قراءة متأنية للحالة السياسية الراهنة وتجربة الانتخابات النيابية بعيون حزب الوحدة الشعبية

قال بيان صادر عن حزب الوحدة الشعبية، وصل” المجد”، ما يلي..

عقدت اللجنة المركزية لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني دورتها العادية في شهر شباط – 2021 ، وتوقفت أمام التقريرين السياسي والتقييمي للانتخابات النيابية ومشاركة حزبنا فيها، وفيما يلي أبرز ما تناوله كلا التقريرين:
على الصعيد السياسي
شهد الأردن في العام الماضي تحولات هامه يمكننا ان نصفها بالاستراتيجية، قادتها الدولة العميقة كاستجابه لما تم طرحه فى بداية العام وعرف ب (صفقه العصر) أو صفقة القرن، وقد سعى الحلف الطبقي الحاكم والدولة العميقة لتمهيد الأرضية لتسويق هذه الصفقة. وانسجاماً مع هذه التحولات لجأت الحكومة لجائحة كورونا مبرراً لتفعيل قانون الدفاع، الذي توسعت في استخدامه لما هو أبعد من التعامل مع الجائحة والسيطرة عليها، فأصدرت حتى تاريخه 26 أمرَ دفاع، ومن أخطر مخرجاته تقييد الحريات العامة وضرب مؤسسات المجتمع المدنى بتعطيل آلياتها الديمقراطيه وعدم السماح بإجراء انتخاباتها. في المقابل، أصرت الحكومة على عقد الانتخابات النيابية في موعدها بغرض تجديد السلطة التشريعية بما يسمح بتشكيل مجلس نيابي أكثر طواعية، تستطيع الحكومة من خلاله تمرير استحقاقات المرحلة المقبلة والانخراط في المسار السياسي لصفقة القرن والتماهي مع استقطاب القوى والمحاور المتشكلة فى الإقليم. وقد ترافق كل ذلك مع عودة القبضة الأمنية ومجموعة اجراءات مقيدة للحريات اتبعتها حكومة الرزاز، كان أبرزها الحملة العنيفة ضد المعلمين ونقابتهم وصولاً إلى القرار القضائي بحل النقابة، إضافة إلى التوسع في الاستدعاءات والاعتقالات للعديد من النشطاء.
كما واصل النظام السياسي نهجه المعهود في تعيين الحكومات، فلم تدم فرحة المواطنين كثيرًا بالتخلص من حكومة الرزاز التي استنفذت كل رصيدها الشعبي الذي حصدته في بداية تشكيلها قبل عامين ونصف فجاءت حكومة الخصاونة في سياق غياب الإرادة السياسية بالوصول إلى إصلاح سياسي حقيقي. فبعد الإعلان عن التركيبة الحكومية الجديدة التي جاءت متناغمة مع تركيبة مجلس الأعيان، لوحظ عودة قويه للبيروقراط أو ما يسمى بالحرس القديم، في تناغم واضح لإعادة هيكلة السلطات، استكملت حلقاته بانتخاب مجلس نيابي جديد ليس ببعيد عن تركيبة الحكومة ومجلس الاعيان.
هذه العودة القوية للبيروقراط أتت نتيجة قناعة الحلف الطبقي الحاكم أنه الأقدر على تمرير صفقة القرن أو أية تسوية مرتقبة للقضية الفلسطينية. كما لم تقدم حكومة الخصاونة في برنامجها ما يجعلها مختلفة عن سابقاتها، بل إنها عززت من السطوة الأمنية وتعاطت بفوقية مع المواطن من جهة، ومع القوى والفعاليات الحزبية والنقابية من جهة أخرى.
فيما يتعلق بالوضع الفلسطيني، أكدت اللجنة المركزية على أن المدخل الصحيح والرئيس لبناء الوحدة الوطنية الصلبة وإنهاء الانقسام يتمثل بالتوافق السياسي على برنامج الإجماع الوطنى، وتأكيد قرارات المجلسين الوطني والمركزي بوقف التنسيق الأمني ومغادرة نهج أوسلو ومساراته، والتبني الفعلي لخيار الوحدة والمصالحة على قاعدة برنامج المقاومة الشاملة والموحدة لدحر الاحتلال وإعادة بناء م. ت. ف. ومؤسساتها الديمقراطية لتكون هي المرجعية الجامعة للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.
الانتخابات النيابية ومشاركة حزبنا
أعلنت اللجنة المركزية للحزب عن قراراها بمشاركة حزبنا في الانتخابات النيابية ارتباطاً بكونها استحقاقاً دستورياً، توفر مساحة لتعزيز التواصل مع جماهير شعبنا وتقديم برنامج حزبنا السياسي الانتخابي، هذا، بالرغم من تأكيد بيان إعلان المشاركة للعديد من القضايا المتعلقة بتراجع الحريات العامة واستمرار سياسة الملاحقات والاعتقالات المنتهكة لحرية الراي والتعبير واستمرار التضييق المنهجي الذي طال الحق في العمل الحزبي والشعبي والنقابي المهني والعمالي الذي كفله الدستور.
كان جلياً هاجس السلطة التنفيذية في إصرارها على إجراء الانتخابات النيابية والوصول بها لمخرجات تهيئ لها القدرة والأدوات للتكيف والتماشي مع التطورات الإقليمية الجارية، وعلى رأسها مسلسل التنازلات السياسية العربية الرسمية الكبرى والخطرة، من خلال تسهيل وصول عضوية مطواعة للسياسات والنهج الحكومي إلى مجلس النواب، واستبعاد الأصوات المناهضة لمعاهدة وادي عربة واتفاقية الغاز وكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، في ظل تطورات إقليمية ودولية تميزت بتصعيد عدوانية الحلف الامبريالي الصهيوني وتمكنه من تحقيق خطوات جديدة في مسار التطبيع العربي الرسمي المذل والمخزي مع الكيان الصهيوني لتنفيذ صفقة القرن وما يترتب عليها من نتائج تهدد بتصفية القضية الفلسطينية وتستهدف أمن واستقرار واستقلال وسيادة الأردن، وتكريس حالة التبعية للمركز الرأسمالي العالمي وتعميق حالة التشرذم العربي.
كما توقفت اللجنة المركزية أمام طبيعة قانون الانتخابات ساري المفعول الذي لا يعدو كونه نسخة مموهة لقانون الصوت الواحد، والذي شجع على استخدام المال في شراء أصوات الناخبين وشكل حاضنةً ومحفزاً للهويات ما دون الوطنية، وأفسح المجال واسعاً أمام نمو نفوذ الحالة – البنيوية العشائرية لتتصدر المشهد على حساب الأحزاب وقوائمها في مجمل العملية الانتخابية، وتحول التجمعات والبنى العشائرية إلى بنى”شبه سياسية” أخذت مكان ودور الأحزاب والقوى الوطنية في المشهد الانتخابي والسياسي العام.
أكدت اللجنة المركزية على فشل الجهات المرتبطة بالهيئة المستقلة للانتخابات في قيامها بالدور المطلوب منها لمحاربة ظاهرة شراء الأصوات الفاقعة، ما عزز عدد النواب الذين نجحوا من خلال شراء الأصوات، لتصبح سمة العضوية المهيمنة على مجلس النواب مكونة من مرشحي التمثيل العشائري إضافة إلى النواب الذين نجحوا من خلال شراء الأصوات، ويؤكد ذلك ما نشرته تحقيقات صحفية موثقة في عدد كبير من الدوائر حدثت فيها هذه الظاهرة، وهو الأمر الذي لم تقم بنفيه أي جهة رسمية لها علاقة بالاشراف أو المراقبة على الانتخابات النيابية.
كما سجلت اللجنة المركزية جملة من المضايقات والمعيقات التي واجهتها العديد من القوائم الانتخابية في غير دائرة، كما واجهتها جهودنا إضافة إلى حلفائنا في استكمال تشكيل القوائم في بعض الدوائر الانتخابية، ما استنفذ جهداً كبيراً في تشكيلها والحيلولة دون تفكيك ما تشكل منها.
كان واضحاً، وهذا ما أكدته المشاهدات العيانية وتقارير صحفية استقصائية موثقة، أن السلطة التنفيذية وأذرعها المختلفة مارست التدخل والضغوطات بحق العديد من المترشحين ارتباطاً بمواقفهم المعلنة من اتفاقية الغاز ومجابهة التطبيع، وبشتى السبل، ليتراجعوا عن نيتهم في إعلان ترشحهم أو انسحابهم من القوائم التي أعلن رسمياً مشاركتهم بها لتفكيكها أو إضعافها، وصولاً للتحكم والتأثير في مخرجات العملية الانتخابية.
ضعف المشاركة الشعبية، السمة الرئيسية للانتخابات
لقد تراجعت نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات بمقدار 7 نقاط مؤية مقارنة بالانتخابات السابقة (انخفضت من 36% إلى 29% حسب الأرقام الرسمية)، إذ هيمنت حالة عدم الاكتراث الشعبي وعدم الثقة بالعملية الانتخابية ومخرجاتها المتراكمة على امتداد العقود الثلاث الأخيرة ما أوصل المواطن والناخب إلى قناعة راسخة بعدم جدوى المشاركة فيها، كما تكرس خلال العقود الثلاث الأخيرة مشهد التزوير لإرادة الناس، وهذا ليس تجنياً، بل ما أكدته تصريحات قامت بها شخصيات نافذة في الدولة، كانت في مركز القرار في حينه، إضافة إلى حالة تبعية مجلس النواب للحكومة، وهو ما شاهده المواطن في كل جلسة للتصويت على الثقة بالحكومة أو جلسات إقرار الموازنة العامة، ما جعل من شكلية الدور الذي يقوم به مجلس النواب، طاغياً في وعي المواطن.
من الأسباب الرئيسية لضعف المشاركة الشعبية، حجم المخاوف التي بثها في نفوس المواطنين إجراء الانتخابات النيابية خلال الأسبوع الذي شهد تصاعداً، هو الأكبر، في أعداد الإصابات والوفيات بسبب جائحة كورونا منذ بدئها، وتفاقم الحالة الوبائية وما ترتب عليها من تحديات ضعف استعدادات وبنية النظام الصحي. وعلى الرغم من الأصوات المنادية بتأجيل الانتخابات من قبل المختصين بالأوبئة والقوى السياسية والفعاليات، وذلك لخلق مناخ صحي يشجع المواطنين على المشاركة بالانتخابات، إلا أن الحكومة أصرت على عقدها، بل ووجدتها فرصة لتحقيق هدفها بإضعاف المشاركة، وحصرها بالأصوات ذات البعد العشائري والمال السياسي.
المراجعات الضرورية
سجلت اللجنة المركزية عدم قناعتها بصحة عدد الأصوات التي أعلنتها الهيئة المستقلة، ومخالفتها لقرائتنا الميدانية الموثقة في تحقيق نتائج أفضل مما أعلن، لكن اللجنة المركزية أكدت كذلك على أن المظهر الرئيسي لحضور القوى اليسارية والتقدمية في الشارع ولدى جماهير شعبنا كان ضعيفاً، وهو انعكاس لضعف أو غياب الحاضنة الشعبية للقوى اليسارية والقومية، ومؤشر لعمق الفجوة الفاصلة بين القوى القومية واليسارية من جهة وبين الجماهير التي تعمل من أجلها ومن أجل همومها وحقوقها من جهة أخرى. هذه الحقائق تستوجب إجراء مراجعة جدية، جريئة، وعميقة لتحديد الأسباب الحقيقية التي تقف خلفها.
كجزء أساسي من المراجعات الضرورية، أكدت اللجنة المركزية على أولوية الحاجة لآليات عمل متجددة تكون قادرة على استيعاب وتوحيد القوى الشعبية وبناء جبهة تقدمية عريضة تقود مشروع التغيير والإصلاح الديمقراطي الحقيقي.
برغم الثغرات ونقاط الضعف التي شابت عملنا أثناء الحملة الانتخابية، وتَحَمُلْ المكتب السياسي للمسؤولية في ذلك، فإن هذه الثغرات ونقاط الضعف تشكل منطلقاً للمراجعة والتصويب والمعالجة التنظيمية الداخلية.
أخيراً، تؤكد اللجنة المركزية على صحة قرار المشاركة في الانتخابات النيابية، التي خاضها حزبنا بشجاعة وصلابة انطلاقاً من قناعاته السياسية والفكرية، وسيستمر في قراءة التجربة واستخلاص العبر والمضي إلى الأمام نحو تحقيق الأهداف التي حددها برنامج حزبنا السياسي في بناء “الأردن الوطني الديمقراطي واسترداد الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني”.

اللجنة المركزية
حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني
شباط 2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى