“الراتب بالليرة والحياة بالدولار”.. ارتفاع ملحوظ وغير مسبوق على “أسعار كل شي” في دولة اردوغان

أنهى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان زيارة لقطر،  امس الثلاثاء، دون الإعلان عن صفقات كبيرة أو أي إشارة على أن الدوحة، ستزيد مساعدتها المالية، في وقت تكافح فيه تركيا انهيار عملتها وارتفاع التضخم.

وبحسب البيان الصادر، عن وكالة الأنباء القطرية، فقد وقع إردوغان وأمير قطر تميم بن حمد على العديد من الاتفاقيات في مجالات تتراوح بين الإعلام وإدارة الكوارث، وتعهدا “باستكشاف مزيد من السبل” لتعزيز الروابط الاقتصادية والتنسيق المالي.

وذكر بيان مشترك أن قطر وافقت على تمديد اتفاقية مبادلة عملات مع تركيا، ضاعفتها الدوحة ثلاثة أمثال إلى 15 مليار دولار العام الماضي. وتهدف الاتفاقية إلى تعزيز الاحتياطيات الأجنبية لتركيا واستقرار الليرة. ولم يشر البيان إلى زيادة حجم المساعدة المالية المباشرة، بحسب رويترز.

التضخم يرهق الأسواق التركية بشكل ملحوظ

ويواجه المواطنون الأتراك، وغيرهم من الجنسيات الأخرى المقيمة في البلاد، ارتفاعا ملحوظا وغير مسبوق في “أسعار كل شي”. المواد الغذائية بشتى أصنافها والسيارات وحتى إيجارات المنازل وقوائم الوجبات في المطاعم الشعبية وذات الدرجة العالية من الرفاهية.

سيركان، أحد المواطنين الأتراك (35 عاما)، كان اعتاد أسبوعيا في السابق على الذهاب إلى سوق البازار الشعبي لشراء احتياجاته من الخضراوات والفواكه، نظرا لأسعارها المنخفضة هناك، والتي تناسب الحياة المعيشية لفئة كبيرة داخل البلاد، لاسيما أصحاب الطبقة الفقيرة والمتوسطة.

واليوم يقول سيركان لفضائية “الحرة”: “الصورة العامة للبازار تغيرت كثيرا. لم يعد شيء على حاله. الأسعار تتضاعف بين الأسبوع والآخر، والبضاعة رخيصة الثمن في السابق باتت تصنف الآن ضمن قائمة الرفاهيات”.

يتقاضى الشاب التركي راتبا شهريا يعادل 3500 ليرة تركية، وذلك لقاء عمله في مصنع للأحذية في حي إكي تيلي بمدينة إسطنبول التركية، وينظر بعين “الترقب والأمل” حاليا إلى ما ستفضي إليه الاجتماعات الخاصة بالحكومة التركية في الأيام المقبلة، من أجل إقرار الحد الأدنى للأجور.

ويوضح سيركان أنه، وبالنظر إلى ما تشهده حياة المواطنين في الوقت الحالي، يجب ألا يقل الحد الأدنى للأجور عن 5000 آلاف ليرة تركية، مشيرا إلى أن هذا الحد قد يواكب التقلبات اليومية في الأسعار. حتى ولو بجزء بسيط.

وكانت لجنة تحديد الحد الأدنى للأجور اجتمعت، صباح الثلاثاء، للمرة الثانية خلال أسبوع، وتتكون من خمسة عمال وخمسة أصحاب عمل وخمسة ممثلين حكوميين.

ومتحدثا في الاجتماع، أعلن وزير العمل والضمان الاجتماعي، فيدات بيلجين، عن نتائج الاستطلاع، الذي أجراه مع 604 من أرباب العمل و2500 عامل في 26 مدينة، وذلك خلال شهر نوفمبر الماضي.

وبحسب الاستطلاع يعتقد 33.9 في المئة من أصحاب الشركات والمديرين أن الحد الأدنى للأجور يجب أن يكون بين 3500 – 3750 ليرة تركية، بينما 37.3 بالمئة من العمال يتوقعون حدا أدنى للأجور بين 3 آلاف و4750 ليرة تركية.

ومنذ أسابيع يطالب اتحاد النقابات العمالية (DİSK) بزيادة الحد الأدنى للأجور إلى 5 آلاف و200 ليرة صافي، في خطوة سبق أن تطرق إليها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بقوله: “إننا نبذل الجهد اللازم لعدم دفع موظفينا ضد التضخم، بالمعدلات المرتفعة التي نقدمها للعاملين في القطاع العام وموظفي الخدمة المدنية”.

وأضاف “سنخفّض العبء الواقع على محدودي الدخل من خلال تحديد الحد الأدنى للأجور بطريقة مماثلة”.

“الراتب بالليرة والحياة بالدولار”

عند الحديث عن ارتفاع الأسعار لا تقتصر التأثيرات على المواطنين الأتراك، بل على الآخرين من جنسيات مختلفة، وخاصة اللاجئين السوريين الذين تتجاوز أعدادهم 4 ملايين، ويتوزعون على مختلف الولايات التركية.

وبينما ارتفعت أسعار الخبز التركي “إكمك” في جميع المتاجر لتصل في بعض منها إلى ثلاث ليرات تركية، ارتفعت أيضا أسعار الخبز السوري، ليصل سعر الربطة الواحدة 8 ليرات تركية، بعدما كانت تتراوح بين 3 و4 ليرات.

محمد خطيب، شاب سوري يعمل في متجر تركي بحي الفاتح في مدينة إسطنبول يقول إن ارتفاع الأسعار يشمل كل شيء، موضحا أن كل صنف من المواد الغذائية التركية ارتفع بنسبة تتجاوز 25 في المئة.

وهناك ارتفاع آخر يخص المنتجات ذات المنشأ السوري، وخاصة الخبز والمعلبات.

ويضيف الشاب السوري “مثلا خلال أسبوع واحد فقط، ارتفع سعر كيلو القهوة الواحد 50 ليرة تركية. علبة شاي ‘المتة’ تجاوز سعرها 25 ليرة بعدما كانت 13 ليرة في السابق”.

ويتابع خطيب: “معظم الناس هنا يتقاضون رواتبا بالليرة، لكن ومنذ أكثر من 3 أشهر باتت الحياة متعلقة بالدولار. الأسعار تتغير بشكل شبه يومي. ليس فقط في المتاجر الخاصة، بل أيضا في متاجر البيم و101”.

معهد الإحصاء التركي (TurkStat) كان أصدر بيانات مؤشر أسعار المستهلكين لشهر نوفمبر، وعليه ارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 21.31 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.

من ناحية أخرى، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين شهريا بنسبة 3.51 في المئة، وهي أسرع زيادة منذ سبتمبر 2018.

“جدل بشأن الأرقام”

ويرتبط كل ما سبق بانخفاض قيمة الليرة التركية في سوق العملات الأجنبية، وأيضا بالجو الاقتصادي العام للعالم، والذي لا يمكن فصل التأثيرات السلبية التي يعيشها عن التداعيات الأخيرة لفيروس “كورونا”.

وتقول الحكومة التركية إن التضخم ارتفع بنسبة 20 في المئة تقريبا في أكتوبر، مقارنة بالعام السابق، لكن مجموعة أبحاث التضخم التابعة للمعارضة وضعته قريبا من 50 في المئة.

وفي خطابات عدة له خلال الأيام الماضية، كان إردوغان قد تطرق إلى موضوع ارتفاع أسعار السلع الغذائية، قائلا: “ما يزعجني في ملف ارتفاع الأسعار هو تخزين السلع”.

وأضاف “سنعمل على رفع الإجراءات العقابية ضد المحتكرين”.

في المقابل، شككت أحزاب المعارضة، وعلى رأسها “حزب الشعب الجمهوري” بالأرقام الخاصة بالتضخم ومؤشر أسعار المستهلكين.

وكان زعيم الحزب المعارض، كمال كلشدار أوغلو، قد اتهم معهد الإحصاء التركي بالتلاعب بالأرقام المتعلقة بالتضخم في البلاد، وقال لحشد من الصحفيين، الأسبوع الماضي، قبل دخوله المكتب الرئيسي للمعهد في العاصمة، أنقرة: “جئنا إلى هنا اليوم للحصول على بيانات صحيحة”.

ارتفاع على كل شيء

وفي غضون ذلك، يواصل العاملون في المتاجر الكبيرة نشر تغيرات الأسعار على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يعرضون الأسعار القديمة والجديدة للسلع.

وتشمل هذه السلع السمن النباتي (ماغرين) وزيت الزيتون، إضافة إلى الشاي والقهوة والمنظفات ومحارم التواليت، وغيرها من المواد التي تحتاجها العائلة بشكل يومي.

محمد، يملك متجرا لبيع المواد الغذائية في مدينة إسطنبول، ويقول لموقع “الحرة”: “هناك زيادة بأكثر من 40 في المئة لمختلف الأصناف. مواد غذائية وخضراوات والمنظفات بأنواعها”.

ويضيف أن هذا الأمر لا يقتصر فقط على المجال الذي يعمل فيه، بل يتعمم على كافة مناحي الحياة في البلاد، مؤكدا أن “سيارات الطبقة المتوسطة أصبحت سيارات فاخرة في وقتنا الحالي. فضلا عن ذلك، فإن أقل وجبة في المطاعم زاد سعرها بنسبة 25 ليرة تركية”.

وفي ذات السياق لم تسلم أطعمة الحيوانات الأليفة من الغلاء أيضا، وبحسب ما ذكر موقع “خبر تورك”، الثلاثاء، فقد زادت أسعارها مرتين في الأسبوع.

وقال مالك متجر الحيوانات الأليفة، سيركان أوزكون، للموقع: “سعر كيلوغرام واحد من الأطعمة ارتفع إلى 130 ليرة تركية”، مضيفا أن “الطعام الذي يبلغ وزنه 15 كلغ يتراوح سعره اليوم بين 300 ليرة و500 ليرة”.

“التأثير مضاعف”

ويرى أستاذ الإدارة المالية في جامعة “باشاك شهير”، الدكتور فراس شعبو، أن ارتفاع الأسعار في تركيا “أمر طبيعي، لأن البلاد تعيش في مرحلة تضخم. بلد مثل تركيا لا يمكن ضبط أسعاره”.

ويقول شعبو في تصريحات لموقع “الحرة” إن “نسبة الارتفاع جزء منها يتعلق بالتضخم وآخر يتعلق بعوامل دولية. اليوم ارتفاع أسعار السيارات عائد للتضخم في البلاد، لكن جزءا آخرا بسبب تداعيات كورونا”.

وهناك مواد أولية كثيرة تستوردها تركيا من الخارج، ولذلك فإن جميع المنتجات المتعلقة بها سيزداد سعرها، وفق الباحث الاقتصادي، “لذلك التأثير مضاعف”.

ويعتقد الباحث أن الحكومة التركية، ولو أرادت أن تكون “عادلة”، يجب أن ترفع الحد الأدنى للأجور إلى مستوى بين 4500 و5000 ليرة تركية، مؤكدا أن “غير ذلك يكون هناك ظلم بحق المواطن”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى