انهم يسرقون التاريخ.. الاحتلال يسعى لسرقته قصر الحاج امين الحسيني في القدس وتحويله الى كنيس يهودي

على مساحة 500 متر مربع في حي الشيخ جراح وسط القدس المحتلة، يقع قصر المفتي الحاج أمين الحسيني، وتسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي وجمعية “عطيرت كوهانيم” الاستيطانية لوضع يدها بالكامل عليه، لتحويله إلى كنيس يهودي يُغير من معالمه التاريخية.

والمفتي الحسيني كان يعتبر أحد أبرز القيادات الوطنية والدينية الفلسطينية بالقدس في القرن العشرين، وأشهر من تولى منصب الإفتاء في فلسطين، بالتزامن مع كونه رئيس المجلس الإسلامي الأعلى ورئيس العلماء.

في العام 1930، شيّد المفتي منزلاً في حي الشيخ جراح واتخذه مقرًا له، لكنه لم يتمكن من الإقامة فيه بسبب مطاردته من قوات الاحتلال البريطاني.

وبعد 30 عامًا، اشترت شركة فلسطينية المنزل من عائلة الحسيني، وأقامت إلى جانبه “فندق شبرد” ذا الطراز المعماري القديم، قبل أن يتم مصادرته عند احتلال القدس من خلال قانون ما يسمى “أملاك الغائبين”، ثم حُولت ملكيته إلى شركة إسرائيلية باعته للمليونير الأميركيّ اليهودي الأصل موسكوفيتش بطرق ملتوية عام 1985.

وقبل عشر سنوات، هدمت سلطات الاحتلال فندق “شبرد” في باحة القصر، وأقامت 28 وحدة استيطانية على أنقاضه جاهزة للسكن، لكنها أبقته مهجورًا حتى الآن دون أن تنقل مستوطنين إليه.

وتخطط جمعية “عطيريت كوهانيم”، بعد 47 عامًا على وفاة المفتي الحسيني في بيروت، لتحويل قصره إلى كنيس يهودي، ومضاعفة عدد الوحدات الاستيطانية في محيطه إلى 56 وحدة.

ونقلت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية عن المتحدث باسم “عطيرت كوهانيم” دانيال لوريا قوله: إنه” سيتم الحفاظ على المنزل التاريخي الواقع في قلب الموقع وإعادة استخدامه لتلبية الاحتياجات المجتمعية، بما في ذلك كنيس، وربما مركز رعاية نهارية”.

وأضاف أن “السبب في عدم اكتمال الحي الجديد، وفي الواقع لم يتم تسويقه في السنوات العشر التي انقضت منذ بدء الهدم والبناء، هو أن المطورين تقدموا بطلب لإعادة تقسيم الموقع الذي تبلغ مساحته 5.2 دونم لمضاعفة عدد الوحدات إلى 56″، لافتًا إلى أن المخطط الأصلي للمنطقة كان يهدف لإقامة 70 وحدة استيطانية.

حزام استيطاني

يقول المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب إن سلطات الاحتلال استولت على قصر المفتي الحسيني وأعطت إدارته لجمعية “عطيريت كوهانيم”، التي أنشأت لأجل الاستيلاء على المنازل المقدسية وطرد أصحابها منها.

ويوضح أبو دياب لوكالة “صفا” أن تلك الجمعية أقامت منذ عدة سنوات، أكثر من 24 وحدة استيطانية على أنقاض الأرض لصالح المستوطنين.

واليوم تعتزم بناء أكبر كنيس يهودي بالمنطقة، ووصله بالمنازل التي سيتم الاستيلاء عليها مع منطقة الجامعة العبرية والتلة الفرنسية، وصولًا لإحاطة البلدة القديمة بحزام استيطاني وإغلاق المنطقة الشمالية منها، تمهيدًا لإحلال المستوطنين مكان السكان الفلسطينيين بالمنطقة.

وعلى بعد أمتار من قصر المفتي، يقع مركز قيادة شرطة الاحتلال وما تسمى بـ “حرس الحدود”، ووزارة العدل الإسرائيلية، ما يعني أن المنطقة محاطة بالعديد من المراكز العسكرية الاحتلالية، والتي سيتم ربطها بوحدات استيطانية.

ويضيف أبو دياب أن سلطات الاحتلال تريد بذلك، إثبات أن “الجزء الشرقي من القدس جزءًا لا يتجزأ من “إسرائيل”، وأنها العاصمة الموحدة لها”، في مخالفة واضحة للقانون الدولي.

ويعتبر مخطط تحويل القصر إلى كنيس بأنه يمثل استهدافًا واضحًا لأحد رموز القدس، ومسح لبصماته الوطنية، وضرب لدوره الطويل في النضال الفلسطيني، بالإضافة إلى تغيير وجه المدينة الحضاري، وفرض وقائع جديدة على الأرض، خاصة أن هذه الأيام تشهد زيادة في الاستيطان والمستوطنين بالمدينة.

ويؤكد أن بنيامين نتنياهو يريد أن تكون 2021، سنة حسم للقدس عن طريق أذرع التهويد الاستيطانية، فهو يستبق إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتغيير الوقائع بالمدينة، وزيادة الاستيطان، والاستيلاء على منازل المقدسيين.

ويعتبر حي الشيخ جراح الأكثر استهدافًا بالقدس بالاستيطان وإخطارات التهجير القسري، ومحاولات الاحتلال للاستيلاء على منازل المقدسيين بالحي لصالح إحلال المستوطنين مكانهم.

ومنذ بداية السّبعينات، تحاول الجمعيات الاستيطانيّة ما تسميه “استعادة ملكية” العقارات التي كانت تسكنها عائلات يهودية قبل النكبة الفلسطينية عام 1948، رغم أنها ادعاءات باطلة مشكوك في أمرها، لكنها تستخدم تلك الحيل لتهويد القدس والاستيطان فيها.

استهداف لرموز القدس

وأما رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي، فيرى أن تحويل قصر المفتي إلى كنيس يشكل استهدافًا للرموز الوطنية، واستكمالًا لفرض السيادة الإسرائيلية على القدس.

ويشير في حديثه لوكالة “صفا” إلى أن الاحتلال صادر منذ زمن طويل، القصر وهدم جزءًا كبيرًا منه، وهو يريد أن يثبت أنه المسيطر في المكان، لذلك يريد مضاعفة الاستيطان فيه.

ويوضح أن الاحتلال يسعى لاستكمال قضية تغيير الواقع القانوني والتاريخي للقدس، وتحويلها عاصمة لليهود، وهناك تسريع في عملية تغيير وجهها الحضاري، بما ينبئ بحدوث قفزات نوعية في طبيعة الحياة فيها وتعامل الاحتلال مع سكانها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى