“القمباز”.. اللباس الفلسطيني التقليدي يواجه خطر الاندثار لقلة الراغبين في ارتدائه
“ثوب الموت والحياة”، هكذا يُطلق الفلسطينيون على اللباس التقليدي “القمباز”، الذي كان يرافقهم طيلة حياتهم وكذلك عند الموت، لباسٌ كان يرتديه الأجداد وقليل من الآباء وأصبح اليوم يواجه الاندثار لقلة الخياطين وقلة ارتدائه، إلا في المناسبات الشعبية.
قبل 80 سنة وفي سن العاشرة، ترك محمود يوسف التعليم، والتحق بأخيه الأكبر في مخيطة العائلة بقرية دير الغصون في محافظة طولكرم، لتبدأ رحلته مع حياكة “القمباز” والألبسة الشعبية الفلسطينية.
ويقول محمود يوسف لوكالة “سبوتنيك”: “لقد شهدت حياكة القمباز و”الديماية” نقلات عديدة طوال السنوات الماضية، كنا نخيط القميص العربي، اللبّاس العربي، والقمباز، ولاحقا تعرفنا على ما يدعى (البيجامة) و(البنطلون) و(الجاكيت) وأشياء أخرى، وكان الناس في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي غالبيتهم يلبسون اللباس التقليدي إلا ما ندر من بعض المتعلمين الذين كانوا يرتدون (البنطلون)، واليوم لا نجد من يرتدي اللباس التقليدي إلا في بعض المناسبات”.
وكان الزبائن يأتون إلى مخيطة الحاج محمود من كل مكان ومن المحافظات البعيدة لحياكة القمباز، وكان يصنعه بأشكال عدة وتفاصيل مختلفة، لكن الشكل العام يبقى ولا يتغير، ويتمثل بالرداء الطويل المشقوق من الأمام، الضيق من أعلاه والمتسع قليلاً من أسفله، يُرَدّ أحد جانبيه على الآخر، وجانباه مشقوقان قليلًا،
يقول الحاج محمود :”لقد مرَّ 80 سنة على عملي في حياكة القمباز، ويستغرق حياكته مدة 8 ساعات، فبعد أخذ القياس، نقوم بقص القماش ومن ثم نبدأ في تفصيله وحياكته، ولكن اليوم أعاني من قلة الزبائن فلم يعد هذا اللباس يستخدم إلا في المناسبات، ويقتصر عملي الآن على حياكة الأكفان منه والتي تتكون من ثلاث قطع: ثوب الحق، اللباس، والكفن (الغطاء الخارجي)، وحياكة القمباز لما تبقى من كبار السن في البلدة والبلدات المجاورة وبعض المغتربين”.
صانعو القمباز بالطريقة التقليدية أقفلوا محالهم أو توفوا، ولم يبق سوى الحاج محمود في شمال الضفة يصنعه بالطريقة القديمة، ويصر على الاستمرار في عمله، فهو لا يريد أن يجلس في البيت، بعدما اعتاد العمل، وكذلك يريد أن يحافظ على هذا اللباس بوصفه جزءاً من تراث فلسطين المهدد بالاندثار.
ويقول الحاج محمود: “الخياطة لم تعد حرفة لها مكانتها، فالمحال التجارية أصبحت تعج بالملابس المستوردة الجاهزة، ولم تعد خامة القمباز وقماشته متوفرة، الموجود هو المقلد، الذي يستهلك ويبلى خلال مدة قصيرة فلا يوجد وجهاً للمقارنة بين القمباز الذي حاكته يداه منذ عقود وتلك الملابس التي تغرق السوق، فصنع اليد يفوق موضة هذه الأيام جمالاً، ويتفوق عليها ذوقا وفنا ونظافة ومخافة لله، وسأبقى أحيكه كما تعلمت من آبائي وأجدادي وأتمنى أن يتعلمه أحد أبنائي، كي تبقى هذه المهنة موجودة وهذا اللباس يعلق على الرفوف المحل”.
قمباز فلسطيني