زكريا احمد، شيخ الملحنين لام كلثوم يستوحي الحانه من المقابر

ضوء القمر يلملم خيوطه استعدادا للرحيل وسط ظلام وصمت مقابر باب النصر في القاهرة، ولكن هناك دندنة صوتية مصدرها مجهول لفتت انتباه عسكري الدورية الذي سرعان ما تتبع مصدر الصوت، تنتابه حالة من الذعر والهلع، ينتفض جسده من شدة الخوف، يشدد قبضته على بندقيته إلى أن اقترب من مصدر الصوت، فجحظت عيناه وهو يتأمل رجلا يجلس وبين يديه آلة موسيقية، وفوق رأسه طاقية خضراء، ويتدلى على صدره عظمة وجمجمة، وفي عنقه عدد من السبح.

أخذ العسكري يتمتم بالكلمات، ويستعيذ من الشيطان، معتقدا بأنه أمام عفريت، متقمصا شخصية بني آدم، وبصوت عال وفي محاولة عدم إظهار ارتباكه، دار هذا الحوار بينهما..

* أنت أنس، ولا جن؟

– أنا أنس طبعا ياشاويش

* ولما أنت أنس إيه اللي جايبك هنا الساعة دي؟

– شغل ياشاويش

* بتشتغل إيه في جبانة أموات بعد نص الليل، طربي؟ وإيه البيانو اللي في ايدك ده، هو انت جاي تغني للأموات؟

– ده اسمه عود ياشاويش.

وبصوت جهوري، يطلب منه العسكري الوقوف، وقول: أنت من العصابة اللي بتسرق الأكفان، والأسنان الدهب اللي في بق الأموات.

أصر العسكري على اصطحابه إلى قسم الشرطة، وهو حافي القدمين، وما إن وصلا إلى قسم الشرطة، قدم العسكري التحية إلى الضابط،قائلا: يا فندم قبضت على واحد من الحرامية اللي مدوخنا في مقابر باب النصر.

رفع الضابط رأسه المثقل بالنعاس، وسأل الرجل المتهم: إيه اللي أنت لابسه ده، أنت مجذوب، بحسب ما نشرته أخبار الحوادث عام 1992.

رد عليه المتهم قائلا: أنا عمك الشيخ زكريا أحمد.

أخذ الضابط يحملق بعينيه، وانتفض من فوق مقعده، تعلو وجهه ابتسامة وطلب منه أن يستريح، وهو يتساءل؟ عامل في نفسك كدة ليه، أنا أحد معجبيك يا شيخ أحمد والست أم كلثوم، بينما يقف العسكري مشدوها، ولكنه أفاق عندما طلب منه الضابط إحضار فنجان قهوة للموسيقار الكبير.

وبدأ الموسيقار زكريا أحمد يحكي للضابط عن سر ارتدائه هذه الملابس، وتواجده داخل المقابر بعد منتصف الليل، حيث أخرج ورقة مكتوب عليها كلمات يقوم بتلحينها لفرقة علي الكسار، وعمل لحن اسمه “لحن العفاريت” سيقدم من خلال مسرحية جديدة.

واستطرد زكريا أحمد قائلا: حبيت أكون واقعي، زي ما بيقولوا، لبست لبس عفاريتي وأخذت عودي، وجيت إلى المقابر يمكن ربنا يرزقني بعفريت يخضني، وأشعر بإحساس الخضة، واستلهم اللحن.

انفجر الضابط بالضحك، قائلا: بس دي مغامرة جريئة، وكان ممكن أن تصاب بأذى، ورد عليه الشيخ زكريا أحمد ضاحكا أيضا، هو فيه حد

بياكلها بالساهل يا حضرة الضابط،

اعتذر الضابط له عن تصرف العسكري، وأوضح له بأن مقابر باب النصر منكوبة بعدد من اللصوص، مما اقتضى تشديد الحراسة عليها.

وأحضر سيارة تابعة لقسم الشرطة، لتوصيل الموسيقار إلى منزله حتى لا يعود حافي القدمين، وبهذه الملابس المثيرة للاستهزاء، وقدم الشكر للضابط على حسن استقباله، وتفهمه للموقف!!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى