قراءة في الانتخابات المغربية.. فوز التجمع الوطني للأحرار وهزيمة مدوّية للإسلاميين

جرت الانتخابات التشريعية في المغرب ، يوم الأربعاء8 سبتمبر/أيلول 2021 ، حيث بلغ عدد الناخبين المسجلين نحو 18 مليون ناخب، وأكثر من نصف هؤلاء لا يصوّتون، وفئاتٌ كبيرة ممن يصوّتون أُمِيُّون، تجري اسْتِمَالَتِهِمْ إلى مراكز الاقتراع بالإغراءات المادية التي يقدّمها لهم المرشحون أو بتحفيز أو تخويف من أجهزة الدولة التي يكون هاجسها هو الرفع من نسب المشاركة.
وكانت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات وصلت إلى 50.18 في المائة، حسب ما أعلنته وزارة الداخلية المغربية.، لكنَّ المشاركة هذه في الانتخابات التي تُعتمد مقياسا لمصداقية العملية الانتخابية وما يتمخض عنها من مؤسسات منتخبة لم تَعُدْ تشكّل رهانًا سياسيًا كبيرًا عند كل استحقاق مغربي.
وأسفرت نتائج الانتخابات التشريعية المغربية عن فوز حزب”التجمع الوطني للأحرار” الذي حلَّ في المرتبة الأولى بـ97 مقعدًا من أصل 395،بعد فرز 97 بالمائة من الأصوات، متبوعًا بحزب “الأصالة والمعاصرة” بـ 82 مقعدًا، وحزب “الاستقلال” بـ78 مقعدًا، وحزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” بـ35 مقعدًا، في حين حصل حزب “الحركة الشعبية” على 26 مقعدًا و”حزب التقدم والاشتراكية” على 20 مقعدًا وحزب “الاتحاد الدستوري”، على 18 مقعدًا و”العدالة والتنمية” 12 مقعدًا فقط، من أصل 125 مقعدًا فاز بها في انتخابات 2016.
ظاهرة عائلات الإقطاع السياسي الانتخابية المرتبطة بالملك و الليبرالية
وتميزت الانتخابات التشريعية في المغرب بظاهرة “العائلات الانتخابية” التي تمثل الاقطاع السياسي المرتبط بالقصر الملكي و العولمة الليبرالية المتوحشة ، بعدما تشكّلت اللوائح الانتخابية للأحزاب السياسية في عدد من الدوائر من أفراد العائلة الواحدة، عوضاً عن إتاحة الفرصة لأعضاء آخرين من هذه الأحزاب،إذ تم ترشيح بعض السياسيين في البلاد لأبنائهم وأقاربهم في القوائم الانتخابية، مما أثار انتقادات واسعة، كما طرح أكثر من علامة استفهام حول مدى احترام معايير النزاهة والكفاءة والمنافسة الشريفة عوض معايير النسب والجاه والارتباط العائلي والولاءات الشخصية.
وهي ليست المرّة الأولى التي تبرز فيها على الساحة السياسية في المغرب ظاهرة “العائلات الانتخابية”، التي تدخل غمار التنافس من أجل الظفر بمقاعد الجماعات والجهات والبرلمان، إذ عرفت أول انتخابات نُظمت في المغرب عام 1963 استعانة الملك الحسن الثاني الراحل بعائلات “الأعيان”و “الوجهاء” من أجل تثبيت نفوذ أحزاب الإدارة الموالية كليا للقصر الملكي، و مواجهة الأحزاب الوطنية، التي يغلب عليها الطابع اليساري و الشعبي .علمًا أنَّ هذه ظاهرة “العائلات الانتخابية”،انتقلت لاحقاً إلى الأحزاب الوطنية بدورها، بعدما رأت في العائلات الانتخابية عاملاً مساعداً على تغطية المساحة الانتخابية وتعزيز حضورها في المشهد المجتمعي.
وكانت الحكومة المغربية أقرَّتْ قانون انتخابات معدل في مارس/ىذار2021، يجعل من الصعوبة بمكان على أي حزب السيطرة على البرلمان من خلال عدد المقاعد. ويجب على الحزب الفائز تشكيل ائتلاف حكومي مع عدة أحزاب أخرى يختلف معها في الأيديولوجيا والأجندة. وهذا يعني سحب السلطة من الأحزاب وإضعاف قدرتها على الحكم، في وقت تقوى فيه سلطات الملك، وهو ما دفع عددا من المغاربة إلى عدم المشاركة في انتخابات يوم الأربعاء الماضي.
من هو زعيم حزب “التجمع الوطني للأحرار” الفائز في الانتخابات؟
حصل حزب “التجمع الوطني للأحرار” الذي يترأسه الملياردير المغربي عزيز أخنوش،على 97مقعدا في الانتخابات التشريعية ،والفضل في ذلك يعود إلى الإنفاق المالي بلا حساب، بل بجنون، الذي أنفقه زعيمه وهو رجل أعمال ثري جدا ، على معقله السياسي في الساحل الجنوبي للمغرب، وأنعم على أهل المنطقة بالتعليم والصحة والوظائف.وكانت الدعاية السياسية والإعلامية لحزب”التجمع الوطني للأحرار”تروج لزعيمه عزيز أخنوش، أنَّه سينهي فترة عدم الرخاء التي رافقت حكومة حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي ،من أجل الفوز في هذه الانتخابات.
رغم أنَّ عزيز أخنوش لا يملك أي شخصية كاريزمية ، ولا ذلك الحضور القوي في تاريخ المشهد السياسي المغربي، لكنَّه يُعَدُّ صديقًا شخصيًا للملك محمد السادس، وتابعًا للنظام الملكي بشكل ظاهري وباطني . ويُتَهَمُ أخنوش في العديد من الأوساط السياسية المغربية بإنفاق أموال خارج إطار الدعاية الانتخابية، وبأنَّ حزبه جزء من القوى التي تمكنت من ترويض الإسلاميين نيابة عن الملك.
وبما أنَّ عزيز أخنوش صديق للملك، فهو مرشح لتولي رئاسة الوزراء بعد فوز حزبه “الأحرار” بالانتخابات التي جرت يوم الأربعاء الماضي.لكنَّ المحللين والخبراء والنقاد في المغرب يعتقدون أنَّ وصول رئيس حزب”التجمع الوطني للأحرار” أخنوش إلى رئاسة الحكومة ، لن يحدث التغيير المنشود الذي ينتظره الشعب المغربي. فالحقيقة الساطعة في المغرب مهما كانت نتيجة الانتخابات ،أنَّ الملك سيظل أعلى سلطة في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والدينية.إضافة إلى ذلك أنَّ رئيس الحكومة المغربية المقبل عزيزأخنوش،متهم في المغرب، بأنَّه
رجل أعمال اعتاد التعامل مع أنداده من أصحاب المال والأعمال، وحين يحاول الحديث إلى الناس خارج دائرته المغلقة، تخونه لغة اللسان وتعبيرات الجسد. ولا يجد منطقةً وسطى يرتاح فيها. ولغة مساعديه لغة عمّال مع ربّ عملهم، يسمها الخوف والشّعور بالتبعية والدونية.
سقوط مدوِّ للإسلاميين في الانتخابات التشريعية بالمغرب
وصل حزب العدالة والتنمية الإسلامي في المغرب بقيادة أمينه العام السابق عبد الإله بن كيران إلى رئاسة الحكومة المغربية ،بعد فوزه بأغلبية المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 25نوفمبر 2011. و شكل عبد الإله بن كيران زعيم حزب العدالة الحكومة طبقاً للدستور الجديد المُقِر في صيف 2011،وقادعمليّة تحوّل انتقالية منظّمة  للديمقراطية برعاية الملك محمد السادس.
لكنَّ بعد عشر سنوات من رئاسة الحكومة المغربية، هاهو حزب “العدالة و التنمية” الإسلامي ، الذي كان حاكمًا في المغرب، يتقهقر بشكلٍ كبيرٍ إلى المرتبة الثامنة بـ12 مقعداً، ويفشل الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية”، سعد الدين العثماني، في الظفر بمقعد نيابي في دائرة الرباط المحيط، والحال هذه بات الإسلاميون خارج المشهد السياسي في البلاد، بعد عشر سنوات من تصدرهم في البرلمان والحكومة.
فقد فشل حزب”العدالة و التنمية” الإسلامي في تحقيق الانتظارات الحقيقية للشعب المغربي في مجال التنمية المستدامة، والعدالة الاجتماعية،وتغيير النظام الملكي إلى ملكية دستورية حقيقية تكون السلطة الفعلية فيها لرئيس الحكومة،إذ نجح النظام الملكي برئاسة الملك محمد السادس في ترويض الإسلاميين ،لا سيما حين قام الملك محمد السادس بالمقايضة التاريخية مع أمريكا:اعتراف إدارة ترامب السابقة بالسيادة المغربية على أقاليم الصحراء الغربية مقابل التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي جعل حزب العدالة والتنمية يصدر بيانًا لم يوقعه الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني ، واكتفى بتوقيعه نائبه، وحاول أخذ العصا من الوسط، منوها بالانتصار الكبير الذي حققه المغرب في قضية الصحراء المغربية، مؤكدا تعبئة الحزب خلف الملك لترسيخ سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، مذكّرا بمواقفه الثابتة من الاحتلال الصهيوني، وما يقترفه من جرائم، خاتما بيانه بجملةٍ يُستشَف منها تنديده بالتطبيع، تلميحا لا تصريحا، من خلال استنكاره محاولات الاحتلال الصهيوني تطبيع علاقاته واختراق المجتمعات الإسلامية.
فقد اختار إذن حزب العدالة والتنمية التلميح لا التصريح، وترك لشبيبته التي يترأسها وزير في الحكومة إصدار بيانٍ تؤكد فيه موقفها المبدئي الرافض للتطبيع، وكان هذا الموقف لحزب العدالة و التنمية مخيّبا لآمال الجماهير المغربية الذين اعتقدوا أنَّ الحزب قد يقوم بخطواتٍ احتجاجية تجاه القرار الملكي، من قبيل التنديد والاستنكار، بله بتقديم الاستقالة والخروج من الحكومة.
ومن الواضح أنَّ موقف الحزب المائع من التطبيع، وعجزه عن حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، وعدم قدرته على إصلاح النظام الملكي المغربي،أسهم إسهامًا كبيرًا في إحباط الجماهير المغربية،وفي التخلي عنه من قبل الناخبين المحبطين .فقد أقرَّ القيادي في حزب “العدالة والتنمية” لحسن العمراني، الخميس الماضي، بهزيمة حزبه في الانتخابات البرلمانية ، وذلك  في أول رد فعل من قيادة الحزب الإسلامي.وكتب العمراني، في تدوينة له على صفحته في “فيس بوك”: “انهزمنا انتخابياً، ويلزمنا الاعتراف بذلك، واستخلاص ما يلزم من نتائج، والأهم اتخاذ الخطوات العملية الضرورية. الهزيمة مؤلمة، ولكنها ليست نهاية المسار”.
إلى جانب الموقف المائع من التطبيع، يدفع حزب ثمن خيارات تحالف أحزاب الإسلام السياسي مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية ما يسمى مرحلة “الربيع العربي” على مستوى العلاقات الخارجية ،إذ اعتبرت أمريكا الانتخابات المغربية خلال محطاتها الثلاث منذ سنة 2011،مندرجة ضمن مسار سياسي سليم. كما تعامل الموقف الفرنسي في اتجاهه العام منذ عام 2011 الذي شهد تحولات بالمغرب مع صعود الإسلاميين، على أساس أنَّ المجتمعات العربية لها توجهات نحو اختيار الإسلاميين في الانتخابات، لكنَّ في الحالة المغربية اعتبرتهم فرنسا “إسلاميي الملك”، وأنَّ الحالة المغربية انتقال سياسي مؤطَّر ومنضبط من حيث الإيقاع.
وكان حينها رئيس الدبلوماسية الفرنسية عام 2011 آلان جوبي قد صرَّح بأنَّ إسلاميي حزب العدالة والتنمية لديهم مواقف حداثية ومعصرنة،وهو ما دفع مجلة (le point) الفرنسية إلى أنْ تصف تلك التجربة عام 2011 بعنوان كبير” إسلاميُّو الملك”. ومنذ ذلك الحين وضعت فرنسا إطارًا عامًّا للتعامل مع حزب العدالة والتنمية لا يزال مستمرًّا. ويبدو أن إدارة حزب العدالة والتنمية للمدن سوف تمثِّل في نفس الوقت مساحة لإدارة العلاقة مع فرنسا الشريك الاقتصادي والسياسي التاريخي للمغرب.
إنَّ فشل الإسلاميين في الانتخابات المغربية يُعَدُّ هزيمةً مدوِّيَةً لكل حركات الإسلام السياسي في العالم العربي، ويؤكد مرَّة أخرى، بعد الزلزال المصري في 30يونيو2013، حيث أطاح الجيش بالرئيس محمد مرسي، من حركة الإخوان المسلمين، وبعد قيام الرئيس التونسي قيس سعيد بتعليق البرلمان الذي كان يسيطر عليه حزب حركة النهضة الإسلامي ، في ما وصفه كثيرون بأنَّه انقلاب في تونس في 25يوليو2021، على تقلص المساحة المتوفرة لحركات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعد أن ظل فيها الإسلاميون بالسلطة منذ “الربيع العربي”.
لكنَّ خروج الإسلاميين المغاربة من الحكومة، لن يؤدي بالضرورة إلى تغير في سياسات النظام الملكي المغربي، حيث يتحكم الملك محمد السادس بالقرارات الأساسية في البلاد .ورغم أنَّ المغاربة يتحدثون في خطابهم السياسي والإعلامي عن وجود “ملكية دستورية” ، فإنَّ البرلمان لا يشكل أساس السلطة في المغرب، كي يتجاوز الملك،الذي يملك كل السلطات في يديه،ويمارس سياسة قوامها: السيطرة على الأحزاب السياسية، وإضعاف سلطة الحكومة والبرلمان ،ووضع نفسه كقوة سياسية وحيدة وفعالة في البلاد.
الطبقة الغنية والوسطى والفقراء في المدن لم يصوتوا للإسلاميين
في المحطات الانتخابية السابقة ،يعرف حزب العدالة والتنمية تركيبة الطبقات التي صوَّتت لصالحه من الطبقة الغنية والمتوسطة والفقيرة، ولذلك فإنَّ ردَّه تركز في المجال الاقتصادي بسبب وجود شعور عام مشترك لدى هذه الطبقات بأهمية التوازنات الاقتصادية للدولة، وهي الزاوية التي شكَّلت نقطة ارتكاز أساسية في خطاب العدالة والتنمية السياسي، وفي برنامجه الحكومي للسنوات الماضية.
ويتضمن التصويت في المدن غالبًا بُعْدًا ورسالة سياسية على خلاف التصويت في القرى، وتعتبر الدلالة السياسية الأهم لخارطة توزيع الأصوات هي الميول الانتخابية التي أظهرتها الطبقة الوسطى والغنية التي صوَّتت في السابق لمصلحة العدالة والتنمية في المدن. وإذا كان هذا التصويت لا يكتسي طابعًا ثقافيًّا؛ حيث إنَّ هذه الطبقات لم تصوِّت بالضرورة على النموذج الثقافي والفكري لحزب العدالة والتنمية، فإنَّه ينبغي الأخذ بعين الاعتبار كذلك أنَّه تصويت لطبقات مثقفة أو تعتبر الأكثر تثقيفًا وتسييسًا بالمغرب، ولا يخلو من كونه تصويتًا على طريقة حزب العدالة والتنمية ونموذجه التدبيري وإدارته للتنمية والمدن. ولدى الطبقة الغنية والمتوسطة خياراتها الثقافية والفكرية الخاصة بها، والتي لا تستطيع السلطة ولا حزب مثل العدالة والتنمية التأثير فيها ولم تتمكن كذلك أحزاب اليسار في الماضي من التأثير فيها. وهو نموذج اجتماعي يمزج بين الحس الديني والانفتاح في آن واحد.وفي الانتخابات التشريعية الأخيرة لم تصوت الطبقة الغنية و المتوسطة لمصلحة حزب العدالة و التنمية.
أما المغاربة الفقراء الذين ينتمون إلى الفئات الشعبية هشاشة، وسكان مناطق الظل المنسية، فلم يطرأ أي تغيير ملموس على حياتهم ، وفقدوا ثقتهم في تحسين ظروف معيشتهم، في ظل المنظومة نفسها التي تحكم المغرب منذ سنة 2011.فقد عان المغاربة الفقراء كثيرَا من الإسقاطات المدمرة للأزمة الاجتماعية والاقتصادية المستمرة من دون حلولٍ تجني ثمارها الفئات المتضرّرة منها، الأمر الذي قاد إلى نوعٍ من الإحباط والاستياء الشعبي العام، وفقدان الثقة في مؤسسات الدولة العاجزة عن الاستجابة لمطالب الناس المشروعة، المتمثلة في حقوقهم الرئيسية في التعليم والصحة والعمل والسكن.
وزاد من مفاقمة هذا الوضع الفساد في دواليب الدولة، حتى كاد يتحول إلى عقيدة مقدسة يصعب النيل منها، وهو ما كشفت عنه أزمة وباء كورونا وتداعياته القاسية على الاقتصاد، ما رفع من نسب الفقر داخل المجتمع، وبالتالي من منسوب خيبة الأمل لدى فئاتٍ عريضةٍ من المغاربة، فقدت ثقتها في المسار الانتخابي الذي يعيد إنتاج المؤسسات نفسها التي لا تحكم، فيما النظام الحاكم الذي يختزله “المخزن” والمتمركز حول القصر وشخص الملك، لا يُنتخب ولا يَخضع ممثلوه لأي محاسبة كيفما كان نوعها.
خاتمــــــــــــــــة: أكذوبة الملكية الدستورية في المغرب
عندما خلف والد الراحل الحسن الثاني في يوليو عام 1999، كان الملك محمد السادس هو الملك 23 من السلالة العلوية التي تحكم المغرب، وهي أقدم سلالة في التاريخ المعاصر. ومع أن الملكية في المغرب تتحول تدريجياً إلى نظام “ملكي دستوري”، فإنَّ هناك قوى سياسية مغربية عديدة، تضم في صفوفها: حركة الشباب، والتيارات العلمانية، وحركة العدل والإحسان التي كان يقودها الراحل الشيخ عبد السلام ياسين، تدعو إلى إقامة ملكية برلمانية على الطريقة البريطانية، إذ تقول حركة 20 فبراير2011تاريخ بدء الحركة الاحتجاجية الشعبية التي عمت المدن المغربية الرئيسية ـ :” إننا نريد ملكاً يسود، لكنه لا يحكم”.
في ظل نظام ملكي يسود فيه الحكم الفردي المطلق، لا تعني خلافة أمير “جيد” لملك “قاس بلا جدوى” حسب تعبير الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، أنَّ الملكية المغربية أصبحت سلطة وصاية مستحبة من قبل رعاياها.إلى أين انتقل- لكي لا نتكلم عن الجمهوريين المغاربة – دعاة تطور الملكية المغربية “على الطريقة الإسبانية”، عبر تحويل سلطة مطلقةـ يقودها “أمير المؤمنين” إلى ملكية دستورية ، إن لم تكن برلمانيةً ؟
لقداستعادت السلطة الملكية السلطات القليلة التي ظلت بين أيدي الحكومة بعد الإصلاحات الدستورية لسنة 2011.و السؤال الذي يطرحه المثقفون الفرنسيون الذين يعرفون بدقة واقع المملكة المغربية أمثال جيل بيرو، وجان بيار توكواو الخ : هل تهم السلطة هذه الملك محمد السادس الذي لا يمتلك مشروعًا و رؤية لبناء دولة حديثة؟ فمحمد السادس لا يعطي انطباعاً بأنَّه يستوعب الصعاب التي يعيشها مواطنوه ولا حتى أنَّه يملك رؤية واضحة لما يمكن فعله للشروع لكي يحل المعضلات المستعصية التي يعاني منها المغرب ..
لقد كتب إينياس دال كتابه: الملوك الثلاثة-المملكة المغربية من الاستقلال إلى يومنا هذا – الصادر في باريس عن طريق دار النشر فيارد في سنة 2004 – بشكل بسيط و من دون زخارف ، وخصص صفحات كثيرة للحديث عن الإسلاميين والطبقة السياسية المسيطرة. ويُعَدُّ الكتاب ذا أهمية تاريخية ،نظرًا لأنَّه شـــامل ، وموثق ،وبصورة إجمالية لا يكيل المديح للسلالة العلوية الحاكمة. هل يجب أن نرى العلاقة بين السـبب والنتيجة .والكتاب غير موجود الآن في المغرب(حيث إنَّ الكاتب تعرض للسب و الشتم من قبل قسم من الصحافة).
وتبدو الصفحات المخصصة للملك محمد السادس نقدية مادامت صورة الملك تبتعد عن الصورة الوردية المعروفة عنه. لقد تم تصويرالملك كرجل متزن و هادىء ،وديموقراطي في الصميم . بيد أن الكاتب إينياس دال الذي قضى وقتًا طويلا ً في المغرب ، وبعد تمحيص في أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية ،قدم لنا صورة مناقضة تمامًا للملك الغريب الأطوار والغامض،والبخيل، خاصة حرصه الشديد على ضمان نمط حياته الملكية في حال نفيه.
ويسخر الكاتب إينياس دال من المصاريف الباهظة للملك محمد السادس بقوله ” فملك الفقراء ليس ملكًا فقيرًا” حسب وصف وزير الخارجية الفرنسي السابق ميشال جوبير ،الذي ينتقد محافظته على جهاز أمني حاضر و قوي . وكان البروفسور ريمي لوفو، المطلع جيداً على أوضاع المغرب والمشتبه قليلاً في كونه خصمًا عنيدًا، قد طرح أساسًاالسؤال في أواخر العام 2000: “أنا أطرح الأشياء بكل سذاجة: هل محمد السادس سيستمر في عمله كرجل أعمال؟
ففي نظام هو في طريق التحول الديموقراطي لا يمكن للملك أنْ يكونَ مستثمرًا. ولا يمكنه أنْ ينافس المستثمرين. وفي هذه الحالة يجب أن يعزز موقعه كحكم”.فمحمد السادس، وهو المقاول الأول والمستثمر الزراعي الأول، وصاحب الثروة الكبرى في البلاد، والذي يمسك بكل السلطات الدستورية، هو في الوقت نفسه الخصم والحكم . ومنذ خمس سنوات لم تكن الهيمنة الملكية على عالم الأعمال بهذه القوة. فهل “ملك الفقراء” قد أصبح ملك الأغنياء؟ إن الملك يدافع عن نفسه في ذلك.
ليس من شك في أنَّ انتظارات الشعب المغربي كبيرة ، وهي ناتجة من السياسات التي كانت متبعة خلال عقود متتالية. ويتطلب أي إصلاح ديمقراطي…أو أي تغيير حقيقي في المغرب، إحداث انقلاب فعلي في العلاقات بين سلطة المخزن و المجتمع المدني ، بما يسمح بالانطلاق من تطوير أجهزة الدولة، و تحسين عمل المؤسسات، أي وضع القوانين الأساسية لتطور ديمقراطي سليم، يسير في اتجاه ترسيخ دولة الحق و القانون، وتقوية دور الأجهزة الحزبية ، والنقابات ، وجمعيات المجتمع المدني . ولو تحقق مثل هذا الانقلاب في العلاقة بين سلطة المخزن و المجتمع المدني ، فإن تحولا ً راديكاليا ً سيطرأ على طبيعة الديمقراطية عينها: فمن ديمقراطية تمثيل ستتحول أيضا ً إلى ديمقراطية مشاركة… و الديمقراطية إما أن تكون تشاركية و إما لاتكون ديمقراطية أصلا ً.
المتابعون للشؤون المغربية، يرون أن النظام الملكي المغربي عاد إلى أساليبه القديمة ، لا سيما في مجال القمع للحريات ،و الإلتفاف على كل مزاعم الإصلاح التي فرضتها عليه الظروف والسياقات الدولية والإقليمية، ما أدّى إلى تعثر كل عمليات الإصلاح السياسي والاجتماعي التي ما زالت تدور في الحلقة المفرغة نفسها منذ تولى الملك محمد السادس العرش عام 1999. وتفاقم هذا الوضع طوال العقد الماضي مع ارتفاع منسوب القمع العنيف الذي واجه به النظام المغربي مطالب السكان، بما فيها تلك البسيطة المتعلقة بتوفير الخدمات الاجتماعية الأولية، وانتهى المطاف بأصحابها في غياهب السجون بأحكام ثقيلة، تصل إلى 20 سنة، كما حدث مع قادة “حراك الريف” القابعين وراء القضبان.
وطاولت حالات القمع أصواتا حرّة منتقدة متمثلة في صحافيين مستقلين ونشطاء مدنيين حقوقيين، تعرّض كثيرون منهم، طوال السنوات الأخيرة، للتضييق والمحاكمات والسجن، بهدف إخراس أصواتهم. وثمّة اليوم ثلاثة من ألمع الصحافيين المغاربة يقضون عقوبات سجنية بأحكام ثقيلة، وصلت إلى 15 سنة سجنا نافذا، يؤدّون ثمن جرأتهم على انتقاد حالة الهيمنة التي باتت تفرضها الأجهزة الأمنية على كل منافذ الفعل السياسي والإعلامي في المغرب، وهو ما أدّى إلى إشاعة جو من الخوف العام داخل المجتمع، هو الذي تجري في ظله هذه الاستحقاقات من دون رهانات سياسية حقيقية، على حدِّ قول مثقف مغربي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى