الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة ميقاتي.. هل توقف الانهيار؟

يستعرض التعليق أهم التحديات التي ستواجهها حكومة ميقاتي وكذلك المهمات الأساسية والعاجلة التي ستبادر إلى التصدي لها، ويرى أن هناك شكوكًا حول قدرة الحكومة على منع الانهيار، ولكن بالمقابل هناك مصلحة وحرص دولي على الحؤول دونه.

مركز دراسات الجزيرة – بقلم: شفيق شقير
هناك شكوك حول قدرة حكومة ميقاتي على مواجهة التحديات، وتراهن على وقوف المجتمع الدولي معها (رويترز).
أعلن الرئيس نجيب ميقاتي حكومته بعد أقل من شهرين على تكليفه (كُلِّف في 26 يوليو/تموز 2021)، وقد ضمَّت 24 وزيرًا من الاختصاصيين ولكن من اختيار القوى السياسية الأساسية في البلاد وموزعة على الطوائف اللبنانية وفق اتفاق الطائف ولا ثلث معطِّلًا فيها (في القضايا الأساسية يُشترط موافقة أكثرية ثلثي مجلس الوزراء عليها) لأي طرف سياسي، وفق تأكيده.

ومن اللافت في تشكيل الحكومة أنها لم تأت مطابقة لمواصفات المبادرة الفرنسية والتي من أهم بنودها أن تكون من مستقلين، على الرغم من أنها وُلدت بمتابعة ورعاية فرنسية مباشرة، كما لم تتمثل فيها قوى المجتمع المدني أو قوى الحراك اللبناني على رغم حضورها القوي بعد “انتفاضة” 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019. كما جاءت بعد أيام على مكالمة من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بالرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي (5 سبتمبر/أيلول 2021)، لاسيما أن هذا الأخير، وبحسب الإعلان الإيراني، رحَّب بالتعاون مع فرنسا معتبرًا أن “جهود ومساعي إيران وفرنسا وحزب الله تصب لصالح هذا الشعب (أي اللبناني) عبر تشكيل الحكومة القوية في لبنان”.

وتأتي هذه الحكومة بعد ما يزيد على عام من استقالة حكومة الرئيس حسان دياب (10 أغسطس/آب 2020) وفي أعقاب انفجار مرفأ بيروت (4 أغسطس/آب 2020)، والتي استمرت في تصريف الأعمال طيلة هذه الفترة، وبالتالي فإن الأزمات المالية والسياسية والمعيشية كانت تستفحل دون أية مواجهة حقيقية لها.

المأمول والتحديات

المأمول من هذه الحكومة على الأقل وبشكل عاجل، القيام بمهمات ثلاث أساسية:

الأولى: وقف الانهيار المالي الحاد والمتسارع الذي لم يعرف لبنان مثيلًا له في تاريخه؛ حيث تجاوز سعر الدولار أحيانًا في تأرجحه حدود 20 ألف ليرة وكان قبل الأزمة (أكتوبر/تشرين الأول 2019) في حدود 1500 ليرة فقط. وتشكيل الحكومة بحد ذاته جزء من هذه الجهود لأن تشكيلها كان من شروط المجتمع الدولي لمد يد المساعدة للبنان. والمطلوب من الحكومة إجراء إصلاحات ضرورية، كمدخل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي على مجموعة من الإجراءات المالية، وإرساء نظام اقتصادي أكثر شفافية ومختلف جذريًّا عن السابق، بما يشجع المجتمع الدولي على التعاون المالي والاقتصادي مع لبنان الرسمي، لاسيما أن البلاد شهدت حراكًا شعبيًّا (2019) ضد الطبقة السياسية الحالية بوصفها “طبقة أحزاب حاكمة فاسدة”.

ثانيًا: الحؤول دون الانفجار الاجتماعي الذي كاد يكون محتومًا بسبب شح الدولار، وذلك بتوفير الحاجات الأساسية للبنانيين. فالبلاد بسبب تهاوي سعر الصرف تواجه نقصًا كبيرًا في الوقود والكهرباء والمياه والدواء، وقد بات ما يقرب من 80% من الشعب اللبناني في دائرة الفقر أو غير قادر على تأمين أساسيات الحياة، في حين تتردى كل القطاعات الخدمية وإدارات الدولة، لاسيما الصحية منها والتعليمية، وأعلن مصرف لبنان المركزي عن عجزه عن الاستمرار في دعم أسعار المحروقات، فضلًا عن الغذاء والدواء.

ثالثًا: الإعداد للانتخابات التشريعية بوجه خاص، والتي من المتوقع أن تجري في شهر مايو/أيار المقبل (2022)، لانتخاب المجلس النيابي الذي من المفترض أن ينتخب رئيس الجمهورية الجديد؛ حيث تنتهي ولاية الرئيس الحالي، ميشال عون، في نهاية أكتوبر/تشرين الأول من العام 2022. وعلى رغم إعلان كل القوى اللبنانية عزمها على المحافظة على مواعيد هذه الاستحقاقات، إلا أن الأزمة الاقتصادية أو السياسية إذا ما استمرت، فإنها قد تحول دون انتظامها.

ومن أهم التحديات التي ستواجهها الحكومة:

احتمال أن تنعكس فيها خلافات الأطراف السياسية المشكِّلة لها، لاسيما أن معظم وزرائها ليسوا مستقلين وإن كانوا من الاختصاصيين، وبالتالي فليس من المستبعد أن تفقد فعاليتها أو أن تنتهي بالاستقالة.
تحتاج الحكومة لأن تحظى باعتراف دولي وإقليمي والأهم عربي بها، حتى تكون محل ثقة الخارج وبالتالي توفر المساعدات المالية الخارجية اللازمة أو الحد الأدنى منها بما يكفي لوقف الانهيار، لاسيما أن ما يقدمه صندوق النقد الدولي وحتى مؤتمر المانحين، وهي بضع مئات من ملايين الدولارات، ليس كافيًا لإسعاف لبنان فهو بحاجة بوجه خاص لعمقه العربي، أو لوصل “ما انقطع مع العالم العربي”، بحسب تعبير ميقاتي نفسه بعد إعلانه لحكومته.
احتمال أن تنعكس الخلافات أو الصراع الإقليمي على لبنان. لهذا قامت المبادرة الفرنسية في جوهرها على تحييد لبنان عن أزمات الإقليم. وليس واضحًا إذا ما اشتد الصراع في المنطقة أن بالإمكان تحييد لبنان أو أن الأطراف اللبنانية تملك الإرادة والقدرة على تحقيق ذلك. وبوجه خاص، إذا ما استمر النزاع السعودي-الإيراني في تصاعد، أو تدهورت المفاوضات النووية الإيرانية-الأميركية، فضلًا عن المواجهة المحتملة بين حزب الله وإسرائيل.
قد تتدهور علاقة الحكومة مع الشارع اللبناني وتتجدد المظاهرات أو الاحتجاجات الشعبية -بغضِّ النظر عن حجمها- ولا يمكن استبعاد هذا الاحتمال بعد أن جاء تشكيل الحكومة الحالية متجاهلًا قوى الحراك اللبناني وكأنه يعلن هزيمتها، وهذا كاف لاستفزازها، خاصة أن معظم القوى والطوائف اللبنانية تعيش حالة انتقالية على صعيد قيادتها، وهذا الأمر لا يقتصر على رئيس الجمهورية، عون، وصهره، جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر. فمعظم هذه القيادات إما كبرت في السن أو أنها تواجه تحديًا في طائفتها وقد تعجز عن ضبط بيئتها الخاصة بسبب ما آلت إليه الأوضاع المعيشية والسياسية. وعلى صعيد آخر، تعتقد طبقة الأحزاب الحالية أن بعض القوى الخارجية تطمح لتغيير الطبقة السياسية اللبنانية الحالية ما استطاعت، وأنها ستقف مع “قوى المجتمع المدني” في الانتخابات النيابية المقبلة ضدها، أو أنها ستؤيد أي حراك جديد يشهده لبنان؛ الأمر الذي يُبقي أجواء التوتر حاضرة في عموم المشهد السياسي اللبناني، ما سيجعل مهمة الحكومة بالغة الصعوبة.

الخاتمــــــــــــــــــــة

قد يُعتبر ميقاتي محظوظًا لأنه شكَّل حكومة واستطاع تجاوز التحديات التي عجز عن مواجهتها من سبقه على هذا الصعيد. فقد فشل الرئيس سعد الحريري في تشكيل الحكومة بعد محاولات دامت ما يقرب من تسعة أشهر (كُلِّف بتشكيلها في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2020 وتنحى في 15 يوليو/تموز 2020)، وكان فشل قبله أيضًا سفير لبنان في ألمانيا، مصطفى أديب، بعد أقل من شهر على تكليفه (كلف بها في 31 أغسطس/آب 2020 وتنحى في 26 سبتمبر/أيلول 2020)، وكان خلافهما الأساس مع رئيس الجمهورية يتعلق بتوزيع بعض الوزارات وإصرار الرئيس عون على حيازة الثلث المعطل، وهو الأمر الذي ينفيه هذا الأخير.

ولكن أخذًا بالاعتبار ظروف المشهد اللبناني وما يشهده الإقليم من نزاع، هناك شكوك عميقة حول قدرة حكومة ميقاتي على مواجهة التحديات التي تواجهها، وقد تعجز حتى عن لجم الانهيار المالي لوقت طويل إن استطاعت بعض الوقت. إلا أن رهان حكومة ميقاتي وكذلك القوى اللبنانية الأساسية، على أن المجتمع الدولي إن لم يكن معنيًّا بتعافي لبنان في المرحلة الراهنة فإنه حتمًا حريص على منع الانهيار بما يهدد استمرار الكيان اللبناني، وبالتالي توفير كل السبل لهبوط اقتصادي منضبط على الأقل، وبالتالي ليس على حكومة ميقاتي إلا الصمود لأحد الأجلين: إلى حين الانتخابات النيابية المقبلة إن جرت في موعدها (مايو/أيار 2022)، أو إلى حين انتهاء ولاية عون (نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022)، ليُفتح فصل جديد في إدارة الأزمة اللبنانية أو في سبيل حلها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى