الأقلية الخليجية التابعة للغرب تعرقل عودة سورية

فيما شكلت زيارة مسؤولين سعوديين إلى دمشق والتقائهم بالرئيس بشار الأسد شخصياً، في بداية صيف 2021، خطوة انفتاح وحوار تجاه سورية مهمة من جانب المملكة السعودية، جاء الهجوم اللاذع الذي شنَّه مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي يوم الخميس 16ديسمبر/كانون الأول 2021 ، على الرئيس بشار الأسد و الدولة الوطنية السورية، في كلمة خلال جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة خُصصت لمناقشة قضايا حقوق الإنسان في بعض دول العالم، ومن بينها سورية،ليؤكدَّ مرَّة أخرى المواقف المختلفة بين الملك السعودي سلمان، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الرجل القوي الذي يقود السياسة الخارجية السعودية الخاضعة دائمًا لإملاءات و أجندات الولايات المتحدة الأمريكية و الكيان الصهيوني المعادية لعودة سورية إلى جامعة الدول العربية، والعداء البهيمي لمحور المقاومة،ودور إيران الإقليمي في إقليم الشرق الأوسط.
وكان لولي العهد السعودي محمد بن سلمان أكثر من مرَّة، مواقف مختلفة، حتى عند وجود شبه إجماع عربي خليجي حول قضية معينة. من ذلك أنه عندما زار مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد، العاصمة الإيرانية طهران، واستقبله الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، قام محمد بن سلمان بجولة خليجية، شملت سلطنة عمان، ومملكة البحرين، وكان على رأس جدول أعماله، برنامج إيران النووي والصاروخي، بكافة مكوناته وتداعيات.
الجامعة العربية وتصحيح دورها
على الرغم من أنَّ كثيرًا من الآمال تبخرت وذهبت أدراج الرياح مع تحول ما يسمى ب”انتفاضات الربيع العربي” التي انطلقت مع بداية سنة 2011،بسبب جنوح بعضها لا سيما في كل من ليبيا وسورية نحو الصراعات الأهلية،وتدخل أطراف دولية غربية وإقليمية خليجية وتركية، لخوض الحرب الإرهابية عبر وكلائها من الحركات الإرهابية و التكفيرية من أجل إسقاط الدولة الوطنية في سورية،فإنَ جامعة الدول العربية كسَّرَتْ أحد المحرَّمات التي قيدت عملها طيلة أكثر من ست عقود سبقت”انتفاضات الربيع العربي”، وهو المبدأ المتمثل في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، واحترام نظم الحكم القائمة فيها،وهو مبدأ أساسي رسخته الجامعة منذ تأسيسها، ونصَّ عليها ميثاق الجامعة العربية بوضوحٍ.
ففي خضم احتدام الأزمة السورية، اتخذت جامعة الدول العربية، تحت تأثير القوى العربية المناهضة للدولة الوطنية السورية، ولاسيما قطر والمملكة السعودية، إلى اتخاذ قرارٍ متشدد بتعليق عضوية سورية في الجامعة سنة 2012،إضافة إلى ارتمائها في أحضان كل القوى الدولية والإقليمية التي تشرعن عملية التدخل العسكري لإسقاط الدولة،وفرض العقوبات المختلفة.
في ضوء الانتصار الذي حققته الدولة الوطنية السورية في حربها على الإرهاب،وفشل أمريكا وحلفائها الإقليميين من صهاينة وأتراك وخليجيين، في تحقيق مخططهم بتقسيم سورياطائفيًا ومذهبيًا وعرقيًا، بدأ ت الجامعة العربية ومعها بعض الدول الخليجية في تغييير مواقفها من الأزمة السورية.
في هذا السياق، قال نائب وزير الخارجية السوري،الدكتور بشار الجعفري، إنَّه لا شك في أن قطر تعرقل مشاركة دمشق في اجتماعات الجامعة العربية، ورأى أنَّ زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، إلى دمشق، تؤكد وجود انفتاح عربي على سورية، معتبرًا أنَّ “الرياض ما تزال تطبّق أجندة غير عربية، وسياستها مرهونة للأجندة الغربية، وأن النظام أكبر من أن يرد على تصريح أي موظف سعودي من هنا أو هناك”.
وأضاف في مقابلة مع قناة “الميادين”: “14 سفارة عربية تعمل في دمشق، ومن يناهضون سوريا هم الأقلية”.وحول عودة مقعد سورية إلى الجامعة العربية التي جرى الحديث عنها مؤخراً، أكّد الجعفري أن “سوريا لم تخرج من الجامعة العربية، لأنَّها من الدول المؤسّسة لها”، وأضاف: “لم نخرج من لباسنا القومي”.
الأقلية الخليجية هي التي تغرد خارج السرب،إذ يلحظ المراقبون و المتابعون لشؤون المنطقة،منذ سنة 2018، أنَّ هناك انفتاحًا عربيًا على الدولة الوطنية السورية ، انعكس من خلال إقدام حُكومات خليجيّة وعربيّة على إعادة فتح سِفاراتها في دِمشق، وقِيام مسؤولين بارزين فيها بزيارة العاصمة السوريّة كان آخِرهم الشيخ عبد الله بن زايد، وزير الخارجيّة الإماراتي، وقبله الجِنرال خالد الحميدان، رئيس جهاز المُخابرات السعودي الذي وصل إلى دِمشق على رأس وفد أمني كبير، والتقى نظيره السوري اللواء علي المملوك، رئيس مكتب الأمن القومي السوري، مثلما التقى أيضًا الرئيس السوري بشار الأسد (أيّار ـ مايو 2021)، مثلما كان وزير السّياحة محمد السوري رضوان مارتيني قد زار الرياض في التّوقيت نفسه للمُشاركة في مُؤتمر لمنظمة السّياحة العالميّة، الأمر الذي فتح الباب على مِصراعيه أمام تكهّنات إعلاميّة تحدّثت عن قُرب عودة العلاقات وإعادة فتح السّفارات المُغلقة للبلدين.
تباين مصري – سعودي من عودة سورية
لم تتأخر مصر على الردِّ على الموقف السعودي،قال مصدر دبلوماسي مصري سابق، إن موقف القاهرة من الدولة السورية “ثابت وعميق ولن يتغير، بناء على موقف أي من الأطراف العربية الأخرى، لا سيما المملكة العربية السعودية”، وذلك في إشارة لهجوم سفير المملكة في الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، الخميس الماضي، على الرئيس بشار الأسد و الدولة السورية.
وأكد المصدر الدبلوماسي المصري، في حديث صحفي، أن “العلاقات بين الدولة المصرية، أياً كان من يقودها، وبين النظام البعثي في سورية، قوية وتاريخية ومتجذرة، ولا يمكن التنازل عنها لصالح أي تحالفات جديدة. لأن المصالح القومية المصرية العليا، وفق الرؤى الرسمية، تقتضي ذلك”.
وأوضح أن العلاقات التاريخية بين مصر و”سورية البعث” هي “علاقات أجهزة استخباراتية قديمة، منذ تأسيس حزب البعث السوري، وهي علاقات لا تتغير بتغير الحكم في مصر. ولذلك فإن الدولة المصرية ستظل حريصة كل الحرص على مسألة إعادة سورية إلى الجامعة العربية
قريباً، مهما كان توجه الحلفاء الخليجيين، وعلى رأسهم السعودية”.
وقال الدبلوماسي المصري السابق، إن حديث السعودية عن نظام الأسد “سيتسبب، بطبيعة الحال، في إحراج لمصر، التي تسعى جاهدةً، إلى جانب الجزائر،لإعادة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية”. وأضاف أن “المساعي المصرية الجزائرية كادت أن تنجح، في ظل توافق إقليمي ودولي داعم لإعادة سورية. وفي الوقت التي كانت فيه دولة قطر تقف وحيدة في مواجهة تلك المحاولات، فإن الأمر اختلف الآن، مع إعلان السعودية الواضح في الأمم المتحدة المناوئ لنظام الرئيس بشار الأسد”.
وتدعم عدد من الدول العربية أبرزها مصر والإمارات والجزائر، عودة الدولة السورية إلى الجامعة العربية، كما أعادت كل من الأردن والإمارات، علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع دمشق.وتقود مصرفي الوقت الراهن تيار عودة سورية لمقعدها في الجامعة العربية، خلال القمة المقبلة، وهي تريد حسم هذا الملف ، بحيث إذا لم يتم التوصل لتمثيل الدولة السورية بالقمة المقبلة التي ستعقد في الجزائر في نهاية مارس 2022، على الأقل يكون هناك توافق بشأن عودة سورية لمقعدها بالجامعة، من خلال طرح الملف على القمة المقبلة، ويتم التصويت عليه.
تفكيك النظام الإقليمي العربي لخدمة مشروع الشرق الأوسط الكبير
أثبتت الأقلية الخليجية على اختلاف مكوناتها،التي تصدت لقيادة السياسة الرسمية العربية، في مرحلة ما بعد “انتفاضات الربيع العربي”،أنَّهَا مصممةٌ على تفكيك ما تبقى من النظام الإقليمي العربي، واستبداله بنظم أخرى بديلة “أمريكية-صهيونية”، على غرار مشروع الشرق الأوسط الكبير ، وغيرها من الصيغ التي يعت إلى إدماج قوى إقليمية ودولية، وفي مقدمتها الكيان الصهيوني ، في قلب النظام الإقليمي العربي، وتحويل هذا الأخير إلى مشروع أو فكرة”الناتو الإقليمي” التي طرحتها إدارة ترامب السابقة سنة 2017، لتشكيل تكتل إقليمي يضم حلفاء واشنطن الرئيسيين في المنطقة (دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر ، والأردن) إضافة إلى الكيان الصهيوني وتركيا، الذي ستكون مهمته الرئيسة مواجهة محور المقاومة و إيران.
يأتي الهجوم السعودي الأخير ضد عودة سورية إلى جامعة الدول العربية،متزامنًا مع انتهاء الجولة السّابعة لمُفاوضات فيينا النوويّة بين إيران والدّول السّت الكُبرى دون التوصّل إلى أيّ اتّفاقات، أو حتى تحديد موعد مُحدّد لاستِئنافها، مما يعني أن احتِمالات الحرب الأمريكيّة الإسرائيليّة ضدّ إيران باتت كبيرةً، في ظِل التّهديدات وحالة التوتّر المُتصاعدة.
كما يأتي هذا الهُجوم الدولة السورية والرئيس بشار الأسد ، ومن على منصّة الأمم المتحدة، لإجهاض تحرّك الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي يقوم بمساعي عربية كبيرة من أجل إعادة سورية إلى الجامعة العربيّة في القمة العربية المقبة التي ستعقد في الجزائر آذار/ مارس المُقبل.
كما يأتي هذا الهجوم أيضًا على الردّ على السياسة الإقليمية الإماراتية الجديدة، والتي قوامها، الانسحاب من حرب اليمن تقريبًا،والانفتاح على كل من سورية و إيران، ، لا سيما بعد زيارة الشيخ طحنون بن زايد، مُستشار الأمن القومي الإماراتي إلى طِهران قبل عشرة أيّام، وتردّد أنباء عن قُبول الرئيس الأسد دعوة من الشيخ محمد بن زايد وليّ عهد أبو وظبي لزيارة الإمارات حملها إليه الشيخ عبد الله بن زياد وزير الخارجيّة، وتَبِعَها اتّصال هاتفي بين الرئيس السوري والشيخ ملحد بن زايد.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
إن الجامعة العربية عجزت عن معالجة الأزمات العربية، وفي طليعتها الأزمة السورية، إذ تَنَحَّتْ جانبًا عن إدارة هذه الأزمات وتركتها للقوى الدولية والإقليمية المعادية للدولة الوطنية السورية. كما أثبتت هذه الجامعة فشلها في بلورة إدراك مشتركٍ لطبيعة المخاطر التي تهدِّدُ الأمن القومي العربي ، وكيفية التعامل معها، و لا سيما في ما يتعلق بمصار التهديد الرئيسية لهذا الأمن مثل الحركات الإرهابية و التكفيرية والكيان الصهيوني .
إنَّ السياسة الإقليمية التي يمارسها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، بعد أن أصبح الرجل القوي في المملكة السعودية ،والماضي قُدُمًا في تتويج نفسه خلفًا لوالده “المريض” وتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني في مُحاولةٍ لكسْر عُزلته، والحُصول على اعتِراف أوروبا وأمريكا وحُلفائهما بتولّيه العرش،تتسم بالطفولية السياسية ، لأنَّها تجعل من أمريكا والكيان الصهيوني حليفًا استراتيجيًا،ومن إيران وسورية ومحور المقاومة عدوًا رئيسيًا.وهذه السياسة الطفولية لولي العد السعودي ،ولأمير قطر، تعرقل في الوقت الحاضر المساعي المصرية الجزائرية لإعادة سورية إلى الجامعة العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى