افول عهد آل كاسترو.. لكن كوبا ستبقى قلعة للاشتراكية وصديقة لفلسطين وشرفاء العرب

لأول مرة منذ ستة عقود، سيغيب آل كاسترو بشكل تام من السلطة في كوبا، إذ سيتنحى راوول كاسترو من على رأس الحزب الشيوعي الحاكم، ليسلم المشعل غالبا إلى رئيس البلاد ميغيل دياز-كانيل، ما يعد منعطفا تاريخياً في كوبا.
تولى راوول كاسترو رئاسة كوبا عام 2006 بشكل مؤقت بعد مرض شقيقه فيديل كاسترو الزعيم التاريخي لكوبا، ثم تحوّل إلى رئيس رسمي بعدها بسنتين بعد انتخابه من البرلمان. وفي عام 2011 تم انتخابه خلفاً لأخيه في منصب الأمين العام للحزب الشيوعي، وهو منصب له أهمية سياسية أكثر حتى من منصب رئيس البلاد، وتعززت أهمية راوول في البلد بعد وفاة فيديل عام 2016.
وعلى مدار أربعة أيام، ابتداءً من اليوم الجمعة، 16 نيسان/أبريل 2021، سيلتقي أعضاء الحزب الوحيد لمدة أربعة أيام في هافانا للتداول حول خليفة راوول والذي لن يكون حسب التوقعات سوى رئيس البلاد.
والمثير أن هذا الاجتماع المغلق يبدأ بعد ستين عاما تماما من اليوم التالي لإعلان فيدل كاسترو الطابع الاشتراكي للثورة التي اعتبرها كثيرون استمرارا للاستبداد في كوبا لكن بشكل “ثوري شيوعي”، خصوصا لممارسات قمعية في ظل حكم فيديل.
ساهم راوول في الثورة الاشتراكية وكان حاضرا بقوة في عملية إسقاط الديكتاتورفولغينسيو باتيستا المدعوم أمريكياً عام 1959. واستمر إلى جانب أخيه في جلّ المحطات الكبرى في كوبا، وكانت له مساهمة في النموذج الكوبي الاشتراكي، إذ كان وزيرا للدفاع ونائبا لأخيه في مجلس الدولة، كما يعزى له التقارب مع الاتحاد السوفياتي ما بعد الثورة، وساهم كثيرا في تقوية العلاقات مع موسكو بعد العقوبات الأمريكية على هافانا.
علاقات خاصة مع العرب
كانت لكوبا سمعتها الخاصة في مجالات كثيرة، منها الطب، ويتذكر العالم أفواج الأطباء الكوبيين الذين ساعدوا إيطاليا خلال الموجة الأولى من جائحة كورونا، لكن السمعة الأبرز كانت في نموذجها الخاص بالثورة الاشتراكية الذي ألهم ملايين الاشتراكيين عبر العالم، كما في المنطقة العربية.
واحتفظ الأخوان كاسترو بعلاقات قوية مع أنظمة عربية اشتراكية، منها مصر في عهد جمال عبد الناصر والجزائر في عهد أحمد بن بلة والهواري بومدين وليبيا في عهد القذافي والعراق في عهد صدام وزعماء اليمن الجنوبي قبل الوحدة، لذلك لم يكن غريبا جدا إعلان الجزائر عن حداد ثمانية أيام عندما توفي فيديل كاسترو.
وأكبر ما تقارب به آل كاسترو مع العرب هو طبيعة النزاع مع إسرائيل، إذ كان فيديل كاسترو داعما قويا للفلسطينيين وقطعت كوبا علاقاتها مع إسرائيل منذ 1973 وكانت من أوائل المعترفين بمنظمة التحرير الفلسطينية، فضلا عن مساندته للعراق إبان الغزو الأمريكي.

غير أن آل كاسترو كانت لهم عداوات مع دول عربية أخرى، منها المغرب بسبب دعم كوبا لجبهة البوليساريو في نزاع الصحراء الغربية، بل كانت هافانا أقوى داعم تاريخي للجبهة خارج إفريقيا، واستقبلت صحراويين من الجبهة بمن فيهم أطفال وطلبة، لكن الأمور بدأت تتغير مؤخراً مع عودة العلاقات المغربية الكوبية.
وحافظ راوول كاسترو على العلاقات التي نسجها شقيقه مع جل الدول العربية، غير أن أسفاره إليها كانت نادرة، لكنه في المقابل تبنى نهجا منفتحا نوعا ما تجاه الغرب، خصوصا لقاءه الشهير مع باراك أوباما في هافانا وزيارته لدول حليفة لأمريكا كفرنسا.
ومن المستبعد أن تعود العلاقات الكوبية- العربية إلى ما كانت عليه في عهد كاسترو بسبب تغيير النخب السياسية وسقوط أنظمة عربية حليفة لهافانا وتراجع التيارات الشيوعية بشكل عام في العالم والتغيير الحاصل داخل كوبا، وقد تكرر ذلك في فينزويلا بعد رحيل هوفو تشافيز، ما سيجعل كوبا تستمر عند العرب مقرونة أكثر بآل كاسترو، خصوصا أن الرئيس الحالي ميغيل دياز-كانيل نادرا ما يحضر في وسائل الإعلام العربية.
رحيل من الباب الصغير؟
خلافا لكل أحلام الثورة، يظهر الواقع الكوبي صعبا جدا في الحياة المعيشية للسكان، ففي الأشهر الأخيرة، شهدت كوبا تذمرا اجتماعيا غير مسبوق، ومظاهرات عديدة للمطالبة بتحسين الوضع. كما يطالب شبابها بحرية التعبير. وفتحت مواقع التواصل جانباً من نقاش لم يعهده الكوبيون الذين لم يستفيدو من الانترنت الجوال إلا عام 2018.
ويرى نورمان مكاي المحلل في وحدة “ايكونوميست إنتليجنس يونيت” أن “رحيل (راوول) كاسترو يشكل علامة فارقة، ليس فقط لأنه يمثل نهاية عائلة استمرت أكثر من خمسين عاما، بل أيضا لأنه يأتي في زمن تمر فيه البلاد بصعوبات واضطرابات اقتصادية كبيرة”.

وأوضح حسب فرانس برس “هذا لا يعني بالضرورة أنه سيكون هناك تغيير جذري في أسلوب الحزب الشيوعي” لكن “يجب أن تسهل الإنترنت مطالب الشفافية والحريات، ما يؤدي إلى ظهور تحديات للحكومة سيصعب على الحزب الشيوعي تجاهلها”.
غير أنه لا يمكن الحديث عن سوء الوضع الاقتصادي في كوبا دون ذكر أحد أسبابه وهو الحصار الاقتصادي الأمريكي المفروض على البلد منذ عام 1960، والذي يمنع إقامة علاقات تجارية أمريكية مع هافانا ردا على مصادرة أملاك أمريكية في كوبا دون تعويض بعد الثورة الاشتراكية.
التغيير ضرروي
وزاد تأثير الحصار بشكل كبير في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ويقول مسؤولون كوبيون إن عقوبات ترامب كلّفت هافانا ملايير الدولارات، كما تطالب الأمم المتحدة منذ مدة طويلة بإنهاء هذا الحصار. غير أنه في الجانب الآخر تملك كوبا علاقات تجارية حتى مع حلفاء أمريكا وليس الحصار الأمريكي السبب الوحيد لضعف الاقتصاد الكوبي، خصوصا أن الشركات الأمريكية بدورها تخسر جراء قرار البيت الأبيض.

وتظهر كوبا مدركة لهذا التحدي الاقتصادي الذي تعيشه، لذلك أعلنت قبل مدة بسيطة عن مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية الضخمة، ومن ذلك فتح مجالا أكبر أمام القطاع الخاص، في توجه قيل إنه محاكاة لنموذج الصين، أحد أكبر أصدقاء كوبا.
لكن في المقابل ليس الوضع سوداويا تماما في البلد، فكوبا تحتل المركز 70 في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، وتوجد في خانة “مؤشر مرتفع” متقدمة على عدد من دول محيطها كالبرازيل والمكسيك وكولومبيا.
ورغم تقاعد راوول ورحيل فيديل، إلّا أن النظام السياسي لا يزال وفيا لإرثهما، وكثيرا ما كتب الرئيس الحالي ميغيل دياز-كانيل على تويتر وسم “نحن الاستمرارية”. ويشير خبراء إلى أن منظري الحزب لا يزالون يحتفظون بالأفكار القديمة، وأن الإصلاحات الاقتصادية كانت ضرورية لإنقاذ البلد من التدهور المعيشي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى