في ذكرى هزيمة 1967.. ردّ على كارهي جمال عبد الناصر

بقلم: حسام عبد الكريم*

مثل كل الشخصيات الكبرى في التاريخ, لجمال عبد الناصر محبون ومؤيدون كثيرون وله كذلك طيفٌ واسعٌ من الخصوم والكارهين. والهزيمة الكبيرة التي تعرضت لها مصر سنة 1967 هي المناسبة الأبرز التي يجتمع عليها طيفُ الكارهين ويستغلونها للهجوم عليه بشراسة وقسوة. ويضم طيفُ الكارهين والشاتمين عرّابي ومنظّري التيار الساداتي (وامتدادُه المُباركيّ فيما بعد) المنقلب على سياسات عبد الناصر, وجماعة القومية المصرية (الفرعونية), الذين كانوا يتولون شنّ حملات التشهير والتشنيع على عبد الناصر داخل مصر في فترة السبعينات والثمانينات. ويضاف الى هؤلاء “ليبيراليون” عرب امريكيو الهوى والولاء, ومن ثم ظهرت الفضائيات والصحف ذات التمويل السعودي ( mbc / العربية / الشرق الاوسط / الحياة) التي غزت الهواء العربي لتصفي حساباتها مع مع عبدالناصر ومشروعه الوطني/التقدمي والنهضوي/الاجتماعي في مصر والتحرري/الثوري على الصعيد العربي والعالم الثالث. ولا ننسى إعلام شبكة قناة الجزيرة القطرية المتأثر بأفكار ونظريات الاخوان المسلمين.
وهؤلاء المهاجمون لعبد الناصر ,على اختلاف اسمائهم ومواقعهم وأساليبهم, يجمعهم “منطق” موحّد تجاه ما جرى سنة 67, فهم يقولون صراحة أو مواربة:
ان جمال عبدالناصر هو المسؤول عن تلك الحرب وما نتج عتها من احتلال “اسرائيلي” للأرض العربية في مصر وسوريا وفلسطين. فعبدُ الناصر تسبّب في اندلاع الحرب عندما أصرّ على سياسة العداء لاسرائيل وتحدّيها وتهديدها
… وعبدالناصر كان يُردّد كلاماً اجوفاً عن الحق العربي في فلسطين التاريخية وعن الامة العربية والوحدة العربية
… وعبدالناصر كان سياسياً فاشلاً لم يفهم حقائق هذا العالم, فاصطدم بالقوى العظمى – امريكا وبريطانيا- وادخل مصرَ في صراعات لا قبل لها بها
ويتقمّص كارهو عبد الناصر هؤلاء ثوبَ الحكمة, وبُعد النظر بأثر رجعيّ , حين يقولون:
لو أن عبدالناصر اهتم بمصلحة بلدِه فقط, ونأى بنفسه عن العرب ومشاكلهم, لما تعرضت مصر لتلك الكوارث
ولو أن عبد الناصر أبعدَ بلاده عن الاشتراكية وعن المغامرات الخارجية لكانت مصر الان مثل كوريا واليابان
ولو ان عبد الناصر تفاهم مع “اسرائيل” وسالمَها, لما هاجمتنا واعتدت علينا . فــ”اسرائيل” صدّت الخطر الداهم عليها واستغلت تهديدات عبدالناصر لتحتل الاراضي العربية.

ولا يمكن إحسان الظن بهؤلاء الذين يخلطون الحق بالباطل بشكل مقصودٍ ليصلوا الى استنتاجات ملغومة مغلوطة تصب في نهايتها في مسار التطبيع مع “اسرائيل”.
وللرد على كلامهم نقول:
صحيحٌ أن عبد الناصر قد واجه “اسرائيل” وتصدّى لها وسعى الى استرداد الحق العربي في فلسطين المسلوبة عام 48 , ولكن هل كان ذلك خطأً ؟! هذا هو السؤال الحقيقي, هل كانت مقاومة دولة الاغتصاب التي تشكلت على حدود مصر الشمالية خطأ؟ انّ ولداً في الابتدائية يستطيع الاجابة. فلا يحتاج المرء الى كثير من الثقافة والذكاء ليُدرك ان جنوب غرب فلسطين كان دوماً بوابة العبور الى مصر , لكل الفاتحين والغزاة على مرّ التاريخ. فمنه دخل البيزنطيون الغزاة, والفُرس, ومنه دخل العرب الفاتحون, ومن هناك دخل العثمانيون. ومن يرجع الى تاريخ مصر سيرى كيف أن قادة المماليك, قطز وبيبرس وقلاوون ومجموعتهم, قرروا أن يتصدّوا للخطر المغولي القادم من نفس المكان فقاموا بالخروج بكل قوتهم وجيشهم الى فلسطين بالذات, ليواجهوا قوات التتار هناك قبل أن تصل مصر.
فهل كان جمال عبدالناصر يستطيع أن يتجاهل ذلك الخطر الصهيوني الكامن على حدود مصر؟ هل كان ممكناً للزعيم المصري ان يغمض عينيه عما يجري في فلسطين؟ فحتى فاروق,الملك الخليع الرقيع, لم يستطع إلاّ أن يتصدّى للخطر الصهيوني, ولو على مضض, فأرسل جيشه ليشارك في حرب فلسطين 1948, فهل كان ممكناً للرئيس المصري الجديد, ورفاقه من الضباط الوطنيين الشبان, أن يتركوا الصهاينة يفترسون فلسطين ويناموا في مخادعهم بسلام؟!
وهل “اسرائيل” دولة حمائم, وادعة ومسالمة؟ وهل لو تُركت “اسرئيل” وشأنها منذ تأسيسها, ولم يتصدّ لها أحد, لكانت اكتفت بما حددته لها الأمم المتحدة في قرار التقسيم 1947 , فلم تعتدِ ولم تتوسّع؟ هل “اسرائيل” هذه بلا اطماع في الأرض العربية؟! على كارهي عبد الناصر أن يجيبوا إن كانوا يقدرون.
وسؤالٌ مهم : لو أن “اسرائيل” كما يقول البعض اعتدت على مصر وسوريا عام 67 لأنّ بهما نظامين قوميين عربيين يسعيان الى القضاء عليها, فما بالُ الأردن؟ هل كان نظام الأردن يشكل تهديداً على دولة “اسرائيل”؟ هل كان في الأردن حكمٌ ثوريٌ يريد “القاء اليهود في البحر” ؟! لقد هاجمت “اسرائيل” الأردن واحتلت “الضفة الغربية” التابعة له آنذاك لأن الأطماع الصهيونية لا تعرف حداً, فهي فوق كل اعتبار, ولا احترامَ لصديقٍ أو جار إن لاحت فرصة “لتحرير” جزءٍ من “أرض اسرائيل”. وشاتمو عبد الناصر يعرفون ذلك طبعا ولكن الكراهية تعمى الابصار.

عبد الناصر أخطأ بلا شك, ولكن ليس لأنه واجه “اسرائيل” بل لأنه لم يواجهها بما فيه الكفاية. وهو أخطأ بلا شك ولكن ليس لأنه تصدّى للدولة الصهيونية وانما لأنه لم يعدّ العدة المناسبة لتلك المعركة. وهو أخطأ لأنه ترك مجالاً لعبث رجال عبد الحكيم عامر  في صفوف قيادات جيشه وقواته.
ولكنّ الخصوم الكارهين من جماعة الإعلام الساداتي / النيوليبيرالي / النفطي / التطبيعي لا يهاجمون عبدالناصر لما أخطأ فيه وقصّر, بل هم يهاجمونه لما أصاب به وأحسن! فهؤلاء الذين تبنّوا الاستسلام منهجاً وعقيدة ومنطقاً , لن يرضوا عن عبد الناصر – وعن غير عبدالناصر – حتى يتبع ملتهم!

*كاتب وباحث من الاردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى