اضواء على التخطيط الإسرائيلي في مجالات المياه والطاقة والسياحة

انطلقت التصورات (الإسرائيلية) للنظام الإقليمي في الشرق الأوسط من أن (إسرائيل) المركز والقائد للنظام الإقليمي والمستفيد الأول منه، وذلك لكي تحكم سيطرتها على مسارات التطور الاقتصادي والسياسي والأمني فيه. وبالتالي تحقق الاكتفاء الذاتي والاستقلال الاقتصادي عن المساعدات الأمريكية والألمانية، مما يساعدها في المستقبل على فرض الهيمنة الصهيونية على الشرق الاوسط واليهودية الامريكية على العالم بأسره.
إن النظام الإقليمي المطروح، الذي تعمل الولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة دول الاتحاد الأوروبي على فرضه وتسويقه يتضمن إجراء تغييرات جيوسياسية، بما يخدم تحقيقه، وبعبارة أدق كما أعلن الرئيس الأمريكي بوش إعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة العربية وتعيين كرزايات أكثر تبعية من السابقين، وتخليد الوجود العسكري الأمريكي في العراق والخليج لنهب ثرواته النفطية والحيلولة دون مساهمته في دعم النظام العربي والتطبيع والتحالف مع اسرائيل.

وتركز الصهيونية والكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية على نسيان الماضي، وطمس ذاكرة أمتنا التاريخية، وتغيير المناهج الدراسية وكتب الجغرافيا والتاريخ لكي تضع ركائز النظام الإقليمي المطروح بقيادة اسرائيل العظمى الافتصادية وأتباعها العرب.
وتجري حالياً بعد الحرب الأمريكية العدوانية على العراق وتدمير جيشه ومنجزاته وتواجد القوات الأمريكية في العديد من البلدان العربية رسم الخريطة الجديدة للوطن العربي على حساب وحدته واستقلاله وسيادته وثرواته وشعونه ومواطنيه لفرض هيمنة الإمبريالية الأمريكية والصهيونية عليه بمساعدة دول الاتحاد الأوروبي والخليج والمغرب.
وتخدم الاتفاقيات التي وقعها وسوف يوقعها العدو الصهيوني إلى وضع النواة لإقامة إطار جديد أو خارطة جديدة. فاتفاقيات الإذعان والتطبيع والابراهيمية الجديدة هي العمود الفقري لإقامة النظام الجديد بقيادة اسرائيل.
ركز ويركز الكيان الصهيوني والولايات المتحدة على التعاون الإقليمي والحل الاقتصادي كإجراء مسبق لفرض عملية التسوية وليس نتيجة من نتائجها، أي أن العدو (الإسرائيلي) يريد الأرض والأمن والسلام والتعاون الاقتصادي وفرض سلام القوة والسلام مقابل السلام. ودعمته الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وأنظمة الخليج والسيسي والمغرب والعسكرتارية السودانية، والبنك الدولي وأخذوا يربطون التقدم على مسارات التسوية في إطار التعاون الاقتصادي الإقليمي والتطبيع ، كخطوة أولية لاندماج الاقتصاد الإقليمي في الاقتصاد العالمي بقيادة اسرائيل وامريكا.
وتولي دول الاتحاد الأوروبي اهتماماً كبيراً بالشرق أوسطية والمتوسطية لمجموعة من العوامل يأتي في مقدمتها أهمية النفط والغاز والسوق العربي والمنطقة اقتصادياً لأوروبا، ولأن التنمية والاستقرار فيها تقودان إلى التخفيف من الهجرة منها إلى البلدان الأوروبية.
أما فيما يتعلق بالسوق الشرق أوسطية فتجري المحاولات لجعل (إسرائيل) المركز والقائد لها، أي قيادتها للمركز الإقليمي المرتبط مع المركز العالمي في وول ستريت بالولايات المتحدة. وتكون (إسرائيل) أيضاً القاسم المشترك بين الشرق أوسطية والمتوسطية المرتبطة بالمركز الأوروبي. وستكون (إسرائيل) بوابة الاستيراد والتصدير للمنطقة وأكبر مستودع لتجميع النفط والغاز والاستيراد والتصدير. وبالتالي تتوجه الفوائد والأرباح إلى الاقتصاد (الإسرائيلي) وإلى الشركات الأمريكية والأوروبية المرتبطة معه على حساب الوطن والمواطن والأمة.
وتلعب الطاقة والمياه دوراً مهماً في النظام الأقليمي المطروح، نظراً لأن المصادر الحالية لا تفي بالاحتياجات في المستقبل القريب، مما يزيد من إمكانية انفجار النزاعات حول مصادر الطاقة والمياه في المنطقة .وتلعب الهجرة اليهودية المستمرة وسرقة العدو (الإسرائيلي) للنفط والغاز والمياه الفلسطينية واللبنانية والسورية والتكاثر السكاني وشح الطاقة والمياه دوراً في تأزيم المشكلة في المنطقة.
حوّلت (إسرائيل) مجرى نهر الأردن، وتسرق كميات كبيرة من النهر. وتسرق المياه الجوفية في الضفة الغربية وجنوب لبنان والجولان. واستولت على مياه الليطاني وبانياس ومنطقة الباقورة والغمر الأردنية. وبالتالي فإن سرقة (إسرائيل) للطاقة وللمياه العربية ستكون من أحد العوامل لاستمرار النزاع معها في المستقبل. يضاف إلى ذلك أن بعض دول الإقليم ومنها تركيا وأثيوبيا يستخدم ورقة المياه في الأنهر الدولية كوسيلة من وسائل الضغط للحصول على مكانة في النظام الإقليمي المطروح.
وأدت الأطماع الصهيونية التاريخية في مياه الجولان إلى قيام بريطانيا وفرنسا انتزاع بعض الأراضي والقرى اللبنانية والسورية وضمها إلى فلسطين في اتفاقية عام 1923 التي وقعتها بريطانيا وفرنسا. وكان بن غوريون، مؤسس الكيان الصهيوني يطلق على جبل الشيخ أبو المياه لفلسطين.
وضغطت الحركة الصهيونية على بريطانيا لتعديل حدود سورية ولبنان وفلسطين التي أقرها مؤتمر الحلفاء في سان ريمو في نيسان 1920 وهي: الجليل الأعلى، مرتفعات الجرمق، والمنخفض المائي الذي يضم قسماً من مياه سورية ولبنان.
طرحت تركيا و (إسرائيل) مشروع أنابيب السلام لترسيخ النظام الإقليمي المقترح وإعطاء تركيا دوراً مهماً فيه، وطرح تورغوت أوزال، رئيس وزراء تركيا الأسبق عام 1987، برميل ماء مقابل برميل نفط. ويعتمد مشروع أنابيب السلام على مياه نهري جيحون وسيحون ونقل الفائض من مياههما عن الاستهلاك الداخلي عبر خطين من الأنابيب:
الأول: الخط الغربي: يتجه إلى سورية والأردن و (إسرائيل) والمنطقة الغربية من السعودية.
والثاني: الخط الشرقي: خط أنابيب الخليج ومركزه سورية ويتوزع إلى الكويت والمنطقة الشرقية من السعودية وقطر والبحرين والإمارات العربية وعمان.
وتزيد الكلفة الإجمالية للخطين عن عشرين مليار دولار. ولكن المشروع تأجل بسبب رفض الأطراف العربية بحث التعاون الإقليمي المائي قبل الانسحاب (الإسرائيلي) الشامل من جميع الأراضي العربية المحتلة.
وتولي (إسرائيل) السياحة في النظام الإقليمي المطروح أهمية خاصة، نظراً للأموال الهائلة التي يمكن أن تجنيها من جراء علاقات السياحة بينها وبين العرب.
وتلعب السياحة دوراً هاماً في العلاقات بينها وبين دول المنطقة للأسباب التالية:
* وجود الأماكن المقدسة والمسجد الأقصى في القدس وبيت لحم والناصرة وطبرية، مما يشجع على الحج وعلى السياحة الدينية.
* وجود معالم سياحية جذابة على سواحل البحر الأبيض المتوسط والأحمر والميت وبحيرة طبرية.
* وجود سياحة صيفية وشتوية بسبب المناخ والتضاريس والتركيز على السياحة الطبية.
* توافر المنشآت السياحية ومحلات اللهو والترفيه.
وتتضمن المخططات (الإسرائيلية) للسياحة توسيع القدس الكبرى وتهويدها مع البلدة القديمة حتى أريحا وبناء الفنادق والمعالم السياحية فيها وعلى الحدود مع الدول العربية وإنشاء مشاريع سياحية مشتركة، كالمشروع المسمى “ريفيرا البحر الأحمر” الذي يربط بين ساحل إيلات والعقبة وطابا من جزيرة المرجان عبر طابا، وساحل المرجان في إيلات وصولاً إلى العقبة وحتى نيوم السعودية. ويتطلب المشروع التعاون الإقليمي بين (إسرائيل) والأردن ومصر والسعودية. ويتوقع المخططون (الإسرائيليون) الحصول على أموال ضخمة من جراء استقبال السياح العرب وتصدير الخدمات السياحية إلى البلدان العربية.
وتقود السياحة إلى علاقات قوية بين دول المنطقة وشعوبها وكسر الحواجز النفسية المزمنة نتيجة للصراع العربي الصهيوني واغتصاب فلسطين العربية والقضاء على أزمات اسرائيل المزمنة.ملتأا
وتساهم السياحة في رفع مستوى الحياة وتزيد من عجلة التطور وإستهلاك البضائع والخدمات.
والغى العدو الصهيوني بدعم من الولايات المتحدة وأوروبا المقاطعة العربية والهرولة في التطبيع والابراهيمية قبل إنهاء الاحتلال وعودة اللاجئين الى ديارهم.
وإستجابت دول مجلس التعاون الخليجي للمساعي الأمريكية والاسرائيلية وألغت المقاطعة من الدرجتين الثانية والثالثة بعد اجتماع وزراء خارجيته مع وزير الخارجية الأمريكي وارن كرستوفر في الأول من تشرين الأول 1994.ووقعت إتفاقات التطبيع .وتحوّلت الامارات الى وكر للموساد ومستوطنة اسرائيلية في الخليج والبحر الاحمر.
ويمكن القول إن النظام الإقليمي في الشرق الأوسط يقود إلى سيطرة (إسرائيل) الاقتصادية والعسكرية والسياسية والامن والاستخباراتية على المنطقة في غياب إستراتيجية عربية واحدة وقوية وقادرة على مواجهة الأخطار التي تمكّن من رسم الخارطة الجديدة للوطن العربي في ظل التفتيت والتطبيع والقواعد الامريكية والتحالف العربي مع اسرائيل والأوضاع العربية والإقليمية الدولية الراهنة، وإقامة اسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال محافل التطبيع الابراهيمية ومشروع الشرق الاوسط الجديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى