هل يحاول السيسي تجميل صورته وتنظيف ما علق بنظامه عبر الاستحمام في حوض الناصريين؟

القاهر ة– لم يتوقع الكثير من المصريين مشاهدة النائب المعارض في البرلمان محمد ضياء الدين داود، نجل القائد الناصري المعروف ضياء الدين داود، وهو يوجه انتقادات حادة للنظام الحاكم على شاشة “إم بي سي – مصر” مساء السبت الماضي، معترضا على عدم ترتيب الأولويات بدقة ووجود إهمال في قطاعي التعليم والصحة مقارنة بمشروعات البناء التي رآها مزدهرة وزائدة عن الحد.

فقد اعتاد المصريون على عدم رؤية صوت معارض في وسائل الإعلام المصرية منذ نحو خمس سنوات، وبات ظهور شخص يتبنى آراء معارضة مسألة غاية في الصعوبة، وسط فرق وأحزاب سياسية تقدم عزفا واحدا يؤيد جميع الخطوات التي يتبناها الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي يرى أن وسائل الإعلام لا تقوم بواجبها.

لقد جاء ظهور البرلماني الشاب ضياء داود، مساء السبت مع الإعلامي عمرو أديب، القريب من النظام المصري، مباشرة عقب استضافته كلا من المخرج خالد يوسف ثم الكاتب السياسي عبدالله السناوي مؤخرا، وسبقهما الكاتب عبدالحليم قنديل.

وتحسب الشخصيات الأربع على التيار الناصري الذي كان جزءا من منظومة سياسية اصطفت ضد جماعة الإخوان خلال ثورة شعبية في الثلاثين من يونيو 2013 وتمت إزاحتها، وكان السيسي آنذاك وزيرا للدفاع.

ابتعدت هذه الأصوات وغيرها عن تحالف 30 يونيو عندما صعد السيسي إلى الحكم ولم يستعن بأي صوت منها، ولو على سبيل الاستشارة، واتخذت غالبيتها مواقف تصب في خانة عدم التوافق مع أولوياته وظهرت بصورة رافضة أو متحفظة على تصوراته.

ويفسر متابعون استعانة النظام المصري برموز ناصرية حاليا بأنها محاولة لتلميع صورته سياسيا، ومنح الإعلام دفقة توحي بالاستعداد لاستيعاب المعارضة، وأن هناك رغبة في إفساح المجال أمام ما يسمى بـ”المعارضة العاقلة” بعدما تأكد كثيرون من أن المعارضة المصطنعة داخل البرلمان وخارجه غير مجدية.

وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة سعيد صادق إن “التحركات المصرية على مستويات مرتبطة بحقوق الإنسان والحريات العامة تستهدف التعامل مع الضغوط المتصاعدة التي تمارسها الإدارة الأميركية، لكنها تتّخذ جوانب شكلية لتقديم ما يثبت أن هناك تطورا على الأرض دون التطرق إلى الجوهر”.

وأضاف في تصريح صحفي أن “الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي مهتمّ بأوضاع الحريات في مصر، وتجد القاهرة نفسها مضطرة إلى اتخاذ خطوات تتماشى مع تطلعاته، ويظهر ذلك عبر التواصل الحقوقي مع عدة دوائر داخل الكونغرس والإفراجات المتتالية وإقرار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وتحسين أوضاع السجون”.

قد تصبح الوجوه الناصرية والبعض من الليبراليين الذين لديهم نقاط مشتركة مع النظام الحالي على رأس الشخصيات الحاضرة في الإعلام المصري خلال الفترة المقبلة، وربما يتطور الأمر إلى السماح لهم بحرية الحركة على نطاق واسع في الشارع.

وذكر رئيس حزب الجيل (معارض) ناجي الشهابي أن “الاتجاه نحو الاستعانة ببعض الشخصيات المحسوبة على تيار المعارضة لإحداث انفراجة سياسية أمر إيجابي في ظل الانسداد الحاصل في مسار الحريات وظهور أصوات تسير في اتجاه مختلف عن كافة الأصوات التي تدعم النظام بشكل مطلق، ما يُحدث حالة من الحراك يمكن توظيفها لصالح المزيد من الانفتاح على أحزاب المعارضة”.

وأشار في تصريح صحفي إلى أن “ظهور بعض الشخصيات على إحدى القنوات القريبة من النظام يبرهن على أن الدولة تريد إتاحة الفرصة لوجهات نظر مختلفة، خاصة أنه يجري الاستعداد لإجراء انتخابات المجالس المحلية التي تمهد للمزيد من النقاشات السياسية على مستوى المدن والقرى والنجوع وتتطلب انفتاحا للتأكيد على نزاهتها”.

واستكمل النظام المصري بناء قواعده ووضع أسسا مكنته من إيجاد أمر واقع يصعب الخروج عليه، وكل الأصوات الناصرية التي ظهرت وهي توجه انتقادات قاسية لبعض السياسات الرسمية لم تنكر دور الرئيس السيسي المهم في مجال التنمية والحفاظ على الأمن القومي المصري ومواجهة تحديات إقليمية صعبة جدا.

وتبدو الانتقادات الرصينة مقبولة من جانب النظام لأنها تنزع عنه الاتهامات الغربية التي تفيد بأنه يُقصي المعارضة، وتحقق جملة من الأهداف السياسية، من أبرزها أن باب الحوار ليس مغلقا تماما وأن هناك فرصة يمكن أن تتجدد أمام المعارضة غير المؤدلجة.

ويشير اقتصار الظهور على ناصريين إلى أن الحرب السياسية ضد جماعة الإخوان يمكن أن تبدأ فصلا جديدا في المستقبل القريب، فعناصر هذا التيار أشد عداء للتيار الإسلامي من قوى أخرى لم تمانع في التفاهم والتعاون مع الإخوان.

ويقول ناصريون إنهم على علم بإمكانية توظيف ظهورهم من قبل النظام المصري، ويشددون على عدم وجود عداوة شخصية تجاه الرئيس السيسي، بل هم حريصون على دعمه، وكل ما هو مطلوب تعديل الأولويات وتوسيع هامش الحريات.

وينطوي الاستماع إلى وجهات نظر ناصريين على رسالة تقلل من أهمية المعارضة، على أمل استثمار أدائهم الذي ينحو صوب التركيز على السلبيات فقط بينما يرى الناس مشروعات عملاقة تنتشر في ربوع البلاد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى