الفكر والثروة معا اساس نهضة شعبنا العربي
بقلم: د. زيد احمد المحيسن

يقول توماس بين : عندما يطرق الرقي باب امة من الامم يسأل : هل يوجد هنا فكر حر ؟ فأن وجده دخل والا مضى . صحيح ان عمامة الصالح والفاسق مصنوعتان من القماش نفسه ولكن الفرق يكمن في الفكر الذي يحمله رأس من يلبسها، ذلك لانان نهضة اية امة مرهونة بحركة الوعي الفكري لديها، فامية الفكر هي التي تفتك بالمجتمعات وليس الأمية الأبجدية كما يقال – فاليقظة العقلية الفكرية سابقة لاي نشاط سياسي او اقتصادي، وامتنا العربية هذه الايام عقلها الجمعي مُغيب تماما وفي حالة سبات شتوي طال امده حتى استحال عجزا وكسلا وخمولا شبه دائم .
فالمشهد العربي الراهن مشهد مبكٍ مضحك ويندي له الجبين – في الخمسينيات من هذا القرن تجاوزنا في تفكيرنا الدوله القطريه ورفعنا شعار: دولة الامة الواحدة، الدولة القومية الموحدة من الخليج العربي الثائر الى المحيط الهادر، وتجاوزنا البعض في الطرح والمزايدة علينا نحن البسطاء ومحدودي الثقافة السياسية انذاك بطرح الاممية العالمية – دولة العمال ودولة الفلاحين ودولة الخلافة التي يتساوى فيها الجميع بغض النظر عن اللغة والدين والعرق، وقد وامتلأت مكتباتنا بالنظريات الفلسفية الاممية والقومية والاسلامية، ودار سجال كبير حول هذه الافكار المطروحة وعقدت المؤتمرات القومية والاممية ورفعت الشعارات الثورية ودغدغت هذه الشعارات الكبيرة البسطاء امثالنا، وانجرفنا انا ومن هم في جيلي وسني حماسا وتنظيرا لهذه الافكار والايمان بالدولة الافلاطونيه الفاضلة التى تحقق السعادة والطمأنينه للجميع، واصدقكم القول انه كان حلما رائعا وجميلا ولكنه كان مجرد حلم ليلة صيف عابرة.
المبكي في المشهد العربي الان اننا لم نستطع ان نبني مفاهيم الدولة القومية ولا مفهوم الدولة القطرية المدنيه ونحن الان في خضم القرن الحادي والعشرين..لم نستطع بناء دولة حرية الرأي وحرية التنظيم ودولة القضاء المستقل وتداول السلطه السلمي، وقبل هذا وذاك دولة المواطنة الحقة، بل عدنا الى المربع الاول في نشأة الدول حيث نتجمع حول القبيلة والعشيرة والتخلف والفوضى والتعصب الديني والطائفي المقيت والجوع والفقر والحرمان، ولم نكتف بهذا التشرذم بل بدأنا باعادة الاستعمار ودعوته الى بلادنا مدفوع الاجر ، وهو الاستعمار الذي قدم آباؤنا قوافل الشهداء من اجل الخلاص منه ومن شروره.. الاستعمار الذي تركنا عظما بعد ان اكل لحمنا وشحمنا – ومع قلة الامكانيات فقد بنى لنا الاجداد والاباء انجازا وميراثا لم نتمكن من حمايته والمحافظة على ديمومة مؤسسات الدولة المدنيه، لاننا لم نحسن البناء التربوي لمفهوم الدولة المدنية الحديثة، فالدولة كما تعلمنا هي الهوية الجماعية للشعب حاضرها ومستقبلها حيث تبنى الدولة على مؤسسات وليس على افراد او احزاب.. فالافراد والاحزاب الى زوال اما الدولة و مؤسسات الدولة فتبقى بعدهم للاجيال.
ان الخلط بين المسؤولية الادارية للدولة والمسؤولية السياسية هو من اكبر الكوارث التى ادت الى تدمير العمود الفقري للدولة المدنية، ولهذا فان الحكومات الاستبدادية تحمل في ذاتها خميرة زوالها، لهذا ايضا فلا امان بعد الان لمجتمع عربي يزداد فيه طغيان الهويات الفرعية على هوية الدولة، كما لا امان لمجتمع الجوع والحرمان ولا مستقبل لوطن يتعاضم فيه الشعور بالعجز والاحباط لدى مواطنيه، ولا استقرار لبلد بعد اليوم يفتقد فيه المواطن حق المواطنة والعدالة الاجتماعية و في اقتسام الثروة والسلطة معا.. فهذا التهميش للفقراء والمحرومين والاستبداد والظلم والتفرقة بين الناس هو الخطر القادم الذي يهدم اسس الدولة المدنيه ويقوض نعمة الاستقرار الاجتماعي فيها.
–قول ارسطو :- اساس النظام الديمقراطي هي الحرية، واحدى مؤشرات الحرية هي ان يكون الفرد وبالتناوب حاكما ومحكوما، ولنتعلم ايضا من الطبيعة ان الشق وسط حبة القمح يرمز الى ان النصف لك والنصف الاخر لاخيك في الارض والوطن معا.. فهل يدرك ساسة امتنا العربية سنة الكون ويثوبون الى رشدهم عدلا واحسان ومناصفة في كل شى ؟ ام نبقى نسير في ذيل القافلة العالمية عبيدا للجهل والفرقة والتشرذم ، وفرائس للتخلف والفقر والاحتلال والاستعمار لارضنا وعرضنا وفكرنا وهوية امتنا العربية الجامعة ؟؟
البريد الإلكتروني: [email protected]