104 أعوام على وعد بلفور المشؤوم.. “حيث اعطى من لا يملك وعداً لمن لا يستحق”، وفقاً لتعبير القائد الخالد جمال عبد الناصر

يصادف، اليوم الثلاثاء، الذكرى الـ 104 على الوعد الذي أصدره وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور بمنح اليهود وطناً قومياً في فلسطين المحتلة.
ويتذكر العرب والفلسطينيون من كل عام هذا الوعد المشؤوم الذي أطلقته بريطانيا في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1917 لليهود بمنحهم وطناً قومياً في فلسطين.
ويعتبر وعد بلفور جريمة عظمى ارتكبتها الحكومة البريطانية بحق الشعب الفلسطيني في حل المسألة اليهودية في أوروبا على حساب حقوقه الوطنية وخدمة مصالحها الاستعمارية والمصالح الصهيونية في الوطن العربي.
ولا يزال الشعب الفلسطيني يعاني من نتائج هذا الوعد الإستعماري وغير القانوني ونظام الانتداب البريطاني وقرار التقسيم غير الشرعي واستغلال الدول الغربية والصهيونية العالمية معزوفتي اللاسامية والهولوكوست لإقامة وتقوية الكيان الصهيوني ووضعه فوق القانون الدولي العام والانساني وترحيل الشعب الفلسطيني وإشعال الحروب وإستمرار النكبة والهولوكوست والاستيطان والقتل والتدمير والتهويد.
ونستذكر في ذكرى الوعد المشؤوم الأليمة تقرير كامبل واتفاقية سايكس بيكو وقرار فصل سورية الجنوبية عن سورية الأم وال 74 مجزرة التي ارتكبتها العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة على غرار مذبحة دير ياسين ومصادرة الأراضي الفلسطينية وتهويدها وتدمير القرى والبلدات والمدن وإقامة المستعمرات اليهودية على أنقاضها والحروب العديدة التي أشعلتها اسرائيل على الضفة وقطاع غزة وسورية ولبنان.
ينتهك وعد بلفور الاستعماري المبادىء الأساسية في القانون الدولي وعلى رأسها حق الشعوب والأمم في تقرير المصير والاستقلال والسيادة الوطنية.ويجسّد ذروة العنصرية البريطانية بالتخلص من اليهود وتجميعهم في فلسطين.
وجاء في تقرير كامبل نبرمان حول الإستراتيجية البريطانية في الشرق الأوسط عام 1907 ما يلي: ” إن البحــــــر الأبيض المتوسط شريان حيوي لمصالح بريطانيا الآنية و المقبلة 000 وكل حماية ناجحة للمصالح الأوربية المشتركة لا بد لها من السيطرة عليه و على شطآنه الجنوبية و الشرقية , وكل من يسيطر على هذه المنطقة يسيطر على العالم . وان الخطر في هذه المنطقة يكمن في تحريرها و تثقيف شعوبها و تطوير و توحيد اتجاهاتها , و على الـــــــدول ذات المصلحة أن تعمل على استمرار تأخرها و تجزأتها وإبقاء شعوبها متفككة جاهلة متناحرة وعلى محاربة اتحاد هـــذه الجماهير , وإيجاد الوسائل العملية لفصلها عن بعضها البعض ما أمكن .ويجب إقامة حاجز بشري قوي مانع غريب لفصل البلدان العربية الآسيوية عن البلدان العربية و الإفريقية و ذلك بشكل قوة صديقة لبريطانيا و عدوة لشعوبها .”
و طالب التقرير بضرورة إقامة “إسرائيل” في فلسطين .
و عندما جرت المباحثات بين فرنسا و بريطانيا و روسيا القيصرية عام 1916 لاقتسام مناطق النفوذ لم تتوصل هذه الدول في اتفاقية سايكس- بيكو إلى اتفاق حول مصير فلسطين لان كل دولة من هذه الدول كانت تطمع بالاستيلاء عليها , لذلك نصت الاتفاقية على وضع فلسطين تحت الوصاية الدولية .
أخذت بريطانيا بكل ما لديها من أساليب للسيطرة على فلسطين , فوجدت في الحركة الصهيونية ضالتها المنشودة , كما رأت الحركة الصهيونية بدورها في بريطانيا البلد الوحيد في ذلك الوقت الذي بمقدوره أن يساعد الحركة الصهيونية بعد فشل مساعيها لدى تركيا و ألمانيا و روسيا و فرنسا بإقامة “إسرائيل” في فلسطين العربية .
و جرى الاتفاق بين حاييم وايزمان زعيم الحركة الصهيونية و المسؤولين البريطانيين على أن تتعهد بريطانيا بمنح فلسطين لليهود مقابل أن تعمل الحركة الصهيونية على فرض الانتداب البريطاني عليها. و تعهد وايزمان بتجنيد ما لدى الصهيونية من نفوذ سياسي و اقتصادي لفرض الانتداب البريطاني على فلسطين .
و عندما تولى لويد جورج رئاسة الوزراء تحمّس لوضع فلسطين تحت السيطرة البريطانية و ذلك للمحافظة على المصالح البريطانية في الشرق الأوسط وبشكل خاص قناة السويس و تامين مواصلات بريطانيا بالهند و جنوب غرب آسيا , ولان تأسيس الدولة اليهودية سيحول دون تحقيق الوحدة العربية التي تهدد مصالح الاستعمار البريطاني في المنطقة .
وهكذا تلاحمت مصالح الاستعمار البريطاني والصهيونية وتم تجسيد هذا التلاحم في وعد بلفور الاستعماري وغير القانوني.
سلم الصهيوني و ايزمان بتاريخ 18 آب 1917 مسودة الوعد إلى بلفور وزير الخارجية البريطاني ليعرضها على مجلس الوزراء و جاء فيها :
” 1- تقبل حكومة صاحب الجلالة المبدأ القائل بوجوب إعادة قيام فلسطين كوطن قومي للشعب اليهودي.
2- ستنسق جهودها لتحقيق هذه الغاية مع المنظمة الصهيونية العالمية ” .
وعرض بلفور صيغة الوعد عدة مرات على مجلس الوزراء إلى أن وافق عليها المجلس في التاسع من تشرين الأول عام 1917و اعترفت بريطانيا رسميا في الوعد بتاريخ الثاني من تشرين الثاني بشكل رسالة ووجهها بلفور إلى المليونير اليهودي روتشيلد .وجاء في هذه الرسالة ما يلي :” إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف على تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين , على أن يفهم جلياً انه لن يؤتى بعمل من شانه أن ينتقص من الحقوق المدنية و الدينية التي يتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ” .
إن هذه الرسالة التي وجهها بلفور إلى المليونير روتشيلد لا تعتبر في نظر القانون الدولي تصريحا أو معاهدة دولية لأنها وحيدة الطرف و لا قيمة حقوقية لها .
فالقانون الدولي يعّرف التصريح بأنه يصدر عن دولتين او أكثر تحددان به موقفهما من قضايا سياسية او اقتصادية او حقوقية معينة ووجهات النظر في هذه القضايا .
ووعد بلفور لم يكن اتفاقا بين دولتين و إنما عبارة عن تصريح وحيد الطرف أعطي لشخص ليست له صفة دولية0
و التصريح لم يوقع عليه شخصيتان حقوقيتان دوليتان و لم يوقع عليه رسميون من جانب تلك الشخصيتين الحقوقيتين فاللورد روتشيلد شخص عادي ليس له صفة حقوقية دولية .
و أما فحوى رسالة بلفور فهو مخالف لأبسط مبادئ القانون الدولي و حتى الوعود الرسمية التي وعدتها بريطانيا للعرب كما إن فلسطين ليست بأرض بريطانية و سكانها ليسوا برعايا بريطانيين فلا يحق لبريطانيا ان تنتزع فلسطين من أكثرية سكانها الساحقة العرب لتعطيها لأقلية غريبةمستوردةلحل المسألة اليهودية في اوروبا.
و خلال انعقاد مؤتمر السلام عام 1919 في باريس طالبت الحركة الصهيونية بوضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني كي يتم تحقيق وعد بلفور وقد مت مشروعا لنظام الانتداب في فلسطين .
وأعلنت عصبة الأمم صك الانتداب على فلسطين بتاريخ 6 تموز 1921 , و صودق عليه في 24 تموز عام 1922 , ووضع موضع التنفيذ في 29 أيلول من نفس العام 0وجاء في نص المادة الثانية من صك الانتداب ما يلي :
” تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية و إدارية و اقتصادية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي وفقا لما جاء بيانه في ديباجة هذا الصك , وتكون مسؤولة أيضا عن صيانة الحقوق المدنية و الدينية لجميع سكان فلسطين بغض النظر عن الجنس و الدين ” .
وهكذا استطاع الاستعمار و الصهيونية تجسيد أهدافهما في وعد بلفور و نظام الانتداب الذي تضمن تنفيذ هذا الوعد وقرار التقسم.
إن نظام الانتداب الذي أقرته عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى كان وسيلة من وسائل الاستعمار لإعادة توزيع المستعمرات و مناطق النفوذ التي كانت خاضعة تحت السيطرتين التركية و الألمانية و كانت عصبة الأمم أداة في يد الدول الاستعمارية لخدمة مصالح هذه الدول .
و عينت بريطانيا الصهيوني صموئيل كأول مندوب سامي على فلسطين لكي يعمل على خلق أجواء لتنفيذ وعد بلفور و إقامة الدولة اليهودية .
وخلال فترة الانتداب عملت بريطانيا على جعل الوكالة اليهودية حكومة داخل حكومة وفتحت أبواب فلسطين للهجرة اليهودية وشجعت الصهاينة على الاستيلاء على الأراضي العربية وسمحت للوكالة اليهودية بإنشاء قوات مسلحة كعصابة الهاغاناة شيرن و الارغون .
وكانت قوات الانتداب البريطاني تقمع انتفاضات الشعب العربي الفلسطيني بمنتهى الوحشية .