عن قمة بوتين وأردوغان في سوتشي

اُخْتُتِمَتْ في مدينة سوتشي القمة الروسية-التركية، بين الرئيسين فلاديمير بوتين،ورجب طيب أردوغان ،يوم الأربعاء 29سبتمبر2021،إذْ استمر اللقاء بينهما ثلاث ساعات،من دون أن يعقدا مؤتمراً صحافياً. وجاءت قمة سوتشي قبل يوم واحد من الذكرى السنوية السادسة للتدخل الروسي العسكري المباشر في سورية في 30 سبتمبر 2015، والذي رجّح كفة الدولة الوطنية السورية على حساب المعارضة المسلحة المدعومة من المحور الإقليمي و الدولي الأمريكي والبريطاني والفرنسي والتركي والخليجي (القطري السعودي) ، والتي علقت آمالهاعلى التدخل الدولي العسكري على منوال ما حصل سابقا في ليبيا.علمًا أنَّ هذه المعارضة تتكون أساسًا من من جماعة الإخوان المسلمين،والتنظيمات الإرهابية و االتكفيرية الأخرى (داعش و النصرة وسواهما).
وإذا كانت الأزمة السورية (مصير محافظة إدلب تحديداً) استأثرت بالجزء الأكبر من المباحثات بين الرئيسين الروسي و التركي ، فإنَّ القضايا الأخرة التي تهم روسياوتركيا، و لا سيما ملفي ليبيا و أذربيجان، وكذلك العلاقات الاقتصادية و العسكرية بين البلدين كانت حاضرة أيضاًفي هذه القمة .
وتتسم العلاقات الروسية-التركية بنوع معين من التعقيد و التفاهم، من الشَرَاكَةِ الاقتصادية المتطورة و الخلافات حول إنهاء ملف الأزمة السورية، وعدة ملفات إقليمية أخرى.وكانت آخر قمة حصلت بين الرئيسين بوتين و أردوغان في مدينة سوتشي في مارس/آذار 2020، وانتهت بتوقيع اتفاق بين الطرفين على وقف إطلاق النار في إدلب،ووضع ترتيبات لتهدئة طويلة تقود إلى تطبيع الوضع، على رأسها تسيير دوريات مشتركة على الطريق الدولي حلب –اللاذقية “أم4″تمهيداً لإعادته للعمل. كما اتفقا الرئيسان الروسي و التركي في تلك القمة على عودة اللاجئين الذين نزحوا بفعل المعارك التي دارت في ريفي حماة وإدلب من مايو/أيار 2019 وحتى مارس 2020، إلى مناطقهم. وباستثناء تثبيت وقف إطلاق النار، لم يتم تنفيذ البنود الأساسية من الاتفاق، وبقيت المناوشات مستمرة على الجبهات، ولم تتوصل الدوريات المشتركة إلى إعادة فتح طريق “أم 4″، على الرغم من أنه جرت محاولات عدة في هذا الإطار في الربع الأخير من 2020، ولكنَّها اصطدمت بالتعقيدات على طرفي الطريق؛ القسم الأول ما بين مدينة رأس العين والقامشلي الذي تسيطر عليه “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، والثاني الواقع بين إدلب واللاذقية الذي تسيطر عليه قوات النظام. هذا فضلاً عن تعرض الدوريات الروسية التركية لعمليات استهداف.
الأجواء الإقليمية و الدولية قبل القمة
من المفيد التذكير أنَّ الأزمة السورية لم تعد تحظى بالاهتمام الدولي عامة، والأمريكي على وجه الخصوص، وذلك منذ القمة التي عقدت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين و الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ، في 16 تموز/ يوليو 2018 في العاصمة الفنلندية هلسنكي، عقب الهجوم العسكري للجيش العربي السوري من أجل تحرير الجنوب السوري، منذ منتصف حزيران/ يونيو 2018، بدعم روسي مباشر في جنوب سورية وجنوب غربها، ومكّنه من استعادة السيطرة على المناطق المحاذية للحدود مع الأردن .
وكان واضحًا أنَّ إدارة ترامب لا تعارض هذا الجهد الروسي، إذ أكّد الرئيس الأمريكي السابق أنَّ أمريكا لن تسمح لإيران بالاستفادة من “الحملة الناجحة” التي قامت بها بلاده ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” في سورية، عبر تمكينها من التمركز قرب الحدود مع فلسطين المحتلة . وشدّد ترامب على أن بلاده مستعدّة للعمل المشترك مع روسيا والكيان الصهيوني لضمان أمنه.وقد كُشف أيضًا عن اتفاق روسي – إسرائيلي، بموافقة وحضور أمريكي، مفاده إبعاد إيران نحو ثمانين كيلومترًا عن حدود إسرائيل. وفي المقابل، يُسمح للجيش العربي السوري باستعادة السيطرة على المنطقة الجنوبية على الحدود مع الأردن، وعلى المنطقة الجنوبية الغربية على الحدود مع الكيان الصهيوني.
في القمة الأمريكية – الروسية التي انعقدت يوم الأربعاء 16 يونيو/حزيران2021 في جنيف بسويسرا، وهي اللقاء الأول بين بايدن وبوتين منذ تولى الأول منصبه في يناير/كانون الثاني2021، جاءت في وقت وصلت فيه علاقات موسكو وواشنطن إلى الحضيض حرفياً، وبالتالي لا تنقصها المنغصات أو أسباب القلق والتوتر، لكنَّ الأزمة السورية لم تحظى في النقاشات بالدور المركزي،لكنَّها كانت حاضرة في محادثات الرئيسين الأمريكي والروسي، لا سيما أنَّها توافقت مع إعلان أمريكا عن انسحابها من أفغانستان، وتخوف الأطراف الإقليمية والكردية من حدوث انسحاب أمريكي محتمل من سورية.
وإنْ كانت إدارة بايدن تركز منذ فترة على تأهيل العراق للعب دور قيادي في المنطقة يخدم مصالحها، بعدما انحسر هذا الدور عشية الاحتلال الأمريكي له . وربما لأنَّ واشنطن، وفي ظل سياسة بايدن، سوف تستكمل سحب جنودها من العراق نهاية العام، وهي مطمئنة إلى أنَّها وجدت “وكيلاً” استراتيجيًا في بغداد، يشاطرها الرؤية التي تريد.
المشروع الأمريكي-الصهيوني الذي كان يستهدف إسقاط الدولة الوطنية السورية، هُزِمً، سياسياً وعسكرياً. وعليه لم يعد القرار الامريكي بالانسحاب من سورية مفاجئاً في توقيته، بل المفاجأة الكبرى في مبدأ هذا الانسحاب وماهيته. فالوجود الأمريكي في سورية هو وجود عسكري صرف،لكنَّ اأمريكا كقوة عظمى بلا منازع، لاتزال صاحبة القول الفصل في حلِّ الأزمة السورية.
ومع ذلك، لا تملك إدارة بايدن أية استراتيجية واضحة بشأن سورية،صحيح أنَّ أمريكا تراهن على البقاء في سورية،لكنَّ هذا الرهان كان أكبر من الإمكانيات التي وُضعت بُغية الحفاظ على هذا التواجد، والتي جاءت مُخالفة للتوقعات كافة، إذ إنَّ الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري بمساندة حلفائه الإقليميين و الدوليين، وبسط الدولة الوطنية السورية سيادتها على نحو 70% من مساحة سورية،بات ضاغطاً ومتشابكاً إلى درجة أصبحتْ واشنطن تبحث عن طرق تُخرجها من سورية، لكنَّ مع بقاء مفاعيل سياستها كعامل مؤثر ومُعطل لأي قرار يُنهي الحرب بكافة أوجهها في سورية.
من الواضح أنَّ إدارة بايدن ،باتت ترغب تقليص الانخراط الأمريكي المباشر في الصراعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، بلأصبحتْ تفضل الانسحاب العسكري من مناطق بؤر هذه الصراعات ، والبحث عن شركاء محليين وإقليميين ودوليين، يخففون من الحضور الأمريكي مع الحفاظ على المصالح الأمريكية العليا، والمتمثلة بمواجهة اقتصادية ضد الصين وروسيا.
في القمة الروسية-السورية، التي عقدت في أوسط شهر سبتمبر 2021، بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد،كان واضحًا أنَّ الرئيس السوري في طرح رؤيته لحل الأزمة السورية ونقلها من جانب الرئيس بوتين إلى جانب الأمريكي تقوم على فواعل الانتصارات السورية والزخم الهجومي المتضاعف للجيش العربي السوري، الذي بات يُشكل تهديداً مباشراً للتواجد لأمريكي الرمزي في المنطقة الشرقية لسورية. وبالتالي لا يمكن ردع الجيش السوري بقوته وبقوة حلفاؤه الروس والإيرانيين.
في ظل الانتشار السوري والروسي والإيراني على مساحة الجغرافية السورية، تبحث الإدارة الأمريكية عن أساليب جديدة تُغير من المشهد العسكري والسياسي في سورية، حيث لا يعتقد الرئيس بايدن أنَّ الوجود العسكري الأمريكي القليل (2000 جنديًا) في سورية، يمكن أنْ يشكل رافعة لدور أمريكي أكبر في فرض حلٍ سياسيٍّ يتناسب مع أولويات الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، و المتمثلة في نقطتين أساسيتين:
أولها: إبقاء حالة الكباش السياسي بين مُختلف الأطراف الفاعلة والمؤثرة في الشأن السوري، في مستويات عالية، لجهة مشروع الكرد الانفصالي، إضافة إلى بقاء الكرد وبالمستويات كافة ذراعاً عسكرياً لواشنطن، وأداة سياسية مُعطلة.
وثانيها:أنَّ إدارة بايدن لا تهدف إلى التخلص من الرئيس السوري بشار الأسد، ولا تسعى إلى إنهاء النفوذ الدبلوماسي الإيراني المتنامي في سورية بل إخراج قواتها العسكرية بوصفه مطلبًا إسرائيليًا، وبالاعتماد على الضغوط السياسية والاقتصادية، والابتعاد عن معالجة الأهداف السابقة بطرق عسكرية.
ويرى المحللون و الخبراء المتابعون للتطورات الحاصلة في إقليم الشرق الأوسط، من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ،و العراق، مرورًا إلى احتمال الانسحاب الأمريكي من سورية،أنَّ إدارة بايدن باتت تعتمد على الوقائع الاقليمية، ومنها خصوصية سورية في الاستراتيجية الروسية، إذ فرضت واقعاً لا يُمكن لأمريكا تجاهله،بل إنَّ واشنطن توصلت لنتيجة مُفادها، أنَّ الساحة السورية لا يُمكن ان تحقق لها أي مكاسب استراتيجية على المدى البعيد، بخلاف العراق الذي لا زال أساسياً واستراتيجيًا في الحسابات الامريكية. ففي العراق يُمكن الحفاظ على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، مع الحفاظ على أمن اسرائيل،  ومنع تحويل العراق لساحة للمصالح الايرانية.
من هنا نصل إلى نتيجة منطقية وواقعية، أنَّ الرئيسين بوتين وبايدن توصلاَ في قمتهم الأخيرة إلى اتفاق في الخطوط العريضة للتسوية في سورية، بما في ذلك تحقيق المطلب الأمريكي –الإسرائيلي المتعلق بالتواجد العسكري الإيراني في سورية.بحيث تبادر أمريكا بانسحاب من سورية أولاً ، الذي سيؤدي إلى انسحاب إيران ثانياً، وهو موقف يدعمه الرئيس بوتين ، ويبدو أنَّ لديه نوعاً من الضمانات حيال الانسحاب الإيراني، فضلاً عن أنَّ الدولة السورية قد تطلب من إيران تخفيف تواجدها العسكري بشكلٍ كبيرٍ، إنْ غاب التهديد العسكري الأمريكي، حتى لا تعطي ذريعة للكيان الصهيوني بمواصلة القيام بعدوانه على المواقع العسكرية المشتركة السورية-الإيرانية.
هل حققت قمة سوتشي النتائج المرجوة؟
رغم أنَّ الأزمة السورية هي الدافع الرئيس لعقد القمة الروسية-التركية بين الرئيسين بوتين وأردوغان، في ضوء الخلافات السياسية و العسكرية القائمة، وبداية استعداد روسي عسكري على شكل غارات وتهديدات للنقاط التركية، وقصف لمقرات عسكرية تتبع فصائل تدعمها أنقرة، فإنَّ اللقاء الذي استمر ثلاثَ ساعات، لم يصرحِ الجانبان عن نتائج أو تفاهمات بشأنه، باستثناء تصريحاتٍ دبلوماسية دون أي معلومات عن فحوى اللقاء، فيما لم يصدر بيان ختامي عن اللقاء.
أولا :خلاف حول ملفات جيوسياسية بين أنقرة وموسكو
كان الملف السوري هو أساس الاجتماع بين الرئيسين الروسي و التركي وليس كما يروج البعض حول أوكرانيا أو ليبيا، فتركيا يبدو أنَّها ترفض أي عملية عسكرية في إدلب كما تسعى إلى ذلك روسيا نظراً لتأثيراتها الكبيرة على السياسة الداخلية والإقليمية لتركيا وملف اللاجئين السوريين.وتعمل أنقرة على إحالة ملف إدلب إلى اللجان العسكرية المشتركة بين الطرفين، لإيجاد حل وسط أو التخفيف من حدِّة الخلافات.
وكان وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أطلق تصريحات سبقت القمة بين الرئيسين اعتبر فيها أنَّ “تركيا ملتزمة بأسس الاتفاق المبرم مع روسيا، وتنتظر من الطرف المقابل تحمل مسؤولياته المتعلقة بالاتفاق”، وأفاد بأنَّ الروس يقولون إنَّهم يستهدفون “المجموعات الإرهابية في إدلب، إلا أنَّ ضحايا هذه الهجمات ليس بينهم إرهابيون”.
في عقل الرئيس بوتين ، لا يمكن أن تستمر الأزمة السورية من دون حلٍ، لا سيمافيما يتعلق بالاحتلال التركي للشمال السوري الغربي، ودعم أنقرة للفصائل الإرهابية المسيطرة على جزء كبيرٍ من محافظة إدلب.ويعمل الرئيس بوتين على ممارسة مزيد من الضغط على أردوغان ، لا سيما أنَّ التطلعات التركية في ضم الشمال السوري وجعله منطقة عازلة بين تركيا و سورية ، لتوطين اللاجئين السوريين في تركيا،بهدف منع الأكراد من إنشاء كيان كردي انفصالي، يشكل أولوية استراتيجية لها، وتعمل على الاستثمار في هذا الملف.
رغم أنَّ الجيش العربي السوري كان مستعدًا في شهر مارس/آذار 2020 لشَنِّ هجومٍ واسع النطاق لتحرير إدلب، فإنَّ القيادة الروسية هي التي قيَّدَتْ خطط الجيش السوري وأهدافه بشأن إدلب، حين ربطت الحلّ في هذه المحافظة بالمبادرة الروسية التي طرحتها في مارس من العام الماضي .
وفي ظل المماطلة التركية،وعدم التوصل إلى تسويةٍ سياسيةٍ بشأن إدلب ،ازدادتْ الهجمات التي تشُنُّهَا القوات الروسية و السورية في منطقة العمليات بمحافظة إدلب. فبينما وصل عدد الهجمات إلى 30- 35 هجمة طوال العام الماضي، بلغ عددها إلى 40- 50 في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري.وفي الثلاثة أشهر الأخيرة اشتدت هذه الهجمات الروسية والسورية ،إذ تم تسجيل من 80إلى 90 هجمة روسية على إدلب.
وتسعى روسيا من خلال الزيادة بالهجمات الجوية على إدلب، إلى الضغط على تركيا ودفعها  إلى عملية المفاوضات بين أنقرة وموسكو بشأن الجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا المتمركزة في شمال غرب سورية، لاسيما في إدلب.ويريد الرئيس بوتين إجبار أردوغان
على تطهير إدلب من الجماعات الإرهابية،لكي يسيطرالجيش العربي السوري على إدلب ، وتبسط الدولة السورية كامل سيادتها على هذه المحافظة، وهذا هو السبب الرئيس في الضغط الروسي على أنقرة التي وافقت على ذلك سابقا بموجب الاتفاقيات بين البلدين .فالمسار المهم الذي يراه الرئيس بوتين في المفاوضات بين تركيا وروسيا، هو فتح الطريق الدولي “أم4″، الذي يُعَدُّ شريان الحياة الرئيس بالنسبة لسورية، وهو طريق يمتد إلى الموصل في العراق.
لكنَّ الرئيس أردوغان لا يزال يصر أنَّ الجماعات المتواجدة في إدلب ليست أطرافًا إرهابيةً على الساحة الدولية، وجميع العناصر هم من السوريين، يعني أن التكوينات التي يتم ربطها ب”القاعدة” أو “جبهة النصرة “هي عناصر محلية.فأنقرة تستخدم هذه المجموعات الإرهابية في محافظة إدلب حالياً للضغط على الدولة السورية بهدف إقحامها في معادلات التسوية السياسية الخاصة بسورية.
وتتوزع هذه المجموعات الإرهابية ما بين حركات جهادية ومعارضة مسلحة تقاتل القوات الحكومية السورية سوية.ويحرص الجهاديون الذين ينافسون الفصائل المعارضة الأخرى على أن يكونوا الأقوى والأكثر فعالية في معارك إدلب وما حولها.وبرغم جهودهم الرامية إلى بسط سيطرتهم ومواجهة الجيش السوري، فإنَّ هذه الجماعات مفككة وكل طرف يعمل بمفرده، مع إغفال دور الفصائل الأخرى.
وتتكون هذه الجماعات الجهادية المسلحة من “هيئة تحرير الشام”،وكانت تسمى بـ”جبهة النصرة” فرع تنظيم القاعدة سابقاً قبل أن تغير اسمها إلى هيئة تحرير الشام، ويقودها حاليًا محمد الجولاني، التي تسعى الإدارة الأمريكية وتركيا إلى تبييض تاريخه الإرهابي، وإشراكه مستقبلاً في أية عملية تسوية في سورية. وحاليا تُعَدُّ “هيئة تحرير الشام” القوة الأكثر نفوذاً في إدلب بعد أن أقصتْ شركاءها من الفصائل المعارضة في في يوليو/تموز 2017، لتنفرد بالسيطرة في المحافظة. اختلفت هيئة تحرير الشام مع تنظيم القاعدة بسبب إعلان الأولى قطع علاقاتها مع الأخيرة في يوليو/تموز 2016.
وقد أدَّى هذا الانفصال إلى تقسيم معسكر القاعدة في سورية،إلى “هيئة تحرير الشام” ،وانشقاق فصيلين جهاديين صغيرين عنها في أواخر عام 2017، بسبب انفصالها عن تنظيم القاعدة، ولاؤهما الأول والأخير لتنظيم القاعدة الأم. وهناك الحزب التركستاني الإسلامي،وهي هي جماعة من الموالين القدماء لتنظيم القاعدة، نشأ في مقاطعة شينجيانغ شمال غرب الصين ولكن لها وجود راسخ في سورية.وهناك أيضًا جماعات معارضة اخرى تشارك في معارك إدلب ، ومن بينها الفصيل الإسلامي “حركة أحرار الشام”، التي استولت “هيئة تحرير الشام” على قواعدها في إدلب في يوليو/تموز 2017، و”حركة نور الدين زنكي”، و”جيش الأحرار”،و”فيلق الشام”، و”جيش العزة” (جزء من الجيش السوري الحر،) بالإضافة لفصائل أصغر.
وفي ظل العداء المستحكم بين هذه الجماعت الجهادية و المعارضة المسلحة و الدولة الوطنية السورية، من الصعب جِدًّاأن يتمَّ التوصل إلى حلٍ لتسوية الوضع في إدلب، لا سيما في ظل استمرار الصراع الطائفي والفتنة الطائفية التي تعيشها الجغرافيا العربية في منطقة الشرق الأوسط، اللذين تغذيانه كل من الإمبريالية الأمريكية و الكيان الصهيوني، ونظام أردوغان.ويأتي ذلك في الوقت الذي تشن فيه الولايات المتحدة الكيان الصهيوني هجمات على قوات الجيش العربي السوري ، والقوات الإيرانية،وعناصر الحشد الشعبي في العراق، ولا تبدي روسيا أي ردَّة فعل تجاه ذلك أو حتى إنَّها لا تشكل نظام حماية أو دفاع لتلك الجهات.
ثانيًا: العلاقات الاقتصادية و العسكرية المتطورة بين روسيا وتركيا
يسعى الرئيس بوتين استغلال العلاقات المتوترة بين أمريكا وتركيا ، حيث نقلت القناة التلفزيونية عن الرئيس التركي قوله مؤخرا إنَّ العلاقات بين أنقرة وواشنطن ليست على ما يرام، وإنَّ البلدين بحاجة إلى “تسوية” القضايا المتعلقة بشراء أنقرة لنظام الدفاع الصاروخي الروسي إس-400.
وأضاف أردوغان أنه يتعين أن يتعاون الجانبان باعتبارهما صديقين لكن “الاتجاه الحالي لا يبشر بخير”.في وقت سابق، قال أردوغان: “عملت بشكل جيد مع جورج بوش الابن وباراك أوباما ودونالد ترامب، لكن لا أستطيع القول بأن بداية عملنا مع جو بايدن كانت جيدة”.
وشدَّد أردوغان على أنه لا يمكن اعتبار أن هناك عملية صحية في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، مضيفا: “لقد اشترينا طائرات أف35، ودفعنا مليارا و400 مليون دولار، ولم يتم تسليمنا المقاتلات”. وأكد أن قضية المنظومة الروسية “أس400” منتهية بالنسبة لبلاه، “ومن غير الممكن قبول أي إملاءات بهذا الشأن”.وأشار إلى أن تركيا تتصرف بصدق تجاه الولايات المتحدة، لكنها “للأسف لم تتصرف كذلك”.
بحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، التعاون في المجال العسكري بين بلديهما، ولا سيما منظومة “أس400” الروسية وإنشاء محطتين نوويتين إضافيتين.
وقال أردوغان في تصريحات أدلى بها على متن الطائرة خلال عودته من روسيا، الأربعاء الماضي ،إن مباحثاته مع بوتين شملت العديد من القضايا المشتركة وأبرزها التعاون العسكري والاقتصادي والصناعي.وأوضح: “ناقشنا إمكانية التعاون في المجال العسكري ولا سيما شراء منظومة “أس400″ الروسية، وتطوير التعاون بمجال تصنيع وإنتاج محركات الطائرات والمقاتلات وبناء السفن والغواصات العسكرية والتجارية”.وأشار إلى أن بلاده لن تتراجع عن صفقة منظومة “أس 400″، وإنها تدرس مع موسكو إنشاء محطتين نوويتين إضافيتين.
وكشف أردوغان أنَّ حجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا خلال الأشهر الثمانية الأولى حقق زيادة قرابة 50 بالمئة، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي وتجاوز 21 مليار دولار.ولفت إلى أنهما ركزا على الخطوات الواجب اتخاذها للوصول إلى الهدف المشترك المتمثل في رفع حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار.وأشار إلى تطابق وجهات نظر البلدين بشأن تطوير تعاونهما القائم في قطاع الطاقة الذي يعتبرونه مجالا للتعاون الاستراتيجي.
وتابع أردوغان،أنَّه والرئيس بوتين قيّما الوضع فيما يتعلق بمشروعي محطة “آق قويو” للطاقة النووية في ولاية مرسين (جنوب)، و”السيل التركي”.وأوضح أردوغان أنَّ 10 آلاف مهندس تركي شاب إضافة إلى 3 آلاف من نظرائهم الروس يعملون في محطة “آق قويو”، وأنَّهم سيزيدون عددهم لاحقا.
وأردف: “حصلنا منهم على وعد بإنهاء بناء الوحدة الأولى في أيار/ مايو 2023”.ولفت إلى أن تركيا تهدف لبناء محطتين نوويتين إضافيتين إلى جانب “آق قويو”.وبيَّن أنَّ بوتين أبدى موافقته لدراسة إمكانية التعاون في إنشاء محطات طاقة نووية ثانية وثالثة في تركيا، بجانب محطة “آق قويو”.ودعا أردوغان بوتين إلى زيارة تركيا، وعرض عليه عقد اجتماع للمجلس الاستراتيجي على أعلى مستوى في تركيا بحلول نهاية العام المقبل.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة: في ضوء “التراجع” في الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، يتساءل المحللون والخبراء هل بإمكان روسيا أن تملأ مكان أمريكا في الشرق الأوسط؟
في الواقع ، يعمل الرئيس بوتين على استغلال الخلافات التي برزت في السنوات الأخيرة بين كل من تركيا و أمريكا، وبين كل من المملكة السعودية و الولايات المتحدة، لكي يسجل الحضور الروسي في الشرق الأوسط. ومع تراجع الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط، تميل روسيا إلى توسيع نطاق وجودها في المنطقة، فيما يبرهن شركاء أمريكا مثل تركيا والسعودية على أنهما ستبحثان عن موردين.
وفي شباط (فبراير) 2021، علقت إدارة بايدن إلى أجل غير مسمى بيع صواريخ موجهة إلى السعودية بسبب مخاوف تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، كما أنَّ البنتاغون أزال في هذا الشهر دفاعات صاروخية منها بطاريات باتريوت من السعودية.
ويقول تقرير سياسي أعدته منظمة Heritage الأمريكية، أنَّ روسيا، يمكن أن يؤدي تأخير الولايات المتحدة أو إلغاء اتفاقيات نقل الأسلحة إلى أن تنظر الدول الأخرى إلى واشنطن كشريك أمني أقل موثوقية، ما يدفعها إلى البحث عن علاقات أمنية جديدة في أماكن أخرى”.ويقترح التحليل “إيجاد توازن بين المبادئ الأساسية للولايات المتحدة، وبين التعامل مع العالم الذي تتنافس فيه القوى الكبرى على النفوذ والوصول والتجارة والأمن”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى