معركة الدستور السوري في جينيف

عقدت اللجنة الدستورية بإشراف المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، وبرئاسة الرئيسين المشتركين عن الدولة الوطنية السورية أحمد الكزبري، وعن المعارضة هادي البحرة، في جينيف جلساتها أيام الإثنين،والثلاثاء والإربعاء و الخميس (21-20-19-18) من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021من الجولة السادسة لأعمالها لمناقشة المبادئ الأساسية، ضمن عملية صياغة إصلاح دستوري.
وبحثت اللجنة الدستورية 4 مبادئ قدمت بداية من قبل الدولة الوطنية السورية عن “سيادة الدولة”، وفي اليوم الثاني من المعارضة عن “الجيش والقوات المسلحة والأمن والاستخبارات”.وفي اليوم الثالث قدم ممثلو المجتمع المدني مبدأ “سيادة القانون”، كما أنهم قدموا يوم الخميس أيضا مبدأ “الإرهاب والتطرف”.
وتتكون اللجنة الدستورية من ثلاثة وفود (المعارضة والنظام والمجتمع المدني)، بهدف وضع دستور جديد لسوريا وفق قرار الأمم المتحدة “2254”، القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي، وتنظيم انتخابات جديدة.
وتأتي اجتماعات الجولة السادسة بعد شهور من التوقف وخمس جولات لم تحقق تقدما، وذلك ضمن عملية أشمل ترعاها الأمم المتحدة، على أمل إنهاء النزاع السوري.ويشارك في الاجتماعات الحالية للجنة 45 عضوا يشكلون أعضاء المجموعة المصغرة لصياغة الدستور الجديد، مقسمين بالتساوي بين الدولة الوطنية السورية والمعارضة والمجتمع المدني، وبإشراف المبعوث الأممي.والمجموعة المصغرة كلفتها اللجنة الدستورية الموسعة بصياغة الدستور، وتم تأسيس الأخيرة عام 2019، وتتكون من 150 عضوا بالتساوي بين النظام والمعارضة والمجتمع المدني.
ورقة الدولة الوطنية السورية” الإرهاب و التطرف”
قدم ممثلو الدولة الوطنية السورية في اللجنة الدستورية السورية ورقة بعنوان المبدأ:” الإرهاب والتطرف”، مكونة من خمس نقاط، وهي على الشكل التالي:
يشكل الإرهاب تهديدا للوطن وللمواطنين تلتزم الدولة بمواجهته، بكافة صوره وأشكاله، وتعقب مصادر تمويله؛ وتعد أي مشاركة فيه أو دعم له بأي شكل كان جريمة يعاقب عليها القانون بأشد العقوبات.
1-يشكل الإرهاب تهديدا للوطن وللمواطنين تلتزم الدولة بمواجهته، بكافة صوره وأشكاله، وتعقب مصادر تمويله؛ وتعد أي مشاركة فيه أو دعم له بأي شكل كان جريمة يعاقب عليها القانون بأشد العقوبات.
2-يشكل رفض الفكر المتطرف والعمل على استئصاله أحد الأعمدة الأساسية في حماية وتعزيز تماسك المجتمع السوري، ويتم إنزال أشد العقوبات، وفقا للقانون، بمن ينتمي لتنظيمات “داعش” و”جبهة النصرة” و”الإخوان المسلمين”، وكل التنظيمات الإرهابية الأخرى التي تتبنى فكرها الإرهابي المتطرف أو مارست أو تمارس الإرهاب على الأراضي السورية.
3-الجيش العربي السوري والقوات المسلحة (قوات النظام السوري) مؤسسات وطنية تحظى بدعم ومؤازرة الشعب، وهي مسؤولة عن الدفاع عن سلامة أرض الوطن وأمنه وسيادته، من كافة أشكال الإرهاب والاحتلال والتدخل والاعتداءات الخارجية.
4-تكاتف جهود كافة أبناء الشعب، إلى جانب الجيش العربي السوري والقوات المسلحة، في مواجهة الإرهاب وتعزيز الأمن والاستقرار في أراضي الجمهورية العربية السورية كافة، واجب وطني.
5-الشهادة في سبيل الوطن، بما في ذلك في إطار محاربة الاحتلال أو مكافحة الإرهاب قيمة عليا، وتكفل الدولة ذوي الشهداء وفقا للقانون”.
ورقة ممثلي المجتمع المدني المعارض للنظام”سيادة القانون”
كما قدم ممثلو المجتمع المدني المعارض للنظام في اللجنة الدستورية يوم الإربعاء 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021مبدأ دستورياً جديداً للنقاش في ثالث أيام الجولة السادسة لاجتماعات اللجنة الدستورية بعنوان مبدأ “سيادة القانون”، بإشراف المبعوث الأممي غير بيدرسون، ومن المنتظر أن يتم تقديم مبدأ آخر، غدا الخميس، من قبل وفد المجتمع المدني الموالي للنظام بعنوان “الإرهاب والتطرف”.
وجاء في الورقة التي قدمت اليوم بعنوان “سيادة القانون”، ما يلي:
“سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، فجميع الأشخاص والمؤسسات والكيانات والقطاعين العام والخاص، بما في ذلك الدولة ذاتها، مسؤولون أمام قوانین صادرة علنا، وتطبق على الجميع بالتساوي ويحتكم في إطارها إلى قضاء مستقل، وتتفق مع القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتتخذ الدولة ما يلزم من تدابير لكفالة الالتزام بمبادئ سيادة القانون، والمساواة أمام القانون، والمسؤولية أمام القانون، والعدل في تطبيق القانون، والفصل بين السلطات، والمشاركة في صنع القرار، واليقين القانوني، وتجنب العسف، والشفافية الإجرائية والقانونية”.
وفي ما يلي بنود الورقة:
1-السوريون والسوريات متساوون أمام القانون في الواجبات والحقوق وفي الكرامة والمنزلة.
2-تكفل الدولة الحرية والطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع السوريين والسوريات.
3-تأتي المعاهدات الدولية التي التزمت بها الدولة السورية في منزلة أدنى من الدستور وأعلى من التشريعات الوطنية. وبالإضافة إلى الالتزامات التي يرتبها انضمام سورية إلى الاتفاقيات الخاصة بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان فإنه، وبموجب هذا الدستور، تعتبر جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان كافة جرائم لا تسقط بالتقادم، وتعمل مؤسسات الدولة المعنية بتطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب.
4-العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون.
5-كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم في محاكمة عادلة.
6-حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والمراجعة والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون، وتكفل الدولة المساعدة القضائية لغير القادرين وفقا للقانون.
7-لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يكون لها أثر رجعي، ويجوز في غير الأمور الجزائية النص على خلاف ذلك.
8-لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا بموجب أمر أو قرار صادر عن السلطات القضائية، أو إذا قبض عليه في حالة الجرم المشهود، أو بقصد إحضاره إلى السلطات القضائية بتهمة ارتكاب جناية أو جنحة.
9-كل شخص يقبض عليه يجب أن يبلغ خطيا خلال أربع وعشرين ساعة: بأسباب توقيفه، والنص القانوني الذي أوقف بموجبه ويجب أن يسلم إلى السلطات القضائية خلال ثمان وأربعين ساعة على الأكثر من توقيفه.
10-يحق لكل موقوف أن يقدم بذاته أو بواسطة محام أو قريب طلباً إلى القاضي المختص يعترض فيه على قانونية التوقيف، وعلى القاضي أن ينظر في هذا الطلب حالا. وله أن يدعو الموظف الذي أمر بالتوقيف ويسأله عن الواقعة، فإذا وجد أن التوقيف غير مشروع أمر بإخلاء سبيل الموقوف في الحال.
11-لا يجوز تعذيب أحد أو معاملته معاملة مهينة. ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك.
12-لا يحق للسلطات الإدارية توقيف أحد احتياطيا إلا بموجب قانون في حالة الطوارئ أو الأحكام العرفية أو الحرب.
13-يحظر إنشاء محاكم جزائية استثنائية، كما يحظر محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.
14-يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء.
15-لكل شخص حكم عليه حكما مبرما، ونفذت فيه العقوبة وثبت خطأ الحكم، أن يطالب الدولة بالتعويض عن الضرر الذي لحق به.
هوة فارقة بين “الإصلاح الدستوري” و”إنتاج دستور جديد”
يعني مصطلح “دستور”، “التأسيس أو البناء”، أي التنظيم أو القانون الأساسي، فهو يُحِيلُ على مرجعية مفادها البحث عن الأسس الكفيلة بتأصيل وضبط ممارسة السلطة وتنظيم مؤسسات الدولة، وعلى خلفية ذلك يفسر لماذا ارتبط مفهوم الدستور بالدستورانية الأوروبية الهادفة، مع مطلع القرن الثامن عشر، إلى إعادة بناء الدولة والسلطة على تصورات فلسفية وآليات تنظيمية جديدة.
الصراع على الدستور في سوريا، مسألة قديمة جديدة، والسبب في ذلك يعود إلى النزاع المتعلق بدور الإسلام في الحياة العامة، في سوريا. فقد أثير في القرن الماضي، عندما امتد حكم الملك فيصل في دمشق من 1918 إلى 1920، وأثناء حقبة الانتداب الفرنسي. وتبلور لأول مرة في فترة الاستقلال في عام 1950 حول مشكلة الدستور. وكان المشروع المحرر حينئذ يتضمن المادة التالية:” لما كانت غالبية السكان السوريين مسلمة فإن الدولة تعلن إخلاصها للإسلام ولمبادئه.
وقد أثارت هذه المادة انفعالاً شديداً في الأوساط العلمانية والليبرالية المسيحية والمسلمة، المشايعة لإزالة الحدود الطائفية في الحياة السياسية وفي الدولة، هذه العناصر حاولت – بلا طائل- القيام بالضغط لسحب هذه المادة من المقدمة وإحلال صيغة تسوية محلها بأن الإسلام دين رئيس الجمهورية فحسب. وكانت مقدمة الدستور هذه، عام 1950 تمثل أقرب صيغة دستورية لتصور بلدان عربية أخرى حيث يعلن بأن دين الدولة هو الإسلام، تبنتها سوريا. ولم يكن دستور الجمهورية العربية المتحدة في أيام الوحدة المصرية-السورية (1958-1961)، الذي نادى بأن دين الدولة هو الإسلام، نصاً سورياً، حقيقة.
وكان دستور البعث المؤقت سنة 1964 قد احتفظ بصيغة التسوية التي تحدد بأن الإسلام دين رئيس الجمهورية والمستبدلة أحياناً، أو ترافقها صيغة تنص على أن الفقه الإسلامي أهم مصدر للتشريع.وقد أسقط مشروع دستور عام 1973، بدوره، التنويه المتعلق بانتماء رئيس الجمهورية للإسلام، وسنّ أنّ” الجمهورية السورية دولة ديمقراطية شعبية، اشتراكية”، ولم يتخذ الرئيس حافظ الأسد القرار بالعودة إلى إدخال المادة المتعلقة بدين رئيس الجمهورية إلا بعد أن انفجرت مظاهرات عنيفة في حماة، أمام مكتب فرع حزب البعث(20 فبراير 1973)، ولم تأت مكانها هذه المرّة من المادة الثالثة، وإنما وردت في المادة 157. وكانت تلك المظاهرات من فعل القيادات المسلمة التقليدية، يقودها فقهاء دين ومفتون وقضاة وموظفون دينيون، يدعمهم الإخوان المسلمون، ويشعرون بطابع الدستور”الإلحادي” وإدخال التنويه المتعلق بدين رئيس الجمهورية.
في سوريا، كانت الأكثرية المسلمة تطالب بأن يمنح الدستور رسميا مكان دين الدولة للإسلام، كما كان الحال في دساتير العراق، ومصر، والأردن، والمملكة العربية السعودية، وليبيا. وما كانت قد حُذفت ثم أعيد إدراجها-وهي الصيغة المتعلقة بدين رئيس الجمهورية-كانت الأكثرية تعتبرها حدّاً أدنى.
وعلى النقيض من ذلك، كانت مختلف الأقليات، من مسيحيين وعلويين ودروز يعارضون هذا الاعتراف الرسمي، الذي يكرس، إذا صح القول، على الصعيد الرمزي، عدم مساواة سياسية- اجتماعية بين الطوائف. فالسعي إلى رمز ذي هدف مساواتي كان ركناً أساسياً لعملهم السياسي.
بيد أن الدستور وحده لا يكفي لاكتساب الدولة المشروعية المطلوبة، بل تصبح المشروعية حقيقة مقبولة حين تتعزز وثيقة الدستور بالاحترام وتحاط بالشروط الكفيلة بضمان صيانتها، أي حين تتحقق الشرعية الدستورية.
في سياق هذه المعركة التاريخية حول الدستور في سوريا، أثار حديث المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، حين أعلن الأحد17أكتوبر/تشرين الأول 2021 أنَّ الوفدين (المعارضة، النظام) اتفقا ضمن أعمال اللجنة الدستورية، على البدء بصياغة مسودة إصلاح دستوري، وذلك قبل انطلاق اجتماعات الجولة السادسة الاثنين في جنيف، مخاوف المعارضة السورية، من أن تقتصر مخرجات “اللجنة الدستورية” على تعديل الدستور الذي تم تبنيه في عام 2012فقط، دون التوصل إلى دستور سوري جديد، ينص عليه القرار الأممي 2254.
وفي السياق ذاته، قال الرئيس المشترك للجنة الدستورية هادي البحرة، حول تصريحات بيدرسون، وحديثه عن الإصلاح الدستوري، حيث اعتبر البحرة، أنَّ “الإصلاح الدستوري لا يناقض نص القرار 2254”.وأضاف البحرة، أن الاصلاح الدستوري هو عملية أوسع من صياغة مشروع الدستور، فهي تشمل مشروع الدستور إضافة إلى الممارسات الدستورية، أي كل ما يتعلق من إجراءات وآليات لضمان تطبيق الدستور على أرض الواقع، ووضع الضمانات اللازمة لعدم تجاوز الدستور أو الالتفاف على مضامينه.
في المقابل، قال عضو “هيئة الحقوقيين السوريين”، المحامي عبد الناصر حوشان، في حديث لـ”عربي21” إنَّ الحديث عن الإصلاح الدستوري يُعَدُّ خرقًا واضحًا لما ورد في القرار  2254، مضيفاً أنَّ “الفرق كبير بين التجديد والإصلاح الدستوري ويتجلى في أن إنتاج دستور جديد يعني حكما القبول بإلغاء الدستور القديم، ومن مفاعيل الإلغاء، إلغاء الآثار القانونية والدستورية التي كانت تستند إليه، ومنها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية، وإن إقرار الدستور الجديد يتبعه حكما انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية جديدة، ولا يشترط إكمال الولايات القائمة للسلطات الثلاث”.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
إنَّ ما يميز الدستور الديمقراطي ويجعله جديرا بهذه الصفة استناده على جملة مقومات تضفي صبغة الديمقراطية عليه، وتبعده عن الدساتير الموضوعة إما بإرادة منفردة، كما هو حال الدساتير الممنوحة، أو عبر استفتاءات مفتقدة إلى شروط الاستقلالية والحياد والنزاهة. لعل أهم مقومات الدستور الديمقراطي:
أولاً: تأسيسه على مبدأ المواطنة الكاملة المتساوية والتسليم بأن الشعب مصدر السلطات ولا سيادة لفرد أو قلة عليه.
ثانياً: حكم القانون.
ثالثاً: أن يحترم فيه فصل السلطات.
رابعاً: تؤكد فيه الحقوق والحريات .
خامساً: أن يتم الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة بين الأغلبية والمعارضة.
إذا كانت هذه هي ميزة الدستور الديمقراطي الذي يعبد الطريق لولادة دولة دستورية حقيقية، فإنَّ دستور 2012 المعتمد من قبل الدولة الوطنية السورية يمكن أن يُجْرَى عليه بعض التعديلات لكي يُصْبِحَ بمنزلة الدستورالحقيقي للدولة الوطنية السورية ،أي العقد الاجتماعي الجديد، الذي يشكل المرجعية الوطنية و القومية لكل مكونات المجتمع السوري،رَفْضًا لإعادة إنتاج دستور جديد وفق القرار 2254، على غرار إنتاج دستور الحاكم الأمريكي للعراق بريمرعقب احتلال هذا البلد العربي في عام 2003، الذي أنتج دستورًا طائفيًا قسم بموجبه المجتمع العراقي إلى شعوب طائفية ومذهبية،والذي قاد إلى تقسيم العراق واقعيًا ،وأفرز حربًا أهلية دامية،وولادة تنظيمات إرهابية وتكفيرية عابرة الحدود.
والحال هذه، تُعَدُّ المعركة الحالية حول الدستورفي سوريا، معركةً وطنيةً بامتياز،واستمرارًاللحرب التي دامت عشر سنوات، التي انتصر فيها الخيار الوطني في سوريا المدافع عن الهوية الوطنية والقومية للدولة السورية، وعن الدستور الوطني الحقيقي الذي يجب أنْ يُصَاغَ في داخل سوريا، لا أنْ يُصَدِّرَ إليها بوصفه مُنْتِجًا امبرياليًا غربيًا معتمدًا على أدوات سورية مرتبطة بالاستعمار والصهيونية العالمية،والرجعية العربية،والحنين إلى الولاء للسلطنة العثمانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى