شتان ما بين إيران … و إيران!
بقلم: د. موسى الحمداني/ لندن
لفت نظري الزيارة التي يقوم بها هذه الأيام وفد من المعارضة الإيرانية للكيان الصهيوني، و بالذات لجيش العدوان الاسرائيلي الذي لم يحارب حرباً دفاعية واحدة منذ تأسيسه. لا أعتقد أن الزيارة ذات أهمية و لا تستحق حتى أن نندد أو نشجب أو نستنكر، فالوفود العربية سبقتهم في مضمار العار منذ أمد طويل. من المعروف أن المعارضة الإيرانية تقف ضد كل ما تقف من أجله الجمهورية الإسلامية، و أنها إذا استلمت زمام الأمور – لا سمح الله – فإنها قطعاً ستعود بإيران إلى ما كانت عليه أيام الشاه أو أسوأ.
فرضت علي ظروفي، بحكم تواجدي في الغرب، أن أتعرف على الكثير من الإيرانيين. و انطباعي انهم شعب طيب كريم و يشاركوننا الكثير من العادات و التقاليد، و قد بهرني كرمهم الحاتمي حتى ظننت أن حاتم الطائي جاء من أصول فارسية. و اذا كان الايرانيون كلهم من عينة الذين زاملتهم فهم بطبعهم أكثر علمانية منا و بالتأكيد أقل إنغماساً في الطائفية الدينية. أعتقد أن أكثر الإيرانيين راضون عن حكومتهم و لكن حتى المعارضون لها لا يعترضون عليها بسبب الفساد و لكن بسبب تقييد الحريات الشخصية الذي تفرضة التعاليم الدينية ثم السياسة الخارجية. و من أجل ذلك فهم يطالبون بحكومة علمانية و يطالبون أيضاً، و هو الأهم، بإنهاء حالة العداء بين إيران و إسرائيل و التي يقولون أنها تكلف إيران مبالغ باهظة. يريدون الاعتراف بإسرائيل و التعامل التجاري معها و الابتعاد عن العرب و.. و التنكر لحقوق الفلسطينيين. سمعت أحدهم يقول أنه حتى لو تمكنت إيران من القضاء على إسرائيل و تحرير فلسطين و تقديمها للعرب على طبق من فضه لبقينا في نظرهم فرس مجوس، فلماذا نحاول؟
إيران بلد كبير يزيد تعداد سكانه على ٨٠ مليون نسمة، و مع أن المعارضة الإيرانية لا تزال أقلية لكن أفرادها يقدرون بالملايين و يتلقون دعماً سخياً من إسرائيل و الدول الغربية. و قد ثاروا ضد الحكومة الاسلامية أكثر من مرة و بدعم علني من أميركا، التي أعتقد أنه لن تكل و لن يهدأ بالها إلا إذا زعزعت إستقرار الجمهورية الإسلامية.
لو نجحت المعارضة الايرانية – لا قدر الله – فإن الحكومة المقبلة ستكون مكونة من صهاينة من أمثال أعضاء هذا الوفد الذي يزور إسرائيل. طبعاً مثل ذلك السيناريو يشكل كارثة كبرى للأحرار و الشرفاء من العرب كما يشكل انتصاراً مذهلاً لإسرائيل. باختصار شديد تكون الأمة العربية قد وصلت إلى أقصى درجات الانحطاط السياسي و يكون صراعنا مع إسرائيل قد انتهى بالضربة القاضية و الهزيمة الكبرى.
ذلك الكابوس الفرضي هو ما تسعى الى تحقيقه دول الخليج و ما يريده الملايين من المغفلين الذين انطلت عليهم لعبة الطائفية الدينية. طبعاً من وجهة نظر الدول الخليجية فإن ”إيران الصهيونية“ ستكون على علاقات طيبة معهم لأنها تشاركهم ميولهم، و الصهاينة لا يزعزع بعضهم أنظمة بعض. حينئذ فقط ستنتهي هذه الحملة الطائفية القوية التي نراها الآن ضد المذهب الشيعي و يصبح الشيعة، بقدرة قادر، أخوان لنا في الدين و مسلمون أصحاء كما كانوا أيام الشاه. و طبعاً ستكتسح البضائع الايرانية أسواقنا في منافسة أخوية مع البضائع الاسرائيلية. ثم يمضي الصهاينة قدماً و جنباً إلى جنب لزعزعة ما تبقى من الأنظمة العربية المستقلة – إذا تبقي منها شيء.
أنا معارض للحكومات و الأحزاب والمنظمات الدينية و أرى أن شرها يفوق خيرها. لكني دائماً أستثني الجمهورية الإسلامية في إيران لأني أعتبرها أكبر مكسب للأمة العربية منذ ثورة يوليو. فهي مناصرة لحقوقنا في فلسطين بدرجة ما كان الشاه معادياً لها. و أرى أنه من واجب كل عربي شريف أن يناصر إيران الإسلامية لأن البديل سيكون كابوس رعب صهيوني و كارثة تفوق كل الكوارث. و كذلك من واجب كل عربي شريف أن يسمو على تلك النعرة الطائفية النتنة التي دخلت علينا من عصور الظلام التي يعشش فيها حكام الخليج و دعاة الاسلام السياسي. الأمة العربية أمة منهكة جريحة و تضافر عليها حكام الذلة و و العار من كل صوب وتكاد تلفظ آخر ما فيها من أنفاس العزة و الكرامة. لم يبق لنا إلا القليل، وهذا القليل هو محور المقاومة الذي تدعمه إيران، هو أملنا و قلعتنا الأخيرة فإن انتصر انتصرنا و إن هوى هوينا جميعاً و لا يرحمنا أحد.