تحركوا لإنقاذ الضفة من الفوضى
بقلم: أحمد أبو زهري*

دخلت محافظات الضفة الغربية في فوضى (خطيرة للغاية)، تهدد الاستقرار الاجتماعي، وتنذر بعواقب وخيمة، وقد تمثلت في: تكرار حوادث إطلاق النار على المنازل، وحرق المحلات والمنشآت التجارية، وإتلاف المركبات، وقتل عدد من الأشخاص؛ نتيجة ارتفاع وتيرة المشاجرات العائلية ارتفاعا غير مسبوق، في ظل تنامي مظاهر “البلطجة والابتزاز والتهديد”، هذا بدوره أثار الخوف والإرباك في صفوف المواطنين، ولفت انتباه وسائل الإعلام، ودفع المنظمات الحقوقية للمطالبة بتحرك فوري لفرض النظام والقانون ووقف هذا المد المتزايد للفوضى.
لكن وبتأمل عميق للمشهد فإننا يمكن أن نقف على أسباب هذه الفوضى: 1- دور الاحتلال في تعزيز الخلافات وخلق مزيد من الفوضى. 2- ضعف السلطة وانشغال رجالاتها بالمصالح الشخصية والحزبية. 3- انحراف الأجهزة الأمنية عن وظيفتها الوطنية وتركيز نشاطها في كبح جماح المقاومة وتعزيز التعاون الأمني. 4- انهيار منظومة العدالة وتحديدا (النيابة والقضاء)، اللذَيْن يسبحان في وحل من العجز والفساد. 5- انفضاض مكونات المجتمع عن السلطة وشعورهم بالفراغ الأمني والسياسي.
هذا بدوره أفرز المظاهر (العنيفة والمؤلمة) التي يشهدها جزء أصيل من الوطن، التي ربما ترتفع وتيرتها وتتعاظم آثارها مع الوقت إذا لم تكن هناك وقفة جادة وتحرك مسؤول لتدارك الوضع وإنقاذ المشهد قبل فوات الأوان، ولا أعني بذلك خطوات بروتوكولية ومراسيم لتهدئة روع الناس وتسكين المشهد الإعلامي وخداع المنظمات الحقوقية ومجاملة فصائل العمل الوطني، لأن ما أقدمت عليه السلطة من خطوات لا يرقى لأدنى درجة من المسؤولية الوطنية والأخلاقية في ظل وضع كارثي ومتدهور.
والمفارقة العجيبة أن هذه السلطة وفي ظل عجزها عن فرض النظام والقانون تكون قادرة على ممارسة (أعمال البطولة) على “نشطاء المقاومة” سواء بالملاحقة أو محاصرة المنازل أو المداهمة والاعتقال، الأمر الذي يكشف عن حقيقة دورها غير الوطني في خدمة الاحتلال وتجاهل أي قضايا وطنية أخرى، ولو كان غير ذلك لسارعت فورا لوضع خطة وطنية تهدف إلى وقف الفوضى وإعادة السيطرة الأمنية وملاحقة المجرمين والقبض عليهم وإحالتهم للقضاء ولأصدرت أحكاما مشددة بحقهم لتحقيق الردع الخاص لهؤلاء المجرمين وفرض الردع العام في المجتمع لكل من تسول له نفسه اختراق النظام والقانون.
لكن لا أعتقد أن السلطة معنية بالتحرك الآن؛ لأن هناك مصالح خفية لها تتقاطع مع مصالح الاحتلال، فهذه الفوضى تخدم السلطة من جوانب عدة، من أبرزها: 1- إشغال المجتمع في خلافاته الشخصية ومشكلاته المتفاقمة بعيدا عن الانشغال بهذه السلطة وفسادها. 2- التغطية على أي نشاط لها تجاه المقاومة بأنه في سياق ضبط الحالة الأمنية. 3- فرض نظام طوارئ تعطل فيه القوانين ويعمل فيه في ظروف استثنائية تسمح لقيادات السلطة والأجهزة بممارسة أي دور بعيدا عن أعمال الرقابة والمحاسبة. 4- تخويف الناس من أن غياب السلطة أو تراجعها عن وظائفها الأمنية سيكون خطيرا للغاية.
لذلك فإنه لا أمل في هذه السلطة التي تتورط مباشرة في صناعة الفوضى خصوصا أن بعض كوادرها هم من ساهموا في جزء من هذه الجرائم، وإنما الأمل معقود على المجتمع نفسه ومكوناته الحية والمراهنة فقط على وعيه ومسؤوليته في التحرك للمعالجة الفورية في كل المناطق، إذ يمكن لقادة الفصائل، والمخاتير، ورجال الإصلاح، والوعاظ، وكبار العائلات، ومديري المؤسسات، ورجال الأعمال، والمثقفين وغيرهم التحرك فورا للمعالجة بإطلاق (مبادرة وطنية ومجتمعية) لتعزيز الاستقرار الاجتماعي ومواجهة هذه المظاهر التي تعصف بالمجتمع ومصالحه.
وإلا فإن الضفة ذاهبة لمصير مجهول لن ينجو من آثاره وتداعياته أحد؛ لأن هذه النيران التي “سعرت وتسعر” الآن يجب إخمادها فورا ودون إبطاء حتى لا تلتهم الأخضر واليابس وتنقل المشهد لصورة أكثر رعبا ودموية، فالانتظار لا يخدم أحدا، والوضع الحالي يحقق مصالح مهمة للاحتلال وأعوانه، فلتتحركوا سريعا وتقطعوا الطريق على أي مراهنة سوداء.
كاتب ومحلل سياسي – غزة