قرارات الرئيس التونسي تصب في خانة المعارضين لدكتاتورية الغنوشي داخل حركة النهضة

القت قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد، التي أعلنها في ذكرى عيد الجمهورية، بظلالها على تماسك الأحزاب والكتل النيابية الوازنة في المشهد السياسي على غرار حركة النهضة التي عرفت مؤخرا واقعا من الخلافات بين قياداتها حول بلورة موقف موحّد من القرارات.
وقد ظهرت بوادر تصدّع داخل حزب حركة النهضة الإسلامي بكل وضوح، إثر القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد بشأن تجميد المجلس النيابي وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وغيرهما، في خطوة يرى مراقبون أنها ستضعف وجود الحركة في الساحة السياسية مستقبلا.
وأفادت تسريبات إعلامية أن اجتماع حركة النهضة المنعقد بمقر الحزب مساء امس الاول الاثنين شهد خلافات حادة بين القيادات حول تقييم الموقف النهائي من قرارات الرئيس قيس سعيد.
وكان الرئيس التونسي قد أعلن عن إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي وتجميد عمل المجلس النيابي واختصاصاته لمدّة ثلاثين يوما ورفع الحصانة البرلمانية عن كلّ أعضاء مجلس نواب الشعب وتوليه السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة ترأسها شخصية يعيّنها رئيس الجمهورية.
واعتبرت حركة النهضة قرارات سعيّد انقلابا، مسنودة في ذلك من الحركات السياسية المقربة منها مثل حزب ائتلاف الكرامة شريكها في الحزام السياسي للحكومة.
ويرى مراقبون سياسيون أن الخلافات ليست بالحديثة، حيث سبق أن عرفت الحركة واقعا متصدّعا بسبب معارضة قيادات لسياسة الغنوشي في الحزب وتوجهاته التي تقطع مع التداول السلمي على القيادة وفسح المجال لقيادات جديدة.
وأفاد الناشط السياسي عبدالعزيز القطي أنه “من المؤكد أن تكون لقرارات الرئيس سعيد تداعيات على النهضة، لأنها الأكثر تضررا من الإجراءات وفي ظل برلمان غير قادر على إيجاد حلول للأزمة”.
وأضاف في تصريح صحفي أن “الخلافات في الحركة ليست بالجديدة، بل هي قديمة خصوصا بين رئيس الحزب راشد الغنوشي والقيادي عبداللطيف المكي، وهناك صراع قائم على تغيير النظام الداخلي في علاقة بالصقور أو القيادات التاريخية للحزب وعدم ترك المجال للنساء والقيادات الجديدة لتقلد مناصب كبرى في الحزب”.
وتابع “الغنوشي أصبح يمثل عائقا في الحركة، وربما ما حصل سيعجل بضعفها سياسيا لأنها لم تقدر على جلب قواعدها وأنصارها في الاحتجاج على قرارات الرئيس، وهي الآن في عزلة”.
وعبر القطي عن اعتقاده بأن “الحركة انتهت سياسيا، واليوم هناك مطالب برحيل الغنوشي أو التمرّد على قراراته، وربما سيفكر قياديوها في تأجيل الخلافات إلى ما بعد هدوء العاصفة”.
وسبق أن وجّه حوالي مئة عضو من حركة النهضة من بينهم أعضاء في المكتب التنفيذي الوطني ومجلس الشورى والكتلة البرلمانية فضلا عن بعض القيادات بالجهات والمحليات (على غرار عبداللطيف المكي ونورالدين العرباوي وفتحي العيادي وسمير ديلو وآخرين) رسالة مفتوحة إلى الغنوشي طالبوه فيها بالإعلان عن عدم الترشّح لرئاسة الحركة في المؤتمر القادم.
واعتبر الموقعون على العريضة أنّ هذا الإعلان يشدد على وجوب احترام مقتضيات الفصل واحد وثلاثين من النظام الداخلي، إضافة إلى تأكيد مبدأ التداول القيادي وتوفير شروط نجاح المؤتمر.
وتعتقد شخصيات سياسية أن قرارات الرئيس من شأنها أن تضعف حركة النهضة في المستقبل باعتبارها المتضرر الأول منها في علاقة برئاسة الغنوشي للحركة والبرلمان التونسي واستمرارها في السلطة منذ 2011.
وأفاد المحلل السياسي خليل الرقيق أن “ما يقع الآن في النهضة هو تجسيم للتصدّع بالأساس، وبعد عريضة القياديين المئة التي قدّمت ضد الغنوشي، فهمنا أن هناك خطّين داخل الحزب، أي هناك شقّ يمثّله عبداللطيف المكي وسمير ديلو في صراع مع شقّ عبدالكريم الهاروني ورفيق عبدالسلام”.
نوأضاف في تصريح صحفي أن “الشق المختلف مع الغنوشي يريد أن يتجه عكس عقارب الساعة ويحاول الظهور بسلوك سياسي مرن يتحاور مع الرئيس ويتموقع في المشهد، والأمور الآن انتهت بالشكل التقليدي القديم للحزب”.
وحسب رأي الرقيق “الصراع قائم حول الموقف النهائي من قرارات الرئيس، فالبعض يصعّد بالتصريحات والتهديد، وقيادات أخرى على غرار ديلو والمكي خطابهم مرن مع الرئيس سعيّد”.
وأكّد وجود “تمرّد داخل الحزب لإنقاذ هيكل النهضة من التداعي، كما ستتم التضحية بالغنوشي، وننتظر أن تكون هناك انشقاقات أو محاولات من النهضة لإقناع التونسيين بأنها تغيّرت، وشق الغنوشي الآن لا يمثل خطرا على التونسيين”.
وبخصوص العلاقات مع باقي الأحزاب أوضح الرقيق أنه “ستكون هناك تغييرات، وحزب ائتلاف الكرامة كان ظاهرة ملحقة بالنهضة وسيسقط بسقوطها، أما علاقة النهضة بحزب قلب تونس فستشهد مخاضا سياسيا عسيرا”.
ويبدو أن تأثير قرارات الرئيس سعيّد لن تقتصر على الشأن الداخلي للنهضة، بل يرى مراقبون أنها ستؤثر على تماسك الأحزاب السياسية على غرار مكونات الحزام السياسي للحكومة (حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة)، أو ما يعرف بالأحزاب المساندة للرئيس سعيّد (التيار الديمقراطي وحركة الشعب).
واعتبرت حركة الشعب في بلاغ لها، امس الاول الاثنين، أن رئيس الجمهورية لم يخرج بهذه القرارات عن الدستور، بل تصرف وفق ما تمليه عليه مسؤوليته في إطار القانون والدستور حفظا لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها وضمان السير العادي لدواليب الدولة.
كما عبّرت الحركة عن مساندتها للقرارات التي أصدرها الرئيس سعيّد واعتبرتها طريقا لتصحيح مسار الثورة الذي انتهكته القوى المضادة لها وعلى رأسها حركة النهضة والمنظومة الحاكمة برمّتها.
أما التيار الديمقراطي فقد عارض قرارات الرئيس، حيث أعلن اختلافه معه في تأويله للفصل الثمانين من دستور البلاد، رافضا ما ترتب عنه من قرارات وإجراءات خارج الدستور.
وقال في بيان له إنه “لا يرى حلا إلا في إطار الدستور”، داعيا رئيس الجمهورية وكل القوى الديمقراطية والمدنية والمنظمات الوطنية إلى توحيد الجهود للخروج بالبلاد من الأزمة باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان ومقاومة الفساد السياسي.
في المقابل اعتبرت النائبة عن الحزب سامية عبّو أن قرارات الرئيس التونسي تستعيد الدولة، ووصفت في مقابلة إذاعية رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بالشخص غير المسؤول. وقالت “إن البرلمان هو من انقلب على الدستور”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى