سباق بين سيف القذافي وخليفة حفتر على نيل الدعم الاسرائيلي في الانتخابات الرئاسية الليبية

أثارت زيارة نجل الجنرال الليبي خليفة حفتر (صدَّام) إلى إسرائيل، من أجل حشد الدعم لترشُّح والده للانتخابات القادمة في ليبيا؛ اهتمامًا واسعًا في وسائل الإعلام ، ومنذ سقوط نظام معمَّر القذافي سنة 2011، تزايد الاهتمام الإسرائيلي بالملف الليبي، فيما سعى بعض السياسيين الليبيين لتوظيف جماعات الضغط القريبة من اللوبي الإسرائيلي في واشنطن لتسويق أنفسهم في دوائر صناعة القرار الأمريكية، وفي هذا التقرير، نبحث أثر التدخلات الإسرائيلية في ليبيا ودوافعها منذ 2011، وأهم الفاعلين السياسيين الذين هندسوا هذه التدخُّلات.
فمنذ 2011، وإثر اندلاع ثورات الربيع العربي في عدَّة بلدان عربية، نظر المحلِّلون الإسرائيليُّون مبكِّرًا إلى هذه الثورات بعين الريبة والقلق، خصوصًا بالنظر إلى الشعارات المناهضة لإسرائيل التي رفعتها الميادين العربية آنذاك، والقلق من أن تأتي هذه الثورات بأنظمة تتبنى الخطاب الثوري الداعم للقضية الفلسطينية الذي ساد الشارع العربي حينذاك، إلا أن المفكِّر اليهودي الفرنسي برنارد هنري ليفي، والذي يحمل الجنسية الإسرائيلية، والمقرَّب من دوائر الحكم في تل أبيب كانت له رؤية أخرى؛ إذ طمح إلى ربيع عربي يأتي بأنظمة حكم جديدة، تنسج علاقات أكثر قربًا مع إسرائيل.
وكان برنارد هنري ليفي أحد الشخصيات المحوريَّة التي نجحت في اختراق «المجلس الوطني الانتقالي» – الواجهة السياسية التي قادت الثورة ضد نظام معمَّر القذافي بمساعدة الغرب – إذ استطاع ربط علاقات بين الليبيين وحكومة ساركوزي الفرنسية وحشد الدعم المادي والعسكري للمجلس ضد نظام القذَّافي، ولم يُخفِ برنارد هنري ليفي مهمَّته في التدخل في الشأن الليبي؛ إذ أعلن بوضوح دوافع دعمه للثوَّار الليبيين بقوله: «لقد انخرطتُ في القضيَّة الليبية بصفتي يهوديًّا، ووفاءً للصهيونية».
وسافر برنارد هنري إلى مدينة بني غازي في الأيام الأولى للانتفاضة ضد نظام القذافي، وأقام بسرعة صداقات مع قيادات المجلس الذين وعدهم بتوفير الدعم والاعتراف من طرف السلطات الفرنسيَّة، وهو ما حدث بالفعل من خلال استغلال علاقاته الشخصية المتينة مع الرئيس الفرنسي حينها نيكولاس ساركوزي من أجل إقناعه بقيادة الحملة العسكرية على النظام الليبي، والاعتراف بـ«المجلس الانتقاليِّ» ممثِّلًا للشعب الليبي، كما تكفَّل ليفي بمصاريف الوفد الليبي الذي التقى ساركوزي وأقام مؤتمرًا صحفيًّا في فندق «رافاييل الفاخر»، ويعلِّق على كل هذا بقوله: «إنَّها هديَّتي للشعب الليبي».
وظهر ليفي بعدها في العديد من الصور والاجتماعات مع قياديين في المجلس الانتقالي، ومع الثوار ضد القذَّافي، ثم جنبًا إلى جنب مع الرئيس ساركوزي عندما ألقى «خطاب النصر» في مدينة بن غازي الليبية، بعد القضاء على القذَّافي في سبتمبر (أيلول) 2012، كما حرص على الظهور في جبهات القتال مع المقاتلين الليبيين.
لكن «هديَّة» برنارد هنري ليفي للشعب الليبي اتَّضح فيما بعد أنّها لم تكن مجَّانيَّة؛ إذ ذكر كتاب عن برنارد هنري ليفي أن الأخير أطلع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتياهو، على أن «المجلس الانتقالي الليبي» مستعدٌّ للاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها، وقد تسرَّبت هذه القضيَّة للصحافة؛ وقد نفى ممثلو المجلس نيتهم للتطبيع مع إسرائيل، لكن المشروع الذي يسعى لدفع ليبيا للتطبيع مع إسرائيل عاد إلى الواجهة، وحتى بعد انتهاء مرحلة «المجلس الانتقالي الليبي»، مع الجنرال خليفة حفتر؛ لقد أتت إستراتيجية «ليفي» في اختراق الساحة الليبية أكلها، ولو بعد حين.
راهن ليفي على أن الثورات العربيَّة ستمِّثل التغيير المنشود الذي طال انتظاره في العلاقات بين البلدان العربيَّة وإسرائيل، حسب تصوره، من خلال إسقاط النخب العربية الحاكمة، والانتقال إلى مستوى آخر، وتصوَّر أن التيارات الجديدة التي ستصل إلى السلطة بعد إسقاط الأنظمة العربية ستعقد علاقات أقوى مع إسرائيل بلا شكٍّ، وصرَّح في أكثر من ظهور إعلامي بأنَّ الربيع العربي «مفيد لإسرائيل».
وقد استخدم الداعمون لنظام القذافي علاقات برنارد هنري ليفي مع «المجلس الوطني الانتقالي» الليبي في تصوير الثورة الليبية بوصفها تخدم الأجندة الإسرائبلية أو حتى من تخطيطها، لكن هذه الرؤية تغفل أن نظام القذَّافي هو الآخر كانت له اتصالات مع الإسرائيليين، سواءً قبل الحرب أم أثناءها.
فحين كان نظام القذَّافي يئن تحت ضربات الناتو، حاول التواصل مع شخصيات إسرائيلية مثلما كشفت تقارير صحفية، إذ إن البغدادي المحمودي، رئيس وزراء نظام معمَّر القذافي أجرى اتصالات في واشنطن من أجل التواصل مع الإسرائيليين ما بين مايو (أيار) ويونيو (حزيران) 2011.
لكن في المقابل أشارت تقارير عسكرية إلى بصمات إسرائيلية في هجوم الناتو على قوَّات نظام القذَّافي، إذ إن وثيقة عسكرية تسرَّبت إلى الصحافة الدنماركية كشفت أن طائرات «إف-16» الدنماركية التي شاركت في الحرب في إطار عمليات حلف الناتو، قد تزوَّدت بذخيرة من طرف إسرائيل.
تهريب السلاح الليبي إلى غزَّة
سقوط نظام القذَّافي كانت له انعكاسات غير متوقَّعة على إسرائيل، و هو ما اكتشفه الإسرائيليون سنة 2012 بعد حرب الثمانية أيام التي شنتها إسرائيل على غزَّة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، إذ كشف حينها يوسي كوبرفاسر، من وزارة الشؤون الإستراتيجية، عن أن قطاع غزَّة قد حصل على معدَّات عسكرية متقدمة جرى تهريبها من ليبيا، وقال أيضًا إن صاروخًا مضادًا للطائرات قد أُطلق على مروحية إسرائيلية كانت تجوب أجواء غزَّة.
وأشار كوبرفاسر إلى أنَّها المرة الأولى التي يطلق فيها الفلسطينيون صاروخًا من نوع «ستريلا» المضاد للطائرات، ممَّا شكَّل قلقًا استثنائيًّا من طرف الإسرائيليين، خصوصًا مع انتشار السلاح في كل أرجاء ليبيا وغياب حكومة مركزية قويَّة من شأنها ضبط الفوضى الأمنية التي سادت البلاد، ومنع التهريب الذي تعرَّضت له مخازن الأسلحة خلال فترة الحرب ثم سقوط نظام القذَّافي.
هذا القلق بدا ظاهرًا لدى الأمريكيين حينها أيضًا؛ إذ فطنوا لعمليات تهريب السلاح التي جرت في ليبيا تجاه قطاع غزَّة مرورًا بسيناء المصرية؛ وهو ما دفع وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، إلى التصريح بأن بلادها ستزوِّد الحكومة الجديدة في ليبيا بمساعدات خاصة من أجل مكافحة تهريب السلاح.
وأشارت تقارير نقلتها الصحافة المصرية بأنَّ المشير طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حكم البلاد بعد سقوط مبارك من فبراير (شباط) 2011 إلى يوليو (تموز) 2012 قد غضَّ الطرف عن عمليات تهريب السلاح التي جرت في تلك الفترة، والتي تزامنت مع الحرب في ليبيا.
لكن حضور مسألة العلاقات الليبية-الإسرائيلية لم يظهر إلا منذ سنة 2014 بعد إطلاق الجنرال خليفة حفتر لما سمِّي بـ«عملية الكرامة» من أجل السيطرة على السلطة في ليبيا، إذ أطلق حفتر أولى تصريحاته المغازلة لإسرائيل بعد أشهر قليلة من إطلاق عملية الكرامة، بقوله إنَّه «لا يمانع من تلقِّي المساعدة من إسرائيل»، كما نقلت صحيفة «كورياري ديلا سيرا» الإيطالية
وكذلك شارك وزير إعلام حكومة الجنرال خليفة حفتر، عمر القويري سنة 2017، فيما سمِّي بـ«مؤتمر المصالحة» حول يهود ليبيا، والذي عُقد في اليونان وشاركت فيه شخصيات يهودية تدعو إلى عودة اليهود إلى ليبيا، وذلك بحضور وزير الإعلام الإسرائيلي إيوان قرا.
ولم تبق ارتباطات إسرائيل مع حفتر حبيسة التصريحات المتناثرة فقط، بل إن تقارير صحفيَّة أكَّدت وجود تعاون استخباراتي ولقاءات على أعلى مستوى بين الطرفين، بالإضافة إلى تسليح إسرائيلي لقوَّات حفتر، على الرغم من أن حفتر كان عضوًا في البعثة العسكرية التي أرسلتها ليبيا إلى مصر من أجل مساعدتها في حرب أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1973 ضد إسرائيل.
ونشرت صحيفة «ميدل إيست آي» الإلكترونية تقريرًا عن وجود دعم عسكري حقيقي لحفتر خلال سنوات الحرب الأهلية، وقالت الصحيفة إنه ما بين سنتي 2017 و2019 جرت لقاءات بين حفتر ومبعوثين من جهاز «الموساد» الإسرائيلي، كما أن شخصيات قيادية في قوَّات حفتر العسكرية قد تلقَّت تدريبات ودورات في تكتيكات الحرب ووسائل الاستخبارات والإدارة الحربية؛ وأن الموساد ساعد قوَّات حفتر في الحصول على تجهيزات الرؤية الليلية وأسلحة قنَّاصة.
مغازلة إسرائيل طريقًا للرئاسة
مع اقتراب الانتخابات الليبية الرئاسية المزمع عقدها في ديسمبر (كانون الأول) 2021؛ أقدم الجنرال خليفة حفتر على توسيع الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي، وذلك من أجل توفير دعم دولي مُفترض بقيادة واشنطن من أجل الوصول إلى كرسي الرئاسة في ليبيا، إذ سافر نجله صدَّام حفتر إلى تل أبيب من مطار دبي، والتقى هناك بمسؤولين إسرائيليين.
وأفادت الصحافة الإسرائيلية بأنه من المحتمل أن يكون نجل الجنرال الليبي قد عرض صفقة التطبيع مع إسرائيل مقابل دعمه في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، خصوصًا داخل الولايات المتحدة الأمريكية، التي يواجه فيها قضايا قانونية من طرف أهالي ضحايا يتَّهمونه بارتكاب مجازر وتعذيب سجناء، ويُحاكم حفتر في الولايات المتحدة الأمريكية بصفته يمتلك جنسية أمريكية حسب صحيفة «واشنطن بوست».
وليس حفتر المرشَّح الرئاسي الوحيد في الانتخابات القادمة الذي يملك اتصالات مع الإسرائيليين. فسيف الإسلام القذَّافي، نجل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، الذي أودع ملفَّ ترشُّحه لانتخابات الرئاسة في ليبيا لدى المفوَّضية العليا للانتخابات، هو الآخر كان قد اضطلع بدور التنسيق بين نظام والده والإسرائيليين بمساعدة رجال أعمال يهود؛ خصوصًا خلال مرحلة ما بعد 2001؛ إذ حاول نظام القذَّافي ترميم علاقته مع الغرب؛ كما ذكرت صحيفة «هآرتس» العبرية أنَّه واعد ممثِّلة إسرائيلية.
ومؤخَّرًا أجرى سيف الإسلام اتصالات مع الإسرائيليين سواء بصفة شخصية أو من خلال وسطاء ومستشارين شخصيين له من أجل توفير دعم سياسي له في الغرب لخوض الانتخابات القادمة، ويتوقَّع الإسرائيليون، أن تنضم دولة عربية خامسة إلى مسار التطبيع من خلال الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في ليبيا، بالنظر إلى أن علاقاتهم مع الاسمين البارزين في هذه الانتخابات، خليفة حفتر وسيف الإسلام القذَّافي؛ لكن الانقسام الذي تعرفه البلاد، وغياب التوافق حول شروط الانتخابات وظروفها، ورفض أطراف سياسية في الغرب الليبي لإجرائها في الظروف الحاليَّة، قد يعقِّد المشهد الليبي أكثر مما هو عليه.
برنارد هنري ليفي مع قوَّات المعارضة الليبية التي اسقطت القذافي