في الذكرى الـ69 لـ23 يوليو .. قصة ثورة اسقطت الملكية واستأصلت الفساد وبعثت في مصر حياة جديدة/ فيديو

منذ هبت رياح الثورة في الثالث والعشرين من يوليو لعام 1952، بدأت الدولة المصرية في عهد جديد، بملامح جديدة تمامًا، فنظام الحكم وبنيته ووجوهه تغيرت، والأساس الذي أسس الحكم الملكي ركيزته تهدم وسقط إلى غير رجعة.
فلم يعد هناك عبد ومأمور، كما في السابق، بل أضحى الكل سواسية، وعادت مصر لأحضان أبنائها، وهويتها استُعيدت من جديد، وبدأ المصريون مع عهد استشرفوا فيه مستقبلًا يُبنى بسواعد أبنائه، ويستفيدون من خيرات بلدهم، بعد أن كان الغالبية العظمى منهم يقتاتون التراب ويلتحفون الفقر.
ما يُعزى لثورة يوليو، أنها عززت الدور التاريخي للجيش المصري في الوقوف إلى جوار بلده وشعبه، فهكذا يكون التاريخ حين يرصد ويتابع ليس عليه إلا أن يقف احترامًا للدور الذي تقوم به قواتنا المسلحة وقت المحن، ولا سيما ما قامت به في ذلك الظرف العصيب والدقيق من تاريخ مصر.
ومنذ تلك اللحظة التي نجحت ثورة 23 يوليو في مساعيها للقضاء على الفساد والظلم الذي استشرى في البلاد، وأطاحت بالحكم الملكي، وضع أبناء تلك المرحلة من الضباط الأحرار، عدة مبادئ من شأنها غيرت وجه مصر، وعملت منذ الوهلة الأولى لضرورة أن يستفيد المصريون من مكتسبات بلدهم ومقدراتها.
قبل هذا التاريخ «23 يوليو 1952» كانت مصر بمثابة «العزبة» التي يتحكم فيها حفنة من المحسوبين على المستعمر البريطاني من جانب، وآخرين للنظام الملكي من حاشيته من جانب آخر، ولم يكن للمصريين من مقدرات بلدهم إلا الفتات الذي لا يملأ بطونهم وأولادهم.
العدالة الاجتماعية
وأسست ثورة يوليو إلى نظام قوامه العدالة الاجتماعية، ووضعت عددًا من المبادئ لعل أبرزها، «القضاء على الإقطاع، القضاء على الاستعمار، القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، إقامة جيش وطني قوي، إقامة عدالة اجتماعية، إقامة حياة ديمقراطية سليمة»، ولعل أن مضمون هذه المبادئ يشير إلى أن ثمة خلل في كل تلك الملفات التي أضحت أطروحة لدى الضباط الأحرار ولا بد من إعادتها لنصابها الصحيح.
رحيل الملكية وإنهاء حقبة الاحتلال
على صعيد الإنجازات السياسية، فإنه يعزى لثورة 23 يوليو، عددًا لا بأس منه من الإنجازات في هذا الشأن لعل أبرزها يتمثل في السيطرة على الحكم وسقوط الحكم الملكي، ونجاحها كذلك في استرداد الكرامة والاستقلال والحرية المفقودة على أيدي المستعمر المعتدي، وإجبار الملك على التنازل عن العرش ثم الرحيل عن مصر إلى إيطاليا، وتبعات ذلك من إلغاء النظام الملكي وقيام الجمهورية.
ولم يكن ذلك الاحتلال البريطاني الذي ظل جاثمًا على صدور المصريين لعشرات السنين، إلا أن تكتب له النهاية أيضًا وتعيش مصر أخيرًا عهد التحرير من قبضة المحتل، لما في ذلك من تحرير للقرار المصري، وبينما كان توقيع اتفاقية الجلاء بعد أربعة وسبعين عاما من الاحتلال يمثل لحظة تاريخية تظل ملصقة بالأذهان، إلا أن القرار التاريخي بتأميم شركة قناة السويس لا يقل عنه أهمية أيضًا.
عودة الهوية
وعملت الثورة في مصر على إعادة الروح المصرية إلى بلادنا متمثلة في عودة الهوية المصرية، المفقودة حينها، وركزت على أن ذلك لن يتأتى سوى من خلال المراكز الثقافية، فأنشأت الثورة الهيئة العامة لقصور الثقافة، وقصور الثقافة، والمراكز الثقافية، لتحقيق توزيع ديموقراطي للثقافة وتعويض مناطق طال حرمانها من ثمرات الإبداع وهو ما يعد من أهم وأبرز إنجازاتها الثقافية.
وأنشأت الثورة كذلك أكاديمية تضم المعاهد العليا للمسرح والسينما والنقد والباليه والأوبرا والموسيقى والفنون الشعبية، ناهيك عن رعاية الآثار والمتاحف ودعم المؤسسات الثقافية، وكذلك سمحت بإنتاج أفلام من قصص الأدب المصري الأصيل بعد أن كانت تعتمد على الاقتباس من القصص والأفلام الأجنبية.
مجانية التعليم
كان التعليم في العهد الملكي قاصرًا على أبناء طبقة بعينها، ولم يكن لجميع المصريين الاستفادة من هذا الحق، إلا أن تلك الحقبة كان لها أن تطوى مع ثورة 23 يوليو التي ستظل لها الفضل دائمًا وأبدًا في عودة الحق لأهله، لا سيما فيما يخص ملف التعليم الذي كان عدد غفير من المصريين في حرمان دائم منه، لكن قرار مجانية التعليم يظل علامة محفورة في أذهان المصريين مهما مرت السنين، لاسيما وأنها قررت مجانية التعليم العام وأضافت مجانية التعليم العالي، بل وضاعفت من ميزانية التعليم العالي.
ولم تكتف بذلك وحسب، بل عملت الثورة كذلك على مضاعفة عدد الجامعات، وأضافت عشر جامعات أُنشئت في جميع أنحاء البلاد بدلا من ثلاث جامعات فقط، وأنشأت مراكز البحث العلمي وتطوير المستشفيات التعليمية، وبدأ عهد جديد من تطوير التعليم في مصر لاسيما بعد إرسال العديد من البعثات الخارجية، ما انعكس إيجابًا على تحقيق التنمية في البلاد واضحت من الدول التنموية في غضون سنين قليلة.
الإقطاع واستئصال شأفته
وتعتبر الثورة العصر الذهبي للطبقة العاملة المطحونة الذين عانوا أشد المعاناة من الظلم وفقدان مبدأ العدالة الاجتماعية، وأسفرت الثورة عن توجهها الاجتماعي وحسها الشعبي مبكرا عندما أصدرت قانون الملكية يوم 9 سبتمبر 1952، حيث قضت على الإقطاع واستأصلت وأنزلت الملكيات الزراعية من عرشها، وحررت الفلاح بإصدار قانون الإصلاح الزراعي.
كذلك جاء ملف تمصير وتأميم التجارة والصناعة الذي استأثر بها الأجانب، أحد أهم الملفات التي نجحت ثورة يوليو في تحقيقها، وتبعها القضاء على السيطرة الرأسمالية في مجالات الإنتاج الزراعي والصناعي، وقضت كذلك على معاملة العمال كسلع تباع وتشترى ويخضع ثمنها للمضاربة في سوق العمل.
الصناعة المصرية
وعززت ثورة يوليو المنتج المحلي المصري بتدشين مئات المصانع والشركات في مختلف التخصصات وكان للمنتج المصري بريقه في معظم أسواق العالم، ثم جاء إنشاء السد العالي ليكون تاجًا لكل المصريين وثمرة من ثمار يوليو.
دعم حركات التحرر
كما لعبت ثورة 23 يوليو دورا هاما في دعم حركات التحرر الإفريقي حيث كان عدد الدول المحررة قبل قيام الثورة أربع دول، وبفضلها تحررت نحو 30 دولة، وكانت نواة لمنظمة الوحدة الإفريقية.
وأقامت الثورة علاقات وثيقة مع الدول الإفريقية المستقلة مثل غينيا وغانا ومالي، وقامت بتكوين كتلة الدار البيضاء في إطار دعم لومومبا في الكونغو، التي كانت الدول الاستعمارية قد قررت عدم السماح باستقلالها بسبب ثرواتها الضخمة من الماس.
عودة مصر لأبنائها
ويبقى القول، إن تلك الثورة المجيدة أعادت الروح للمصريين وزرعت فيهم التفاؤل من جديد، ليأتي يوم 23 يوليو لعام 1952 ويصدح الرئيس الراحل محمد أنور السادات، عضو تنظيم الضباط الأحرار، وقتها، بالقول: اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم.وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنافي حرب فلسطين.وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش وتولى أمرهإما جاهل أو خائن أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها.
وتابع البيان: وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب.أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب.
واختتم: وإني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور مجرداً من أية غاية وأنتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف لأن هذا ليس في صالح مصر وأن أي عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل وسيلقى فاعله جزاء الخائن في الحال. وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاوناً مع البوليس. وإني أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم ويعتبر الجيش نفسه مسئولا عنهم والله ولي التوفيق.
ليكون هذا البيان، عهدًا لدولة جديدة بقوام وبنية جديدة، ويهب المصريون داعمين ومؤازرين لتلك الخطوة التي ستغير من حياتهم وتكتب لهم حياة جديدة ينعمون فيه بعهد جديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى