل واحد منا يحب أن يكون ناجحا في تكوين أسرة سعيدة ، وأن يحصل على تعليم جيد ، وأن يكون غنيا أو ميسور الحال ، وأن يملك بيتا جميلا ، وأن يتزوج امرأة جميلة ، وأن تكون له مكانة إجتماعية جيدة الخ. هذة الأماني الطيبة التي تتوق اليها كل نفس إنسانية سوية ، هي أحلام جميلة ومشروعة لكل إنسان يعيش على كوكبنا هذا .
حياتنا الانسانية القصيرة هذه ليست إلا رحلة استكشاف غامضة ومثيرة ، ولا خيار أمامنا سوى أن نعيش كل تناقضاتها . خلال هذه الرحلة تكون في حياة كل منا أوقات يشعر خلالها أنه على قمة جبل التفاؤل والنجاح ، وفي أوقات أخرى يشعر أنه فقد الأمل وإنه ينحدر إلى أعماق وادي الياس والفشل . قلة من الناس تحقق نجاحا مميزا في حياتها يعود بالنفع عليها وعلى الآخرين ، وأغلبية الناس تتوزع إنجازاتها فتكون عادية أو هامشية ، أو ضئيلة أو فاشلة . ولكننا جميعا كأناس نشترك في شيء وهو أن الحياة أعطيت لنا وإنها في أيدينا لنعمل منها أفضل ما يمكننا عمله . إننا نتعلم الكثير من نجاحاتنا وإخفاقاتنا ، ومن سعادتنا وتعاستنا ، ومن كسبنا وعطائنا ، ومن آلامنا وسرورنا . هذه التناقضات في تجاربنا تعلم كل من يريد أن يتعلم منا كيف يغير نفسه ويكون إنسانا أفضل . إن كل تجربة يجربها كل واحد منا ، وكل خبرة يكتسبها جيدة كانت أو سيئة ، تجعله ينمو وتعلمه كيف يتعامل مع الحياة بسرائها وضرائها ، وتجعل حياته أسهل وأكثر إثارة ومتعة .
إرادة الله خيرة ، والله يريد الازدهار والتقدم والنجاح للكل ، ولا علاقة له بالفشل لانه لا يريده لاحد من مخلوقاته . ألانسان هو من يحدد أحلامه وطموحاته وأهدافه في الحياة ، وبالتالي هو الذي يحدد مستقبله ونجاحه أو فشله من خلال تعامله مع شؤونه الحياتية ، ومن خلال محاولاته وجهوده لتحقيق أهدافه التي حددها لنفسه . ألانسان المصمم على النجاح لا يتوقف عن بذل جهوده لتحقيق هدفه كما قال احد الحكماء ” ما أغلق الله على عبد بحكمته إلا وفتح له بابين برحمته .”
الناجحون موجودون في كل مجتمعات العالم ديموقراطية كانت أو ديكتاتورية . صحيح أن تحقيق النجاح المميز أصعب في المحتمعات التسلطية والمتخلفة منه في المجتمعات الديموقراطية الحديثة ، لكن التاريخ شاهد على أن الكثير من الخالدين عاشوا في مجتمعات تسلطية ولكنهم نجحوا لأنهم تمكنوا من خلق الظروف الملائمة ، ولأن عزيمتهم وإرادتهم كانت أقوى من الهزيمة ، وأقوى من الياس والاستسلام ، وأقوى من الحاكم المتسلط ، وأقوى من أعدائهم اللذين حاولوا إيقاف مسيرتهم .
الانسان يملك طاقة كامنة هائلة ، وإذا استغلها وطورها فإنه يستطيع أن يحقق ما يشاء ويتحدى كل العقبات بما فيها الاعاقة الجسدية . إن عددا لا يستهان به من عظماء التاريخ كانوا يعانون من عاهات جسدية دائمة ، أو مشاكل عقلية ، ولكنهم وبفضل عنادهم وإصرارهم على النجاح ، تمكنوا من صنع معجزات وقد موا خدمات جليلة للانسانية جمعاء . من هؤلاء كان ثلاثة من عظماء المسلين من فاقدي البصر هم الشاعر العظيم أبو العلاء المعري ، والكاتب والوزير طه حسين ، والبخاري صاحب صحيح البخاري ، وألبرت أينشتاين صاحب النظرية النسبية التي غيرت فهم العالم للكون كان غبيا وبطيء التعلم ، وطوماس أديسون الذي أضاء العالم كان أطرش ، وهيلين كيلر كانت عمياء وخرساء وطرشاء ، وبيتهوفن ألذي ما زال يطرب العالم بموسيقاه كان أطرش ، وستيفن هاوكنج أعظم عالم فيزياء ما زال على قيد الحياة مشلول بالكامل . هؤلاء الناجحون يثبتون لنا أن النجاح المميز ممكن جدا إذا أصر الانسان على تحقيقه ، وأن العقبات مهما كانت يمكن التغلب عليها .
الفاشلون أساتذة في تبرير فشلهم . يدعون دائما أنهم فشلوا بسبب الظروف الصعبة في مجتمعهم ، أو لأن الآخرين وقفوا في طريقهم وخلقوا لهم المشاكل وتأمروا عليهم ، أو لأن هذا هو نصيبهم في الحياة وهو ما كتبه الله لهم ، الله لا يكتب الفشل ولا يريده لأحد ، إنه يريد الخيرلأن إرادته خيرة . ألانسان المصمم والمسلح بعزيمة لا تلين ولا تتهاوى أمام الصعاب ، يصنع الظروف التي تساعده على النجاح . يقول الكاتب المسرحي البريطاني جورج برناندشو ” يلوم الناس ظروفهم على هم ما فيه من حال . ولكنني لا أؤمن بالظروف فالناجحون في هذه الدنيا أناس بحثوا عن الظرو ف التي يريدونها فاذا لم يجدوها صنعوها بانفسهم .”
ألانسان الفاشل يشعر في أعماقه أنه فاشل أو خلق ليفشل ، ويقبل بأي شيء يمكنه أن يحصل عليه أو يصل اليه ، ويرفع شعار القناعة كنز لا يفنى لخداع نفسه وتبرير فشله ، ويستسلم لأوهامه وخموله ، ويؤمن بأنه مهما حاول أو فعل فانه سوف يواجه الكثير من الصعاب وسوف يفشل ، ولا ينتهز الفرص الجيدة التي قد تتوفر حوله ، أو تعطى له لأنه يرفض التغيير والجهد والمغامرة . يقول الزعيم الافريقي الخالد نيلسون مانديلا إن الفشل هو الخطوة الأساس في طريق النجاح ” الحكمة في هذه الحياة ليست في التعثر ، إنما في القيام بعد كل مرة تتعثر فيها .” أما توماس أديسون الرجل الذي أضاء العالم فانه يعتقد ان الفاشل لا يريد أن يعمل وان النجاح لا يتحقق إلا بالعمل ” يخسر الناس معظم الفرص التي تواجههم لأنها تاتيهم دائما بملابس العمل ، فلا توجد فرص مجردة من الجهد إلا في الأحلام ولا يقابل الفرص في الأحلام إلا النيام .”
وبالمقارنة فإن الانسان الذي ينجح يعتقد أنه سوف ينجح ويرفض التفكير في الفشل ، ويحلم أحلاما كبيرة ومهمة ، ويثق بنفسه ويؤمن بقدرته على تذليل الصعوبات والمعوقات التي تعترض طريقه ، ويحدد هدفه أو أهدافه ، ويضع خطة أو خططا واضحة ويعمل بلا كلل أو ملل لتحقيق ما يريد تحقيقه ، ويؤمن إيمانا قاطعا أن العمل هو مفتاح النجاح الأساسي ، ويتعلم من تجارب الآخرين وخاصة كبار الناجحين ، ويؤمن بالتغيير المستمر للأفضل ، ويتمتع بالشجاعة والجرأة والصبر ، ويحب نفسه ويحترمها ، ويدرك أهمية الحياة وقيمتها ، ويؤمن بالعمل الجماعي ، ويقيم علاقات تفاهم وود مع الآخرين في مجتمعه ومع العالم من حوله ، ولا يخاف من إنتقاد الاخرين له ، ويعتقد أنه يستطيع أن يبني ويعمر وينتج حتى من الحجارة التي يقذفه بها أعداؤه كما يقول الشاعر الألماني غوته ” يمكنك أن تصنع الجمال حتى من الحجارة التي توضع لك عثرة في الطريق .” ويقول شاعر الهند طاغور ” شكرا للأشواك ، فقد علمتني الكثير .”
الفشل والتعاسة ليست مكتوبة على جبهاتنا كما يتصور أو يعتقد الفاشلون . كان الله يعلم عندما طرد آدم وحواء من الجنة أنهما سيواجهان ظروفا قاسية للبقاء على قيد الحياة ، وأنهما سيضحيان وسينجحان ومن بعدهما ذريتهما في بناء هذا العالم الجميل الذي نعيش فيه . ألعصاميون والمصرون على التقدم والتغيير هم الذين كافحوا ونجحوا في تغيير حياتنا للأفضل ، ولولا جهودهم الرائعة لبقينا كما كنا منذ آلاف السنين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى