اغنية “انا قلبي إليك ميال” تدفع عبد الوهاب للبحث عن فايزة احمد

 

ذات ليلة من ليالي صيف ١٩٥٦، اتصلت مطربة قادمة من سوريا بمنزل موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب أكثر من مرة، وفي كل مرة كان السفرجي يقول لها الأستاذ مش موجود، الأستاذ نايم، الأستاذ في الحمام.

لم تيأس المطربة الجديدة وعاودت الاتصال ليرد عليها عبدالوهاب بنفسه بهتافه التقليدي: هالو.. وسمع عبد الوهاب صوتا نسائيا يتحدث باللهجة السورية المحبوبة، وقدمت المتحدثة نفسها لعبدالوهاب في كلمتين، فقالت إنها مطربة جديدة وترغب في أن تسمعك صوتها.

وعبدالوهاب ضعيف أمام الأصوات الجديدة، والألحان الجديدة، والاموال الجديدة، فدعاها لزيارته في بيته، فانطلقت المطربة السورية الجديدة إلى بيته فورا .

وكانت فايزة أحمد حبلى بجنين في الشهر الثامن عندما رآها عبد الوهاب لأول مرة، ولم تضيع فايزة أحمد وقتا وغنت له لحنه المشهور “كل ده كان ليه”.

وعندما انتهت فايزة أحمد من الغناء قال لها عبدالوهاب: أنت دلوقت حامل

فقالت فايزة: وماله..

– لما تخلفي وترجعي أنا مستعد اتفق معاكي.

– أعمل لي عقد..

– دلوقتي مش ممكن

– مش ممكن ليه؟

– إزاي تغني وأنت حامل؟!

– أنا مستعدة اغنيلك مجانا.. أنا عاوزة اشتغل معاك ببلاش.

– الحكاية مش حكاية فلوس، المهم أنك تلتفتي لصحتك، ولما تولدي وتتحسن صحتك أنا مستعد ألحن لك.

فقدت فايزة أحمد الأمل وخرجت من بيت عبدالوهاب وهي تعتقد أن صوتها لم يعجبه، وعادت إلى الفندق المتواضع الذي كانت تقيم فيه، بعد أن يئست تماما.

وفي هذا التوقيت كان الملحن المشهور محمد الموجي يحتفل بعيد ميلاد زوجته المطربة أحلام.. واراد أن يهيدها لحنا جميلا.

والموجي فنان مفلس دائما ومصروفه أكثر من دخله، والهدية الوحيدة الثمينة التي لا تكلفه شيئا هي اللحن الجميل.

وفتش الموجي في رأسه فلم يجد أجمل من لحن “أنا قلبي إليك ميال”، واستمعت أحلام زوجته إلى اللحن، وقالت أنه “بايخ جدا”.

اغتاظ الموجي وضغط على أسنانه بشده، وقرر أن يقدم هذا اللحن لأول مطربة تصادفه في الطريق.

وفي اليوم التالي ذهب إلى نقابة الموسيقيين، فقدموا إليه المطربة الجديدة القادمة من سوريا، وطلب الموجي منها أن تغني شئيا فغنت له “كل ده كان ليه” لعبدالوهاب، ولم تكد تنتهي حتى سألها الموجي: ما اسمك؟

قالت: فايزة أحمد

فتناول الموجي العود وأخذ يردد على مسامعها لحنه الجديد.. أنا قلبي إليك ميال ومفيش غيرك ع البال

ولم ينته الموجي من غناء الجزء الأول من الأغنية، حتى انطلق صوت فايزة أحمد بغناء اللحن.

وفي اليوم التالي أخذها الموجي إلى ستوديوهات الإذاعة، لتسجيل أغنية “أنا قلبي إليك ميال”..

عادت فايزة أحمد إلى دمشق وانجبت الطفلة التي ماتت، ثم سافرت إلى بيروت وهي لا تدري شيئا عن مصير اللحن الذي سجلته لإذاعة القاهرة من تلحين الموجي.

كان هذا اللحن يذاع من القاهرة بين الحين والآخر.. وفي بداية عام ١٩٥٧ كان المخرج السينمائي حسين فوزي يستعد لإخراج فيلم عن الغجر للراقصة نعيمة عاطف، وهو فيلم “تمر حنة”.

مثلت فايزة أحمد في هذا الفيلم، وغنت “يامه القمر ع الباب”، كما غنت أيضا أغنية كانت تذاع في التليفزيون المصري باستمرار:

يا تمر حنة .. يا تمر حنة
خليتي بينا وبعدتي عنا
الورد كله كسا الجناين
واشمعنى أنتي اللي شاردة منا
يا تمر حنة .. يا تمر حنة

بعدها لمعت فايزة أحمد في القاهرة، وسعى إليها عبدالوهاب في هذه المرة لتغني من ألحانه “حمال الأسية”، و”ست الحبايب”.

وهكذا ، بعدما كانت فايزة تشتهي أن ترى سطرا واحدا منشورا عنها في اصغر الصحف، باتت كل الصحف والمجلات تنشر أنباءها وصورها في الأمكنة البارزة من صفحاتها.. وسبحان مغير الاحوال!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى