سقوط كابول في يد طالبان.. تحويل أفغانستان إلى بؤرة صراع جديدة

منذ أيار/ مايو 2021، بدأت حركة “طالبان” بتوسيع رقعة نفوذها في أفغانستان، تزامنًا مع بدء المرحلة الأخيرة من انسحاب القوات الأمريكية، المقرر اكتماله بحلول 31 آب/ أغسطس 2021 .وسيطرت الحركة، خلال أقل من 10 أيام ،على أفغانستان كلها تقريبا، رغم مليارات الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، خلال نحو 20 عاما، لبناء قوات الجيش والأمن الأفغانية.
مع سقوط العاصمة الأفغانية، كابول، يوم 15 آب/ أغسطس 2021، تعود حركة طالبان إلى حكم البلاد بعد عشرين عامًا من إطاحة الولايات المتحدة الأمريكية لها في تشرين الثاني/ نوفمبر 2001 بسبب استضافتها تنظيم القاعدة الذي تبنى هجمات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن، ورفض الحركة إغلاق معسكراته وتسليم قادته.
ومع تولي بايدن الرئاسة مطلع عام 2021، أشار إلى التزامه باتفاق إدارة سلفه مع “طالبان”. وفي نيسان/ أبريل 2021، أعلن أن القوات الأمريكية البالغ عددها حينها 3500 جندي، وقوات “الناتو”، والتي كانت تعدّ 7000 جندي، ستبدأ بالانسحاب من أفغانستان مطلع شهر أيار/ مايو 2021، بدل أن ينتهي الانسحاب في ذلك التاريخ، بحسب الاتفاق الأصلي، على أن تتم انسحابها قبل 11 أيلول/ سبتمبر 2021. وفي 8 تموز/ يوليو قرّب بايدن موعد انسحاب القوات الأمريكية إلى نهاية آب/ أغسطس 2021.
فداحة الفساد وفشل أمريكا في بناء جيش أفغاني مقاتل
إنَّ سرعة وعنف طالبان في اكتساح أقاليم أفغانستان ال34،والسيطرة على مدن أفغانستان مدينة تلو أخرى الأسبوع الماضي أثبت فشل الحكومة الأمريكية في بناء جيش أفغاني عصري ومقاتل .وتقدر جامعة “براون” الأميركية في دراسة حديثة خسائر الولايات المتحدة المالية في الحرب الأفغانية خلال عقدين، منذ تدخلها العسكري في عام 2001 وحتى بداية انسحابها في إبريل/ نيسان العام الجاري بنحو 2.261 تريليون دولار.
إذ بعد خسائر بشرية ومالية ضخمة تكبدتها القوات الأمريكية في الحرب الأفغانية وتحمل كلف تدريب وتسليح الجيش الأفغاني، تسقط المدن والأقاليم الأفغانية مثل “بيت من الورق” وسط ريح عاصف ويهرب الجيش الأفغاني من أرض المعركة مخلفاً وراءه المعدات الحديثة وطائرات الدرون لقوات طالبان،رغم أنَّ وزارة الدفاع الأمريكية أنفقت نحو 88 مليار دولار على تدريب وتسليح الجيش الأفغاني خلال عقدين من الحرب.وكان مستشارو الرئيس بايدن عبّروا عن ثقتهم بأن “طالبان” لن تتمكّن من السيطرة على أيٍّ من عواصم أقاليم أفغانستان الـ 34 قبل خريف 2021 على أقل تقدير. وحتى 13 آب/ أغسطس 2021، أي قبل يوم من محاصرة “طالبان” كابول ودخولها، كان الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية، جون كيربي، يؤكد أن العاصمة غير مهدّدة.
لقد أدّى الفساد المنتشر في أوساط القوات الحكومية الأفغانية (الجيش وقوات الأمن ) دورًا أيضًا في تعبيد الطريق لوصول حركة طالبان إلى السيطرة على كامل أفغانستان.. نظريًا، كان ميزان القوى يميل بقوةٍ إلى صالح الجيش الأفغاني الذي يفوق عدد أفراده أعداد مقاتلي “طالبان” بحوالي أربعة أضعاف، كما أنه يمتلك أسلحة أكثر تقدمًا، ولديه قوة جوية، وإن كانت محدودة، فضلًا عن التدريب والتمويل والموارد التي أتاحتها له واشنطن.
وهذا ما كان يعوّل عليه الرئيس بايدن، وأشار إليه في خطابه في تموز/ يوليو 2021 لمّا برّر قراره الانسحاب من أفغانستان، من أن الولايات المتحدة وحلفاءها درّبوا وسلحوا مئات الآلاف من الأفغان، منهم أكثر من 300 ألف جندي ورجل أمن في مواجهة 75 ألف مقاتل من “طالبان”. والواقع أن عددًا كبيرًا من هؤلاء الجنود لم يكن موجودًا إلا على الورق؛ ما أدّى إلى انتشار ما تسمّى ظاهرة “الجنود الأشباح” أو “الفضائيين”، إذ يميل بعض المسؤولين الفاسدين إلى المبالغة في أرقام المنتسبين إلى قطعاتهم العسكرية للسطو على رواتبهم ومخصصاتهم.
لقد ظلت معنويات الجيش الأفغاني، وقوات الأمن الأفغانية منخفضة بسبب الفساد وسوء الإدارة في أوساط الحكومة الأفغانية وقياداتها العسكرية، فالآلاف من أفراد الشرطة الأفغانية مثلًا لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهور، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عناصر الجيش. وينسحب الأمر ذاته على نقص الطعام والمخصّصات الأخرى. وساهم نشر قوات الجيش والشرطة في مناطق بعيدة عن المناطق التي ينحدرون منها في إشاعة شعورٍ بعدم الارتياح وضعف الانتماء لديهم.
ويقول خبراء، إنّ حركة طالبان ربما لم تكسب الحرب ضد أمريكا مع سقوط حكومة كابول، ولكنها تكون قد كسبت كذلك العتاد والأسلحة الحديثة التي تركها الجيش الأفغاني لغمة سائغة لقواتها من دون مقاومة تذكر، وهو ما يعني أن طالبان باتت جيدة التسليح هذه المرة مقارنة مع ما كانت عليه قبل الحرب الأفغانية، وبالتالي ربما تكون أكثر فعالية في فرض شروطها على دول المنطقة في آسيا الوسطى.في هذا الشأن، ترى الباحثة في معهد “بروكغنز للدراسات” في واشنطن، مديحة أفضال، أن إدارة بايدن ستدفع ثمناً باهظاً من حيث مصداقيتها الدولية بعد هذا الانسحاب وما تلاه من انهيار للجيش الأفغاني”.
من هي حركة طالبان؟
تعود جذور حركة طالبان إلى أوائل الثمانينيات من القرن العشرين،عندما تم تطويع معظم المجندين المتشددين الذين دربهم الامام سلطان أمير وهو ضابط مخابرات باكستاني تلقن فنون حمل السلاح والتنظيم والتسلل على يد القبعات الخضر في فورت براغ ، في كارولينا الشمالية بأمريكا على مقاومة الغزو السوفياتي لأفغانستان . وكان الطلاب المعجبون به يلقبونه بالزعيم الروحي ، ويعاملونه بما يشبه الإجلال الديني ، وأصبح بعض المقاتلين الذين دربهم الإمام نواة حركة طالبان . وهي حركة ناشئة استفادت من ملايين الدولارات التي أرسلتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى الحركات الإسلامية المقاومة للسوفيات، بهدف التسلح و التدريب ،ومن المال الذي أرسلته المملكة العربية السعودية لبناء المدارس القرآنية الجديدة في مناطق اللاجئيين ، حيث وصل عدد الطلاب الدينيين المحاربين الى عدة آلاف سنة 1992 ، عندما سقط نظام كابول المدعوم من موسكو . فعاد الشباب إلى ديارهم ومدارسهم ، غير أنَّهم احتفظوا بحس الوحدة في حال طلبوا مرة ثانية للمحاربة .
وتكونت كوادر الطالبان في المدارس القرآنية في الولايات الجنوبية الشرقية من الباشتون ، حيث كانت هذه المدارس القرآنية العليا تستقطب الطلاب بمعزل عن انتمائهم القبلي ،ومن خارج العائلات الكبيرة الارستقراطية .وقد لعبت دوراً اساسياً في عملية التأطير للشباب، الذي سمح بتوحيد القبائل في زمن الأزمة .
وتنتمي حركة طالبان إلى إثنية الباشتون حصرًا ، التي تشكل الأكثرية في أفغانستان 50 % من عدد السكان ،والتي لها امتدادات عرقية في باكستان ، وكانت مسيطرة تاريخيًا على الحياة السياسية الأفغانية ، باستثناء فترة قصيرة في العام 1928 ، حين استولى الطاجيكي غلام بجاسقاء ( أي ابن ساقي الماء الذي يسمى حبيب الله خادم دين رسول الله ) على كابول ،وتسلم السلطة ، غير ان حكم الطاجيكي هذا لم يدم طويلاً: 8 أشهر و 23 يوماً ، إذ انتفضت الأكثرية الباشتونية ضده ، سلمت السلطة للملك نادرخان ، الذي دخل أفغانستان مع القبائل الباشتونية من الهند ، وقد شنق بجاسقاء .أما باقي التوزيع العرقي لأفغانستان، فهناك 27% من الطاجيك، و9% من الهزارة الشيعة ، و9% من الأوزبك، و3% من التركمان،و 2% من البلوش،و 8% آخرونالديانة: 99% مسلمون, 1% ديانات أخرى.
وإذا كان الزعيم ” الباشتوني ” قلب الدين حكمتيار الذي كان يترأس الحزب الإسلامي أقر بـ “الامتياز ” الموروث للأكثرية الباشتونية ، فإنَّ هزيمته في معركة كابول ، جعلت حركة طالبان هي الوريثة الشرعية لهذا الامتياز ، وتتسلط على”الإرث الباشتوني ” .
وتُعَدُّ حركة طالبان الناشئة مزيجًا من التقليد والتجديد ، فهي على صعيد التقليد تمثل الإسلام التقليدي بعد طغيان الإسلام السياسي الحركي المتجذر بنفس” الاخوان المسلمين ” بوصفهم التيار السائد للتجربة الاصولية التي لم تحكم في مصر، والمطعم بتطلعات عالمية أطلقتها الثورة الاسلامية في ايران ،والذي أطلق ” نموذجًا عالميًا جديدًا ” لكنَّه في الوقت عينه ارتبط بـ “حروب المجاهدين .
تتبع حركة طالبان خطًا متشدِّدًا في تطبيق المذهب السنِّي الحنفي ،ما جعل الدولة الإيرانية تعتبره “رجعيًا ” ،والدولة الملكية الدينية في السعودية تعتبره أكثر تشدُّدًا ومجافاة للتطور من أكثر التيارات السلفية في السعودية داخل المؤسسات الدينية .ولا تمتلك حركة طالبان برنامجًا سياسيًا محدَّدًا ، بل تكتفي بالدعوة إلى تطبيق النظام الإسلامي من دون اجتهاد ، وتعتمد على التنظيم القبلي ، والتضامنيات العشائرية .
وادعى مقاتلو “طالبان” أنَّهم ببساطة “طلاب دين”, يتبعون تعاليم الإسلام. و لكنَّ ادعائهم الرئيسي ما كان ليصمد أمام التمحيص.فالمدارس الدينية التي انبثقوا منها في باكستان , كانت جزءًا من اتجاه يسمى “ديوباندي”, نسبة إلى الكلية اللاهوتية المعادية للحداثة التي فتحت في الهند في القرن التاسع عشر في مواجهة الكلية الليبرالية ذات التفكير الاصلاحي في أليغار. وعندما أقيمت باكستان كدولة مسلمة ,رفض أنصار “الديوباندي” الاعتراف بها في البداية.ولكنَّهم في خطوة تكتيكية معهودة منهم, سرعان ما عدلوا موقفهم, وعملوا في مابعد من خلال “جماعة علماء الاسلام”(حزب سياسي محافظ تحالف مع حزب “الشعب” حين كان في الحكم) لتحقيق أوسع نفوذ ممكن. و مثلهم مثل الكثير من الأصوليين المسيحيين في الولايات المتحدة، و اليهود الارثوذكس المتطرفين(الحراديم) في “إسرائيل” .
أدرك أنصار الاتجاه “الديوباندي” أهمية السيطرة على السلوك الاجتماعي و التربية, وإقامة تحالفات تكتيكية مع الجيش الباكستاني . وكان هذا يعني اقامة علاقات مع مديرية الاستخبارات في باكستان, وهي الجهاز الأمني الرئيسي المسؤول عن إيصال السلاح إلى أفغانستان خلال الثمانينيات , وأيضا مع وزير الداخلية الجنرال نصير الله بابر الذي كان ينتمي إلى جماعة الباشتون الآثنية, على غرار”طالبان”.أما على صعيد التجديد ، و هنا تكمن المفارقة ، فهي تستخدم التطلعات و المطامع الشعبية لتعزيز سلطتها التي ترتكز أساسا على حكم الملالي .
السياسة الأمريكية تعيد إنتاج نفسها في أفغانستان
يطرح المحللون والخبراء العرب و الغربيون أسئلة عديدة،حول أسباب التخلي الأمريكي عن أفغانستان، وتسليمها كلقمة سائغة إلى حركة طالبان الأصولية المتشددة: لماذا قرّرت واشنطن الخروج بهذه الطريقة المتعجلة، فضلاً عن كونها مهينة؟ وعلى ماذا تراهن واشنطن، وهي بصدد تسليم أفغانستان كاملة لحركة طالبان بهذه السهولة؟ وعلى الرغم من مرور عام ونصف العام منذ إبرام اتفاق السلام الذي استغرقت مفاوضاته جولات ممتدة، ولم يكن ليتم لولا رعاية قطر التي بذلت جهداً كبيراً سياسياً ولوجستياً في التوصل إليه، فلماذا لم تتحرّك واشنطن لاتخاذ ترتيباتٍ عمليةٍ فعالةٍ، تحسّباً لمرحلة ما بعد الخروج؟
إنَّ الإجابات على هذه الأسئلة تقتضي العودة إلى التاريخ، لا سيما بعد انسحاب الجيش الأحمر السوفياتي من أفغانستان، واستلام ما يسمى بأحزاب المجاهدين السلطة في كابول عام 1992 ، فالتطورات الأفغانية الحالية تكاد تطابق ما جرى خلال النصف الأول من التسعينيات، حين كانت واشنطن تريد التخلّص من عبء المليشيات الإسلامية التي أنشأتها وموّلتها وسلّحتها لمقاتلة الاحتلال السوفييتي.
بعد هزيمة السوفييت في أفغانستان 1989، احتفلت واشنطن مع حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط بنشوة الانتصار على غريمها وخصمها الاستراتيجي، فاندلعت في أعقابها الحرب الأهلية بين الأفغانيين عقب سقوط نظام الرئيس نجيب الله في ابريل /نيسان 1992 ، وانتصار أحزاب ” المجاهدين” ، فعمت حالة من الفوضى والانفلات في السيطرة داخل أفغانستان ، واستشرى الفساد والمحسوبية ، وتسلط القادة التي تجاوزت كافة الحدود والقيود ،ولم تعد الحرب الأهلية في أفغانستان تكتسي طابعاً إيديولوجيا بين الاسلام والشيوعية ، فهذه الحرب ( 1978 – 1989 ) بأسبابها وتناقضاتها وتطوراتها التي تشابكت وتقاطعت فيها المصالح الأفغانية والمذهبية السياسية على قاعدة إقليمية ودولية ، بدلت أموراً كثيرة، وقلبت الفسيفساء الاجتماعي رأسا على عقب . فلم تعد قيادة البلاد حكرًا على إثنية الباشتون التي تشكل الأكثرية في البلاد ، أو على النخب الناطقة بالفارسية وحدها ، بل استعادت كل التشكيلات الإثنية فضاءاتها العسكرية والجغرافية والاقتصادية و السياسية مستندة على شبكة من المراجع والمصالح والمساندات الإقليمية التي تقدم القاعدة الاثنية وعاء شرعيا لوجودها .
وبات الصراع بين التيارات المسلحة ذات الطابع الجهادي أعنف من الحرب التي أطاحت السوفييت، وتمكّنت جماعة طالبان من حسم الصراع لصالحها، وسقطت بيدها أفغانستان بحيازتها العاصمة كابول عام 1996، وتحولت مركزاً لتنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن.
و تعود الازمة الافغانية في جزء منها إلى طبيعة الدولة الافغانية التي اكتسبت نخبتين تحديثيتين متنافستين, بحلول الستينات-نخبة تعتنق ماركسية جامدة هي حزب “الشعب الديمقراطي الأفغاني”,ونخبة تعتنق أشكالاً من الإسلاموية بتأثير الأصوليين الباكستانيين والمصريين. وإذا كانت الدولة الأفغانية, كما قال روبن بحذاقة, أخذت تعتمد اعتمادًا متزايدًا على التمويل الخارجي متحولة إلى “دولة ريعية”, فإنَّ خصومها أصبحوا “ثوريين ريعيين”, بمعنى أنَّهم لم يكونوا برسم الإيجار, بقدر ما كانوا يطلبون الدعم, الفكري والمالي والعسكري, من خارج البلاد, و استخدام هذا الدعم لكسب تأييد السكان الأفغان أنفسهم, وفرض إرادتهم عليهم. وكان تاريخ أفغانستان في العقود الثلاثة منذ الستينيات حتى أزمة 2001, تاريخ نزاع بين هذين الاتجاهين من “الثوريين الريعيين”, وتاريخ صراع بين الأجنحة داخل كل معسكر. فالشيوعيون, مثلهم مثل الإسلاميين, انقسموا إلى جناحين: بشتوني وغير بشتوني (طاجيك, أوزبك, هزارة) من حيث الأساس. وأقحم حماتهم الخارجيون في الحروب الأفغانية ملحقين تدميرهم الخاص, بكلفة قليلة نسبيا عليهم, بمجتمع ليست له قدرة تذكر على مقاومة مثل هذه الرعاية البرانية أو الإفادة منها.وكان المجتمع الدولي محقًا في إدانة مافعله الروس في أفغانستان بعد عام 1979,ولكنَّ من دون أن يكرس اهتمامًا يذكر بآثار الطغمة العسكرية – الأصولية الغاشمة التي كانت تحكم باكستان المجاورة, واستمرت في رعاية أشد السياسات رجعية و إجرامًا في أفغانستان.
والحال هذه فإنَّ الانتصار الساحق الأخير لحركة طالبان ، جعل الأضواء تسلط من جديد على الحالة الأفغانية ،وعلى عملية حسم الصراع الداخلي وما أفرزه من ثمار عشائرية ،وتأسيس دولة مركزية على اللون الإثني من الباشتون السنة ، كدستور شرعي لكينونتها .ولم تر واشنطن أي خطر أو قلق من استيلاء “طالبان” على الحكم عام 1996. بل على العكس، تحوّلت “طالبان” إلى فزّاعة إقليمية، بل عالمية، وصار تحجيمها وتشويه النموذج الذي تقدّمه، ووقف تدفق المقاتلين منها إلى الخارج، الشغل الشاغل لدول مجاورة، مثل إيران والهند وطاجيكستان، ودول شرق أوسطية، خصوصاً بعض الدول العربية، فضلاً عن روسيا والصين. ولولا كارثة “11 سبتمبر” في العام 2001، لما تصدّت واشنطن لتنظيم القاعدة الذي أسسته بنفسها، ولما استهدفت حواضنه بما فيها “طالبان”، ولنأى الأميركيون بأنفسهم عن أفغانستان مقبرة الإمبراطوريات.
كان الصراع على الثروات البترولية في منطقة آسيا الوسطى، وفي القلب منها أفغانستان ،هو المدخل الذي تحركت من خلاله السياسة الخارجية الأمريكية في هذه المنطقة. ففي عام 1994 و قعت أذربيجان اتفاقيات حول استخراج البترول مع ثماني شركات أمريكية و بريطانية حول الجرف القاري داخل مياه بحر قزوين المقابلة لشواطئها, و هي الاتفاقيات التي شملت ثلاثة حقول كبيرة و قدرت قيمتها بنحو 4.7 مليار دولار. وقد عارضت روسيا هذه الاتفاقيات و قالت إنَّها تتعارض مع الوضع القانوني لبحر قزوين التي ترفض روسيا التعامل على أنه بحر, وتقول أنَّه بحيرة مغلقة و لا تخضع للقانون الدولي و اتفاقية الامم المتحدة لعام 1982 الخاصة بالبحار, و معنى هذا أنَّ الاتفاقيات التي وقعتها أذربيجان تعد غير قانونية و يجب الرجوع فيها لباقي الدول الخمس التي من حقها المطالبة بنصيبها فيها.و امتد الخلاف بين روسيا و أمريكا في المنطقة حول مسار خط الانابيب لنقل النفط من بحر قزوين إلى الاسواق العالمية,و قد استخدمت واشنطن في هذا المجال أداة المساعدات و القروض المالية. فاقترح السيناتور بوب لفينجستون رئيس لجنة الاعتمادات بمجلس الشيوخ الأمريكي عام 1998 ,توفير اعتمادات من موازنة الدولة لمد خط أنابيب النفط من باكو إلى ميناء جيهان التركي وهو المشروع المنافس لمشروع نقل النفط الاذربيجاني عبر أراضي روسيا… و يمكن القول إنَّ مصالح شركات البترول الأمريكية قد شكلت ضغطًا متزايدًاعلى الإدارة الأمريكية للقيام بدور قيادي أكثر فعالية في دول جنوبي القوقاز و آسيا الوسطى, ووضع المحللون الأمريكيون المهتمون بهذه المنطقة من زاوية المشروعات البترولية التوصيات التالية:
1-تحدي كل المحاولات الروسية لجعل منطقة بحر قزوين خاضعة لنفوذها ورغبتها في وجود نظام شرعي عام في بحر قزوين, والدفاع عن المطلب الاذربيجاني- الكازاخستاني بتقسيم بحر قزوين إلى مناطق اقتصادية.
2- الدفاع عن الممارسات الاقتصادية العادلة رغم نشاط الشركات الغربية في المنطقة.
3- الدفاع عن خيار الانابيب المتعدد.
و يمكن القول إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية كانت تريد من خلال خوض حربها في أفغانستان تحقيق مجموعة من الأهداف : أولها القضاء على المصادر الرئيسية للإرهاب الدولي ، وهو أحد أولويات الحرب الأمريكية ، خصوصا القضاء على تنظيم القاعدة و قتل أسامة بن لادن ، واستئصال ظاهرة ” الأفغان العرب” ، الذين كانوا يشكلون خطرًا على الوجود الأمريكي في الخليج ، و على المصالح الأمريكية في كل أصقاع المعمورة .
الخسائر الأمريكية في حرب أفغانستان
وبعد انهيار نظام طالبان في أفغانستان في خريف 2001،ظل زعيم حركة طالبان ، الملا محمد عمر يقود الحركة، ويدير شؤونها، بعد الإطاحة بحكمه واختفائه، إلى أن تم الإعلان عن وفاته بسبب المرض، والذي أكدته طالبان في 30 تموز/ يوليو 2015 من غير أن تحدد تاريخ وفاته، اختارت الحركة الملا أختر منصور خليفة لزعيمها الملا عمر، لكن سرعان ما اغتالته طائرة أمريكية بدون طيار عام 2016، وبعد مقتله أعلنت طالبان تعيين الملا هيبة الله أخوندزاده زعيما جديدا للحركة، الذي ما زال يقودها إلى يومنا هذا.
وبعد عشرين عاما من مقاومة حركة طالبان الشرسة للقوات الأمريكية، والقوات الأفغانية الموالية لها، باتت الحركة رقمًا صعبًا لا يمكن تجاوزه في المشهد الأفغاني بعد أن فشلت أمريكا في كسر شوكتها، ما أجبرها على عقد مفاوضات مع الحركة عبر وسطاء، ثم قررت الإدارة الأمريكية سحب قواتها من أفغانستان، والذي سيكتمل في 31 آب ،أغسطس2021،وفق ما أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدين .
ويتساءل الأمريكيون والأفغان عما إذا كانت هذه الحرب تستحق التضحية بأكثر من 3 آلاف قتيل من القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي، وعشرات الآلاف من الأفغان، ومليارات الدولارات ستتحمل عبأها الأجيال الأميركية.فبع عشرين عامًا من الحرب الأمريكية في افغانستان، ، قُتل 2448 جنديًا أميركيًا، و1144 من أفراد الخدمة من الناتو والدول الحليفة الأخرى، وأكثر من 47000 مدني أفغاني، وما لا يقل عن 66000 جندي وشرطي أفغاني
وبالنسبة لبايدن ولوليام بي ولبعض المسؤولين الأميركيين في حرب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أفغانستان، فإن الإجابة عن سؤال عما إذا كانت الحرب تستحق كل تلك التضحية، غالبًا ما تنحصر (الإجابة) في التحليل.
وفي السنوات الأولى من الحرب، قام الأميركيون بتفكيك تنظيم “القاعدة الذي  يتزعمه أسامة بن لادن في أفغانستان، وهزموا حكومة “طالبان” التي استضافت القاعدة، لقد حققوا نجاحاً حينها.
ويقول دوغلاس لوت، قيصر البيت الأبيض للحرب خلال إدارتي جورج دبليو بوش وباراك أوباما، والجنرال المتقاعد: إن الدليل على تحقيق نجاح يتمثل في أن القاعدة لم تعد قادرة على شن هجوم كبير على الغرب منذ عام 2005.
إن خوض حربين بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول في وقت واحد، من خلال جيش من المتطوعين، يعني أن أكثر من نصف 2.8 مليون جندي وامرأة أميركيين تم نشرهم في أفغانستان أو العراق خدموا مرتين أو أكثر، وفقًا لمشروع “تكاليف الحرب” في جامعة براون.
وساهمت عمليات الانتشار المتكررة للجنود في معدلات الإعاقة لدى المحاربين القدامى، إذ زادت معدلات الإعاقة على ضعف معدلات إعاقة المحاربين القدامى في فيتنام، كما تقول ليندا بيلمز، من كبار المحاضرين في السياسة العامة في جامعة هارفارد.
وترى بيلمز أن الولايات المتحدة ستنفق أكثر من 2000مليار دولار فقط لرعاية ودعم قدامى المحاربين في أفغانستان والعراق مع تقدمهم في السن، مع بلوغ التكاليف ذروتها من 30 إلى 40 عامًا من الآن، إضافة إلى تكبد 1000مليار دولار في تكاليف البنتاغون ووزارة الخارجية في أفغانستان منذ عام 2001، إذ إنَّ الولايات المتحدة اقترضت بدلاً من رفع الضرائب لدفع تكاليف حربي أفغانستان والعراق، ويُعتقد أنَّ تسديد الفوائد ستكلف الأجيال القادمة من الأميركيين تريليونات الدولارات، إضافة إلى الكثير من التكاليف الأخرى.
حجم الثروات الباطنية في أفغانستان ما بين1000 و3000 مليار دولار
وفقا لوزارة المناجم والبترول في أفغانستان فإنَّ قيمة الثروة المعدنية للبلاد تقدر بنحو 1000مليار دولار،لكن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية تختلف مع هذه التقديرات، وتقول إنَّ القيمة الحقيقية لها تصل إلى 3000 ملياردولار، حسبما نقل موقع:مولرتز”،وشبكة “سي إن بي سي”.
ومن بين أبرز عناصر هذه الثروة المعدنية التي تشتهر بها أفغانستان؛ النحاس، حيث تمتلك ثاني أكبر احتياطي في العالم منه، بقيمة تقدر بنحو 88 مليار دولار، إضافة إلى نحو 2.2 مليار طن من خام الحديد.كما تمتلك أفغانستان أيضا 1.4 مليون طن من العناصر الأرضية النادرة، و5 مناجم للذهب، و400 نوع من الرخام، واحتياطيات من البريليوم تقدر بقيمة 88 مليار دولار، وتجني 160 مليون دولار من بيع الأحجار الكريمة سنويا.
في عام 2010، أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية مذكرة داخلية تسمي أفغانستان “المملكة العربية السعودية لليثيوم”، بعد أن اكتشف الجيولوجيون الأمريكيون الحجم الهائل للثروة المعدنية للبلاد، والتي تقدر قيمتها بما لا يقل عن 1000دولار. تعد السعودية أحد أكبر منتجي النفط وتمتلك ثاني أكبر احتياطي منه في العالم.
هذا المعدن الفضي ضروري لإنتاج السيارات الكهربائية وبطاريات الطاقة المتجددة، ويعتقد أن أفغانستان تمتلك أكبر احتياطي منه في العالم. بعد عشر سنوات، وبفضل الصراع والفساد والخلل البيروقراطي، ظلت هذه الموارد غير مستغلة بالكامل تقريبا.
بينما تتطلع الولايات المتحدة إلى فصل سلاسل إمداد الطاقة النظيفة عن الصين، التي تعتبر أكبر منتج لليثيوم في العالم، فإنَّ وضع المعادن في أفغانستان تحت سيطرة طالبان يشكل ضربة قاسية للمصالح الاقتصادية الأمريكية.
أمريكا و تفجير الصراعات ضد الصين وروسيا و إيران
لقد استعادت آسيا الوسطى أهميتها الاستراتيجية و الاقتصادية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي ، وهي تمثل أسواقا هائلة لباكستان و روسيا ،والصين ،وتركيا، وإيران ،وأكثر من ذلك تمثل ثروات كبيرة من النفط و الغاز و المعادن الثمينة الأكثر أهمية في العالم .و تأسيسًا على المصالح الأمريكية النفطية في المنطقة ،ونفوذها في مواجهة الدورالصيني،والروسي،و حتى الإيراني،و نظرا لما تمثله أفغانستان من أهمية استراتيجية مركزية في هذا الصراع الإقليمي والدولي، نفهم أنَّ واشنطن لم يكن لها مشكل أن تقبل بحكم إسلامي في أفغانستان يقوم بأعمال تنتهك حقوق الإنسان ،ولكنها لا تقبل بحكم يهدد المصالح الأمريكية أو يعارض نزعة الهيمنة الأميركية .
إنَّ أفغانستان تمثل عقدة استراتيجية مهمة بالنسبة لوسط آسيا(لاحظ أنَّ أفغانستان على “تماس حدودي” مع ست دول الصين،إيران ,باكستان, تركمانستان, أوزباكستان, طاجيكستان)و من ثم , ليس من المصادفة أنَّ التماس”الجغرافي السياسي” يجعل هذا البلد(أفغانستان) على تخوم اثنين من الاهتمامات الأمريكية الاستراتيجية: الأول فتح طريق إلى آسيا الوسطى يكون بعيدًا عن السيطرة الروسية…و الثاني ,التحكم بالتوازنات الإقليمية- في آسيا- لجهة مراقبة نمو القوة في ثلاث دول, صنفتهاالدراسات المستقبلية الأمريكية ب”الدول الخصم”, وهي :الصين , وروسيا,وإيران.
ولما كانت أمريكا لا تقبل أن تستخدم أراضى أفغانستان منطلقًا لممارسة أعمال عدوانية ضدها ،فإنَّ عودة طالبان الى الحكم في أفغانستان، يؤشر على أنَّه مخططٌ أمريكيٌّ جديدٌ لإعادة الحرب الأهلية الى ذلك البلد المسلم الذي لا يزال يعيش في القرون الوسطى ،باسم تجارة الدين، وامتلاك الحقيقة المطلقة للدين ،ما يقود الى تفريخ الارهاب من جديد،وتكوين جيش جديد من المرتزقة تحت اسم جديد،لاعادة تفجير حروب أخرى في منطقة آسيا الوسطى :
لكنه من الصعب فهم ما يجري من استعداد لهذه الحرب التي كانت أفغانستان مسرحها الأولي ، من دون متابعة واقع المصالح الإقليمية و الدولية في آسيا الوسطى , و الشرق الاوسط. ففي هذه المصالح تتحدد هذه الحرب ، و ليس في القضاء على الإرهاب فقط .تشكل أفغانستان بؤرة قديمة-جديدة لتفريخ الارهاب الدولي ،من قبل الإمبريالية الأمريكية وتنظيمات تجار الدين الاسلامي ،واستخدامها في حروب أمريكا الاقتصادية ضد كل من الصين وروسيا وإيران.
لقد أيدَّتْ أمريكا حركة طالبان ، و سياساتها في أفغانستان أملتها سياستها النفطية . فالتقويم الأمريكي لحركة طالبان إنَّها حركة أصولية صارمة عنيفة في بعض الأحيان ، إنما مختلفة عن الحركات المماثلة في أفغانستان و المنطقة العربية ، و التي لديها برنامج سياسي طموح و أممي يشكل قوة ضغط لا تحتمله واشنطن . و كانت أمريكا تنظر بإيجابية إلى حركة طالبان لكونها لا تدعو إلى تصدير الإسلام السياسي و لا إلى ثورة إسلامية . كما أنَّ الأمريكيين قلقون من إيران و الصين، وروسيا من تنامي نفوذهم في آسيا الوسطى .لذا ساعد الأمريكيون باكستان على مد نفوذها في أفغانستان . و مهما يكن من أمر، فإنَّ السياسة الأميركية في أفغانستان تقوم على تطبيق وصفة ارامكو في الثلاثينات : أصولية إسلامية و قبائل و نفط .
أولاً: تفجير الحرب الأمريكية ضد الصين بالوكالة عن طريق حركة طالبان ، باعتبارها تمثل التيار الإسلامي الأصولي المتشدد في البلاد، الأمر الذي سيقود إلى زيادة عدم الاستقرار السياسي الذي سيكون له تأثير مباشر على الاقتصاد الباكستاني المتهالك والمعتمد على الدعم الصيني.فالصين وباكستان ستكونان من كبار الخاسرين من عدم الاستقرار وتفجر العنف في أفغانستان.
و منذ نهاية العمليات العسكرية الباكستانية المشتركة مع أميركا ضد “طالبان” في عام 2015، اتجهت باكستان إلى الصين في الحصول على الدعم المالي لاقتصادها المتدهور.إذ استثمرت الصين عشرات المليارات من الدولارات في مبادرة الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي يشمل مجموعة من مشاريع البنية التحتية من بينها مشاريع قيمتها 47 مليار دولار قيد الإنشاء في جميع أنحاء باكستان منذ عام 2013، من إجمالي مشاريع الممر الباكستاني الصيني البالغة 70 مليار دولار.ويهدف الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني إلى تطوير البنية التحتية المطلوبة لباكستان وإنشاء مناطق خاصة، ولكن الشكوك تتزايد حول نجاح هذا المشروع الاقتصادي الضخم مع الصعود السريع لحركة طالبان.
إن هجمات جماعة طالبان تزايدت خلال الأسابيع الأخيرة على العمال الصينيين الذين ينفذون هذه المشاريع في باكستان، مما أثار شكوكاً حول مستقبل تنفيذ هذه المشاريع، وربما يضع ذلك باكستان في أزمة اقتصادية، خاصة بعد تصريحات مسؤولين صينيين قالوا فيها: “إن عدم الاستقرار في أفغانستان وتمدده عبر الحدود يهدد استثماراتنا في باكستان”.
يذكر أن مشاريع الحزام والطريق الصينية استفادت من الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان، إذ وفر لها الاستقرار السياسي للعبور إلى العديد من الدول الأعضاء في مبادرة “الحزام والطريق”. وربما يكون هذا العامل، أحد الأسباب التي جعلت بكين تتفاهم مع واشنطن حول مستقبل أفغانستان.
وقالت طالبان “في مناسبات متعددة” إنها “تتطلع إلى مشاركة الصين في إعادة إعمار أفغانستان وتنميتها”.وكانت قد أضافت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية: “نحن مستعدون لمواصلة تطوير علاقات حسن الجوار والتعاون الودي مع أفغانستان ولعب دور بناء في السلام وإعادة الإعمار في أفغانستان”.وسيطرت الصين على سوق الأرض النادرة على مستوى العالم وهددت بقطع الإمدادات عن الولايات المتحدة خلال الحرب التجارية في عام 2019.
وتمتلك أفغانستان عناصر أرضية نادرة مثل اللانثانم والسيريوم والنيوديميوم وعروق الألمنيوم والذهب والفضة والزنك والزئبق والليثيوم.وتُستخدم العناصر الأرضية النادرة في كل شيء من الإلكترونيات إلى السيارات الكهربائية والأقمار الصناعية والطائرات.ومن أشهر المدن الأفغانية الغنية بالمعادن، مدينة حاجيجاك (الفحم)، ومدن هرات ونمروز وغازي (الليثيوم)، ومقاطعة هلمند الجنوبية (الليثيوم+اليورانيوم)، وننغرهار ولاغمان الشرقية (البريليوم).
ثانيًا:تفجير الحرب ضد روسيا التي و إن كانت سعيدة بهزيمة الولايات المتحدة وانهيار نظام الحكم في كابول، وبالتالي خروج القوات الأميركية من أفغانستان دون حصاد يذكر غير الخسائر، ولكن لايبدو أن موسكو ستكون رابحة من الهزيمة الأميركية، إذ لدى روسيا مصالح ضخمة من العلاقات التجارية والنفطية في آسيا الوسطى وتتخوف عليها من حركة طالبان التي تكنّ لها عداء تاريخياً منذ الغزو السوفييتي في القرن الماضي.
ولدى الشركات الروسية استثمارات تقدر بنحو 20 مليار دولار في دول جمهوريات آسيا الوسطى التي كانت تابعة للإمبراطورية السوفييتية، كما أن هنالك نحو 7500 شركة تعمل في هذه الدول، وتأمل روسيا في استغلال أسواق آسيا الوسطى لتوسيع حجم تجارتها وسط ضغوط الحظر الأمريكي المتواصل عليها.
 الخاسرون من عودة طالبان إلى الحكم في أفغانستان
إنَّ الخاسرالأكبر من هذه الحرب هو بلا شك باكستان ،لأنها تاريخيا تسعى لتأمين عمق استراتيجي في أفغانستان ، يمكنها من تعزيز مكانتها الاستراتيجية في المنطقة لتعويض اختلال التوازن القائم لمصلحة جارتها اللدود الهند ، لا سيما أنَّ أفغانستان وقفت إلى جانب الهند ضد استقلال باكستان عام 1947 . فعودة حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان، و قد يجد باشتون باكستان أنفسهم في وضع سيشعرون فيه أنَّ مستقبلهم الحقيقي هو في أفغانستان أكثر من مجامع السنديين و البنجابيين في باكستان . كذلك فإنَّ سيطرة حركة طالبان المتشددة في أفغانستان قد تقود باكستان إلى تفجير الأوضاع في داخلها بين السنة و الشيعة في باكستان نفسها ..و الصراع بين السنة و الشيعة لن يهدأ إذا استمرت طالبان في الحكم ، و شعرت إيران باتساع الطوق الجغراسي المضروب عليها ،إن لم نقل يعرضها إلى التفتيت العرقي و الاثني و الطائفي الديني .
والخاسر الأكبر الثاني من هذه الحرب هو إيران ايضا . و ينبع الخوف الإيراني من واقع أن يفسح حكم حركة طالبان في أفغانستان، في المجال لتقوية السيطرة الأمريكية على أهم عقدة للمواصلات في قلب آسيا ((أفغانستان )) ،ووصول تلك السيطرة بشكل مباشر إلى قلب منطقة النفوذ الروسي التقليدي فيها ،و كذلك محاصرة إيران بجبهتين تحت السيطرة الأمريكية ، من الجنوب ( الخليج حتى الشمال ، و أفغانستان حتى بحر قزوين ) .
وتعتبرروسيا الخاسر الأكبر الثالث من سيطرة حركة طالبان في أفغانستان و التي أكدت وتيرة الانحدار التاريخي للنفوذ الروسي في آسيا الوسطى .فروسيا لا تريد أن تكون القوات الأميركية و الأطلسية مرابطة على حدودها الجنوبية في باكستان و أفغانستان . إن آسيا الوسطى هي المنطقة الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية لروسيا . و كانت السيطرة الروسية عليها العامل الأساسي في إعطاء روسيا القدرة على السيطرة على نصف القارة الأوروبية ، و على مد نفوذها إلى أجزاء متعددة من الشرق الأوسط و شرق آسيا . من هنا ينبع الخوف الروسي من خسارة موسكو نفوذها في آسيا الوسطى لمصلحة الولايات المتحدة الأميريكية . و ما الحرب الأمريكية في أفغانستان إلا حلقة من حلقات الانسحاب الروسي من الفضاء الجنوبي للاتحاد السوفيتي .
أما الرابح الأكبر من سيطرة حركة طالبان على أفغانستان فهو الكيان الصهيوني الذي يمارس إرهاب الدولة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل ، و يستغل أجواء الحروب الأهلية ذات الطابع الطائفي و المذهبي التي تندلع هنا وهناك في منطقة آسيا والوسطى والشرق الأوسط، لشن حرب إبادة جماعية على المدنيين الفلسطينيين ، وعلى إعادة احتلال مناطق السلطة الفلسطينية ، و تقويض هذه السلطة نفسها و بالتالي فرض الشروط الأمريكية الصهيونية لتصفية قضية فلسطين . و في ذلك ذروة الإرهاب بما فيه من قوة عسكرية غاشمة و عدوانية قد تستطيع احتلال الأرض في منأى من العقاب .
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
التاريخ يعيد نفسه بالنسبة للولايات المتحدة. فبعد انسحابها من العراق، سيطر تنظيم “داعش” على مدينة الموصل منتصف عام 2014، واستولى على أسلحة وآليات “هامفي” أميركية. واستخدم التنظيم هذه المعدات بعد ذلك لإعلان الخلافة الإسلامية في العراق وسورية. وعلى غرار مقاتلي تنظيم “داعش” في الموصل، يقف مجنّدو “طالبان” لالتقاط صور مبتسمين وهم يحملون أسلحة أمريكية استولوا عليها في المدن التي سيطروا عليها في أنحاء أفغانستان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى