مَسَارُ أَسْتَانَة وَاِسْتِعْصَاءَاتِ الْحَلِّ لِلْأَزْمَةِ السُّورِيَّةِ
بقلم: توفيق المديني

فِي ظَلِّ عَدَمِ تَبَلْوُرِ صِيغَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِلتَّسْوِيَةِ السِّيَاسِيَّةِ قَادِرَة عَلَى حَلِّ الْأَزْمَةِ السُّورِيَّةِ رَغْمَ اِنْتِهَاءِ الْحَرْبِ تَقْريبًا، وَبَعْدَ فَشَلِ الْجَوْلَةِ الْخَامسَةِ مِنْ أَعْمَالِ اللَّجْنَةِ الدُّسْتُورِيَّةِ الْمُكَلَّفَةِ بِكِتَابَةِ دُسْتُورِ جَديدٍ لِسُورِيَّة مَا بَعْدَ الْحَرْبِ، اِنْطَلَقَتْ مُفَاوَضَاتُ جَوْلَة أَسْتَّانَا 15 فِي مَدِينَةِ سوتشي الرُّوسِيَّة، الَّتِي اِسْتَمَرَّتْ عَلَى مَدَى يَوْمِي الثُّلَاَثَاء والإربعاءالموافق لِ 16و17فبراير /شُبَاط 2021، بِحُضُورِ الْمَبْعُوثِ الْأُمَمِيِّ الخاصِ إِلَى سُورِيَّةِ غِيرِ بيدرسون، وَمُشَارَكَةِ وَفْدَيِّ الْحُكُومَةِ السُّورِيَّةِ وَالْمُعَارَضَةِ، وَالدُّوَلَ الضَّامِنَةِ(رُوسِيا وَ إيران وَتُرْكيا( وَالْمُرَاقِبَةِ، وَمُقَاطَعَةٍ أَمْرِيكِيَّةٍ لِلْمُحَادَثَاتِ.
وَفِي خِتَامِ الْجَوْلَةِ الْخَامسَةِ عَشَرَة مِنَ الْمُفَاوَضَاتِ بِ “صِيغَةِ أَسْتَّانَا “حَوْلَ تَسْوِيَةِ الْأَزْمَةِ السُّورِيَّةِ، صَدَرَعنْهَا بَيَانٌ مُشْتَرَكٌ شَدَّدَتْ فِيهِ الدُّوَلُ الثلاث(رُوسِيّا وَ إيران وَتُرْكيا( فِي مُسْتَهَلِّهِ عَلَى تَمَسُّكِهَا الثَّابِتِ بِاِسْتِقْلَالِ سُورِيَّةِ وَوَحْدَةِ أَرَاضِيِهَا ،وَكَذَلِكَ الْأَهْدَافِ وَالْمَبَادِئِ الْمَطْرُوحَةِ فِي مِيثَاقِ الْأُمَمِ الْمُتَّحِدَةِ، مُؤَكِّدَةً عَلَى ضَرُورَةِ اِحْتِرَامِ وَتَطْبِيقِ هَذِهِ الْمَبَادِئِ مِنْ قِبَلِ جَمِيعِ الْأَطْرَافِ.
رفض المخططات الانفصالية في سورية وإدانة الإعتداءات الإسرائيلية
وأبدت الدول الثلاث عزمها على محاربة الإرهاب بكافة أشكاله ومواجهة المخططات الانفصالية الرامية إلى تقويض سيادة سوريا ووحدتها الترابية والتي تهدد أمن الدول المجاورة القومي.
وأشار البيان إلى أنَّ الدول الضامنة بحثت مستجدات الوضع في شمال شرقي سورية واتفقت على أنَّه لا يمكن إحلال الأمن والاستقرار طويلي الأمد في المنطقة إلا استنادًا إلى أساس الحفاظ على سيادة سورية ووحدة أراضيها.
ورفض البيان المشترك “جميع محاولات فرض وقائع جديدة على الأرض، بما في ذلك كمبادرات غير قانونية لإعلان الحكم الذاتي تحت ذريعة محاربة الإرهاب”، مبدية عزمها على مواجهة “المخططات الانفصالية في شرقي الفرات التي تهدف إلى تقويض وحدة سورية وتُهَدِّدُ أمنَ الدول المجاورة القومي”.
وأعربت الدول الضامنة في هذا الصدد عن قلقها إزاء تفعيل الأعمال القتالية الموجهة ضد السكان المدنيين في شمال شرقي سورية، مُجَدِّدَةً رفضها للاستيلاء على العائدات النفطية التابعة بموجب القانون للجمهورية العربية السورية وتسليمها إلى أطرافٍ أُخْرَى.
رفض التدخل الخارجي في عمل اللجنة الدستورية السورية
وجددت الدول الثلاث الضامنة لـ”صيغة أستانا” في البيان الختامي تصميمها على “دعم عمل اللجنة من خلال التفاعل المستمر مع الأطراف السورية وأعضاء اللجنة الدستورية والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسن كميسر لضمان عملها المستدام والفعال”.
وقال البيان إن ممثلي إيران وروسيا وتركيا “أعربوا عن قناعتهم بأن اللجنة يجب أن تسترشد في عملها بالسعي للتوصل إلى حل وسط والتفاعل البناء دون تدخلات خارجية وفرض مواعيد نهائية من الخارج، من أجل تحقيق توافق بين أعضائها”.
هل أصبح مسار أستانة بديلاً لمسار جنيف
أنشأت روسيا مسار أستانة في 23 يناير/كانون الثاني من عام 2017، كمسار عسكري،بعد تحرير مدينة حلب في نهاية 2016 ،وبداية تغير موازين القوى العسكرية على الميدان لمصلحة الجيش العربي السوري وحلفائه، عقب تدخل روسيا العسكري إلى جانب الدولة الوطنية السورية ،وشاركت في هذا المسار كل من إيران وتركيا، لا سيما بعد تدخل الأخيرة عسكرياً شمالي البلاد من خلال عدد من العمليات العسكرية.
وكان هذا المسار يستهدف تخفيف التوتر في سورية، ومراقبة اتفاق وقف إطلاق النار،والبحث في قضايا إنسانية، منها المناطق المحاصرة، وملف المعتقلين، وفي الجولة الرابعة من المفاوضات التي عُقدت في مايو/أيار من عام 2017،تم الاتفاق على مناطق خفض التوتر الأربع،وهي محافظة إدلب ومناطق في ريف اللاذقية وريف حلب الغربي، وريف حمص الشمالي، ومنطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق، إضافة إلى المنطقة الجنوبية في سورية.
لقد حقق هذا الاتفاق الأرضية لدخول القوات الحكومية السورية في عملية عسكرية مستمرة إلى اليوم مكَّنتها من تحقيق تقدم كبير وواسع في بسط سيطرتها على الأراضي السورية ،بعد أن خسرت التنظيمات الإرهابية والتكفيرية مساحات كبيرة من السيطرة نتيجة قدرة الجيش العربي السوري بمساعدة حلفائه من تحقيق انتصارات كبيرة في سنة 2018، ولم يبق من هذه المناطق سوى “منطقة خفض التصعيد الرابعة” (إدلب وما حولها). كمادعمت روسيا قوات الجيش العربي السوري لتحرير جزء كبير من منطقة خفض التصعيد الرابعة (إدلب وما حولها)، قبل توقف المعارك بداية مارس/آذار من العام2020.
أوساط المعارضة السورية المستقوية بالأطراف الإقليمية والدولية، ولاسيما تركيا والمملكة السعودية وأمريكا ترى في مسار أستانة الذي تأسس بجهود روسية، ومشاركة إيران وتركيا، بأنه أبعد حل الأزمة السورية عن أروقة الأمم المتحدة ومسار جنيف التفاوضي الذي تأسس بدوره بناء على قرار مجلس الأمن الدولي 2254 في نهاية سنة 2015.
تقول المعارضة السورية أنَّ الدول الثلاث الضامنة لتفاهمات مسار أستانة(روسيا و إيران وتركيا) فشلت في حماية ما كانوا يتفقون عليه، بل إن الجانبين الروسي والإيراني ذهبا إلى حدّ
تجميد مسار جينيف الأممي لإيجاد تسوية للأزمة السورية ، لصالح إنعاش مسار أستانة الذي جرّد المعارضة السورية من كل أوراق القوة التي كانت تمتلكها، ومهّد هذا المسار الطريق أمام قوات النظام لاستعادة السيطرة على مساحات واسعة من الجغرافيا السورية.
المعارضة السورية غير واقعية
تريد المعارضة السورية من خلال المسار التفاوضي في جنيف ،أَنْ يُعَبِّدَ لها الطريق مَفْرُوشًا بالورود لكيْ تُسْقِطَ الدولة الوطنية السورية وتَسْتَلِمَ السلطة ،بالاعتماد ليس على قواتها الذاتية الشعبية والعسكرية في الداخل السوري، فهذا الأمرغير موجودٍ،بل بالاعتماد على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والمتكون من المملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني،وتركيا،والذي يستخدم رموزالتطرف والإرهاب و التكفير،من تنظيمات “داعش” و”جبهة النصرة”وملحقاتهما،كأدوات لتحقيق مخططه في سورية.
وكان مصير الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية التي عقدت بجنيف في شهر يناير/ كانون الثاني 2021،الفشل الذريع،بسبب الانقسام العميق بين خطاب الوفد الحكومي الرسمي الذي يفهم أن البلاد لا تستطيع أن تبقى جامدة بعد عشرسنوات من الحرب،وأن التكيف من خلال الإصلاحات السياسية العميقة أصبح ضروريًا،وخطاب المعارضة الذي لا يتسم بالواقعية السياسية،لا سيما في ظل تمسكه ببيان جنيف 1،الصادرفي شهر حزيران 2012،وكان صيغة وسطًا بين القوى الدولية المنخرطة في الأزمة السورية،فلم يعكس توافقًا بقدر ما أتاح ثغرات تتيح لكل طرف التحلل من الالتزام بأية تسوية ممكنة.
وسيزور المبعوث الأممي غير بيدرسن دمشق في 21 فبراير/ شباط الجاري لمدة يومين”، للبحث عن طرق جديدة لإقناع الحكومة السورية التي حملها مسؤولية الفشل لمفاوضات جنيف، للتعاطي بطريقة مرنة مع العملية السياسية والعودة إلى طاولة المفاوضات في مدينة جنيف حول الدستور.وترى روسيا أنَّ الحلَّ في سورية يظل قائمًا على بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة انطلاقاً من مسار أستانة الذي خلق حقائق على الأرض بات من الصعب تخطيه في أيّ حلول مستقبلية للقضية السورية.
الوقائع تشير إلى أنَّ الدولة الوطنية السورية لم تعد معنيةً بالمسعى الأممي في جنيف،لأنه منذ بداية مسار أستانة عام 2017، شهدت الأزمة السورية تحولاً استراتيجيًا في مسار الحرب بالانتصار الذي حققه الجيش العربي السوري وحلفاؤه من خلال تحرير مدينة حلب، ثم جاءعام 2018، لتلحق الدولة الوطنية السورية ومعها روسيا و إيران هزيمة كبيرة للتنظيمات الإرهابية التكفيرية،لا سيما تنظيم “داعش”الإرهابي الذي دحر من سورية،وبالتالي هزيمة للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة التي كانت تعتمد على الكيان الصهيوني والمملكة العربية السعودية وتركيا وقطر،من أجل تغيير النظام في سورية، ثم تقسيم سورية إلى دويلات على أساس طائفي ومذهي و إثني-عرقي.
وكان تدشين مسار أستانة تعبيرًا عن تغير موازين القوى العسكرية والسياسية في سورية لمصلحة الدولة الوطنية، بحيث تكون أستانة تمهيدًا لتسوية واسعة في جنيف،وفق الرؤية الروسية،التي ترى أنَّ الْمَخْرَجَ الْحَقِّيقِيَّ للأزمة السورية يقوم على أساس الْحَلِّ السياسيِّ، عبر إلغاء الجدول الزمني، بحيث تبدأ المرحلة الانتقالية بكتابة دستور جديد بدلاً من تشكيل هيئة للحكم الانتقالي،والإبقاء على صلاحيات رئيس الجمهورية،وبعدها تجري انتخابات في منتصف سنة 2021وفق دستور العام 2012،ثم تأتي على أساسها الحكومة الانتقالية.فذلك يعني أنَّ روسيااختارت في كل الأحوال،استمرار الرئيس الأسد في حملته الانتخابية،والمضى في إجراء الانتخابات الرئاسية،والبحث عن بدائل لإقناع أمريكا بشأن تخفيف العقوبات على النظام، والسماح بتدفق بعض الأموال لاستثمارها في عملية إعادة الإعمار.
من وجهة نظر المحللين العرب و حتى الغربيين،لن يَخْرُجَ مسارمفاوضات جنيف بنتائج إيجابية لمصلحة تحقيق اختراقٍ مُهِّمٍ ،يُسْهِمُ في إيجادِ حلٍّ سياسيٍّ للأزمة السورية،والسبب في ذلك يتلخّص في تمسك المعارضة السورية بأهداب رغبات طفولية لا سياسية، من دون أن تمتلك ماهية النضج السياسي والعقلانية السياسية. فالمعارضة ترفض الابتعاد عن المجموعات المتطرفة،وخصوصاً “هيئة تحرير الشام” وغيرها من المنظمات المصنفة إرهابية في منطقة خفض التصعيد في إدلب التي تُسَيْطِرُفِعْلِياً في الوقت الحالي على المنطقة بحكم حماية الاحتلال التركي لها،وتُعَطِّلُ تنفيذ الاتفاقات الروسية التركية لاستقرار الأوضاع على خطوط التماس،ولا تسعى (المعارضة) إلى أخذ هذا الموضوع على عاتقها، وتُحَرِّرَ هذه المنطقة من المنظمات الإرهابية.
فهذه المعارضة الطفولية لا تزال تراهن على دورلتر كيا،والمملكة السعودية، في حين أنّ هذه الأخيرة تعاني الآن من أزمة كبيرة ،داخلية و إقليمية،وهي ذاتها خرجت بصورة كبيرة من اللعبة،وأنّ الاعتماد عليها لم يعد مجديًا، خاصة بعد مجىء إدارة جديدة في البيت الأبيض بقيادة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
أمريكا لا تريد التسوية السياسية في سورية
تُوَاجِهُ رُوسِيَّا مُعَارَضَةَ أَمْرِيكَا الَّتِي رَفَضَتْ حُضُورَالْجَوْلَةِ الْحَالِيَّةِ مِنْ صِيغَةِ أَستَانَة.
وَيَبْدُو أَنَّ واشنطن لَا تَزَالُ مُصِرَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَسَارَّ الْأُمَمِيَّ هُوَ الْمَعْنِيّ بإيجاد حُلُولٍ لِلْقَضِيَّةِ السُّورِيَّةِ وِفْقَ قَرَارَاتِ مَجْلِسِ الْأَمْنِ الدَّوْلِيِّ ذَاتُ الصِّلَةِ،وَأَبْرَزَهَا الْقَرَار 2254
.وَتَرَى رُوسِيَا أَنَّ عَقْدَ الْجَوْلَةِ 15 مِنْ مَسَارِ أَستَانَة،هُوَ لِلتَّأْكِيدِ بِأَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ،وَهْوَ الْوَحِيدُ الْفَعَّالُ،فِي مُحَاوَلَةٍ مِنْهَا لِفَرْضِ وَاقِعِ مُعَيَّنٍ عَلَى الْإِدَارَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ الْجَدِيدَةِ قَبْلَ تَعَاطَيِ الْأَخِيرَةَ مَعَ الْأَزْمَةِ السُّورِيَّةِ.
رَغْمُ مُرُورِ شَهْرِ كَامِلٍ عَلَى وُصُولِهِ إِلَى السُّلْطَةِ فِي واشنطن، فَإِنَّ الرَّئِيسَ الْأَمْرِيكِيَّ الْجَدِيدَ جُو بايدن لَمْ يُدْلِ بِأَيِّ تَصْرِيحٍ بِشَأْنِ الْأَزْمَةِ السُّورِيَّةِ، لَكِنَّهُ مَنِ الْوَاضِحِ أَنَّهُ سَيَسْتَمِرُّ فِي نَهْجِ استراتيجية الْخَنْقِ الْاِقْتِصَادِيِّ الْمَفْرُوضَةِ عَلَى سُورِيَّة مُنْذُ عَامِ 2011، إِذْ تَسْتَخْدِمُ الْوِلَاَيَاتُ الْمُتَّحِدَةُ سِلَاَحَ الْعُقُوبَاتِ كَأدَاةِ ضَغْطٍ عَلَى الْحُكُومَةِ السُورِيَّةِ، لِدَفْعِهَا بِاِتِّجَاهِ حَلٍّ سِيَاسِيٍّ،وَمَنْعِ تَدَفُّقِ الْاِسْتِثْمَارَاتِ الْمَالِيَّةِ لِإِعَادَةِ إعْمَارِ الْبِلَادِ الَّذِي تَبْلُغِ تَكْلِفَتُهُ أَكْثَرَ مَنْ 500 مِلْيَارِ دُولَارٍ.
وَيَرَى الْخُبَرَاءُ الْعَارِفُونَ بِالسِّيَاسَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ أَنَّ الرَّئِيسَ بايدن أَسَهْمَ فِي صَوْغِ الْعُقُوبَاتِ عَلَى الْعِرَاقِ بَيْنَ سنواتِ 1991و2003، عَنْدَمَا كَانَ عُضْوًا فِي مَجْلِسِ الشُّيُوخِ، وَالَّتِي أَدَّتْ إِلَى تَدْمِيرِ الْمُجْتَمَعِ الْعِرَاقِيِّ،وَبالتالي سَيَسْتَمِرُّ فِي اِتِّبَاعِ السِّيَاسَةِ عَيْنِهَا لِتَدْمِيِرِ مَا تَبَقَّى مِنَ الْمُجْتَمَعِ السُّورِيِّ عَبْرَ اِسْتِمْرَارِ فَرْضِ الْعُقُوبَاتِ عَلَى سُورِيَّة، التي َلَنْ يَتِمَّ رَفْعُهَا إِلَّا إِذَا قَبَّلَتْ الدَّوْلَةالْوَطَنِيَّةَ السُّورِيَّة بِفَتْحِ أوتوسترادٍ عَرِيضٍ بَيْنَ دِمَشْقِ وَتَلِّ أبيب، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْمُحَالِ فِي ظَلِّ قِيَادَةِ الرَّئِيسِ بِشَار الْأَسَدِ لِهَذِهِ الدَّوْلَةِ.
وَكَمَا هُوَ مَعْلُومٌ تَحْتَلُّ الْوِلَاَيَاتُ الْمُتَّحِدَةُ جزءًا أساسيًا مِنْ شَمَالِ شَرْقِ سُورِيَّة، وَهِي الْمِنْطَقَةُ الْغَنِيَّةُ جِدًّا بالثرواتِ الطَّبِيعِيَّةِ) النَّفْط وَالْغَاز وَالفوسفاط، وَالْمَاء)،وَتُنْتِجُ الْكَمِّيَاتُ الْكَبِيرَةُ مِنَ الْقَمْحِ(مِنْ 3 إِلَى 4 ملايين طُنٍ)،حَيْثُ تَتَمَرْكَزُ قُوَّاتٌ أَمْرِيكِيَّةٌ قِوَامُهَا 2000جندِيٍّ، بِشَكْلٍ دَائِمٍ أَوْ مُؤقَتٍ، فِي مَنَاطِقِ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ سُورِيَّة، مِنْ شَرْقِ وَ شَمَال سُورِيَّة، تَحْتَوِي عَلَى حُقُولٍ نَفْطِيَّةٍ وَغَازِيَّةٍ مُهِمَّةٍ، وَاقِعَةٍ تَحْتَ سَيْطَرَةِ مَا يُعْرَفُ ب “قُوَّاتٍ سُورِيَّةٍ الدِّيمُقْرَاطِيَّة)”قسد40000عسكرِي).
وَقَدْ وَتَأَثَّرَ الْقِطَاعُ النَّفْطِيُّ السُّورِيُّ بِالْحَرْبِ الْجَارِيَةِ مُنْذُ عَامِ 2011، وَبَلَغَتْ خَسَائِرُهُ أَكْثَرَ مَنْ 62 مِلْيَارِ دُولَار، بِحَسْبِ بَيَانَاتِ وِزَارَةِ النَّفْطِ السُّورِيَّةِ.وَكَانَتْ سُورِيَّةٌ تُنْتِجُ قَبْلَ الْحَرْبِ حَوَالِيَّ 380 أَلْفِ بِرْمِيلَ يَوْميًا، وَلَمْ تَعُدْ الآن فِي ظَلَّ الْحَرْبِ الْاِقْتِصَادِيَّةُ الَّتِي تَشُنُّهَا الإمبريالية الْأَمْرِيكِيَّة عَلَيْهَا، تَجِدْ الْبَنْزِين وَالْمَازُوت وَالْغَاز وَ الْكَهْرَبَاء، لِتَأْمِينٍ أَقَلِّ بكثيرٍمِنَ الْحَدِّ الْأَدْنَى مِنْ سَيْرورَةِ الْحَيَاةِ الْاِقْتِصَادِيَّةِ وَالْاِجْتِمَاعِيَّةِ فِي الْبِلَادِ.
فِي الْبَدْءِ اِتَّخَذَ الْوُجُودُ الْعَسْكَرِيُّ الْأَمْرِيكِيُّ فِي سُورِيَّةُ) عَلَى الرَّغْمِ مِنَ اِفْتِقَارِهِ لِلشَّرْعِيَّةِ( مِنَ الْحَرْبِ عَلَى دَاعِش ذَريعَةً لَهُ، لَكِنَّهُ تَحَوَّلَ فِيمَا بَعْدَ مِنْ مُحَارَبَةِ دَاعِش إِلَى مُوَاجَهَةِ إيران فِي سُورِيَّة، وَمُنْذُ الْبِدَايَةِ بَدَا هَذَا التَّحَوُّلُ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْاِسْتِمْرَارِ وَذَلِكَ لِعِدَّةِ أَسْبَابٍ، أَهَمُّهَا أَنَّ وُجُودَ أُلْفِيَّ جُنْدِي أمريكي فِي بِيئَةِ شَاسِعَةِ وَمُعَادِيَّةٍ كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي شَمَالَ شَرْقِيِّ سُورِيَّة لَمْ يُفْضِ الْبَتَّةُ إِلَى كَسْرِ التَّعَاوُنِ الْوَثِيقِ الْمُسْتَمِرِّ مُنْذُ أَمَدٍ طَوِيلٍ بَيْنَ سُورِيَّةُ وإيران، فَضْلًا عَنْ أَنَّهُ لَمْ يَقُدْ إِلَى لُجْمِ الْمُصَالِحِ التَّرْكِيَّةِ وَالسُّورِيَّةِ وَالْعِرَاقِيَّةِ الَّتِي تَرْمِي إِلَى إِحْبَاطِ الطَّمُوحَاتِ الْكُرْدِيَّةِ فِي الْاِسْتِقْلَالِ.
وَيَبْدُو أَنَّ أَوْلَوِيَّةَ الرَّئِيسِ بايدن فِي مِنْطَقَةِ الشَّرْقِ الْأوْسَطِ الْآنَ هِي إنْهَاءُ الْحَرْبِ فِي الْيَمَنِ، نَظَرًا إِلَى الْوَضْعِ الْإِنْسَانِيِّ الْكَارِثِيِّ فِي هَذَا الْبَلَدِ، وَاِسْتِخْدَامِ مَلَفِّيِّ الْيَمَنِ وَ سُورِيَّة، لِإقْنَاعِ إيران بِالْعَوْدَةِ إِلَى طَاوِلَةِ الْمُفَاوَضَاتِ، أَمَلًا فِي الْوُصُولِ مَعَهَا إِلَى تَسْوِيَةٍ تُعْفِيهِ مِنَ التَّوَرُّطِ فِي أَزْمَةِ جَديدَةٍ فِي الْمِنْطَقَةِ.
وما يؤكد هذا التوجه من جانب الرئيس بايدن، محاولة قطر مجددا إعادة إحياء جهود الوساطة بين واشنطن وطهران، تلك المحادثات السرية التي قادتها سلطنة عمان بين سنتي 2012 و 2013،ونجحت بالتوصل لتوقيع الاتفاق النووي في عهد الرئيس باراك أوباما في سنة 2015، وتم لاحقا انسحاب واشنطن منه بعهد الرئيس السابق دونالد ترامب في سنة 2018.
وفي هذا السياق ،تحدث وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الأسبوع الماضي، مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، والمبعوث الأمريكي الخاص بإيران، روبير مالي، لكي يلعب دور الوساطة بين إيران و أمريكا بحسب موقع أكسيوس الأمريكي، وقام بزيارة إلى طهران يوم الإثنين الماضي، التقى خلالها الوزير القطري بالرئيس الإيراني حسن روحاني، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، لمناقشة إمكانية إعادة التواصل مع إدارة بايدن. كما أعطى روحاني رسالة من أمير قطر.
وقال روحاني حينها لـ”آل ثاني” إن إيران “لن تنفذ بالكامل التزاماتها بموجب الاتفاق النووي إلا بعد أن ترفع الولايات المتحدة جميع العقوبات المتعلقة بالمجال النووي التي فرضتها إدارة ترامب”، وفقًا لوسائل إعلام إيرانية.بينما أكد آل ثاني لروحاني أنه يأمل في أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات وتعود إلى الاتفاق، مضيفا أن قطر ستحاول المساعدة في تحقيق ذلك.
وأشار الموقع الأمريكي إلى أنه على عكس عام 2012، يعرف الكثيرون في إدارة بايدن نظراءهم الإيرانيين وكيفية الاتصال بهم، لذلك قد لا تكون التسهيلات القطرية ضرورية في المراحل الأولى.