الهرولة والتطبيع.. الفساد الاعظم
بقلم: د. زيد احمد المحيسن

كان العالم، عبر السياق التاريخي والحضاري والانساني، يجمع بين اللصوص والشرفاء..والمجرمين والضحايا والابرياء .. الاثرياء المتخمين والفقراء المعوزين – هكذا كانت سيرة من سبقونا من الامم والشعوب – ومازلنا على ذلك – فظل الفقر – مصدر العلل ومنبع الاثام – والمال والسلطة – خير مفسدة للانسان الجاهل – فالمال والسلطة – عكس الاصلاح – ومن اعتى انواع الفساد – ففساد السلطة والمسؤولين – اذا استشرى بين الناس – دمر الزرع والحرث – وكبر على الامة والاوطان اربع تكبيرات – فالعدالة الاجتماعية تصبح في خبر كان – لهذا لا يمكن لادوات الفساد ان تكون ادوات اصلاح جديدة – وكذلك لا يمكن للفاسدين ان يكونوا في يوم من الايام مصلحين .. فالفساد ثقافة وتربية ومبادىء هابطة – وكذلك الاصلاح – فهو قيم ومبادىء وتربية عالية – وشتان ما بين اليد العليا واليد السفلى.
ومن المؤكد ان اشد انواع الفساد هو الفساد الاخلاقي والقيمي – فاذا فسدت القيم والاخلاق والمبادىء فلا طمانينة بين الافراد ولا مجتمعات سوية تضمن الامن والطمانينة والعيش الكريم.. يقول احمد شوقي امير الشعراء في قصيدة “الديك والثعلب” كلاما معبرا وجميلا في هذا المقام..
بـَرَزَ الثعـــْـــلَبُ يوماً *** في شـِعـــار الواعـِظيـنا
فـَمـَشى في الأرضِ يـَهــْـدي *** ويـَســُـبُّ المـاكرينا
ويقول: الحـــَــــمـْد لله *** إلـــَـــه العالــــَــمينا
يا عـــِـــباد الله توبوا *** فـَهو كـَهـْف ُ التــائبينا
وازهـَدوا في الطـَيـْر إن الـ *** عـَيـْش عـَيـْشُ الزاهـِدينا
واطـْلـُبوا الديـــك يؤذن *** لصـَـلاة الصـُـبـْح فينا
فأتَى الديك َ رَســــُــولٌ *** مـِن إمــام الناســــكينا
عـَرَضَ الأمرَ عـَلـَيـْـهِ *** وهو يـَرجـــو أن يـَلينا
فأجـــــاب الديـكُ عـُذْراً *** يا أضــَـل المهـْتـَدينا
بـَلـِّـغ الثـَعـْلـَبَ عـَنـي *** عـَنْ جـُدودي الصالحـــينا
عن ذَوي التـِيجان مـِمـَّن *** دَخــَــلَ البـَطـْنَ اللعينا
إنهم قـــالوا وخـَيـْرُ الـ *** قـَوْلِ قـَـوْلُ العـــارفينا
” مـُخـْطـِئ ٌمـَنْ ظـَنّ يـَومـاً *** أنَ لِلثـَعـْـلَبِ ديـــنا “
ونحن بدورنا نقول مخطئ من ظن يوما ان الفاسد والخائن للوطن و للقيم والمبادىء الاخلاقية يمكن ان يصبح مصلحا اجتماعيا ومنظرا سياسيا وواعظا اخلاقيا الا في حال انسحاب الشرفاء والمخلصين والوطنيين من المشهد العام، وافساح المجال للتافهين والغلمان كي يعبثوا و يسيحوا في الميادين والمواقع والساحات، فتصبح شبكة الفساد في ديارنا العربية اكبر من شبكة الصرف الصحي في المدن الكبرى – وهذا هو القائم الان – و لكن مع كل هذا – ومن وجهة نظري – فان فساد الهرولة والتطبيع والسقوط الاخلاقي والقيمي مع العدو الصهيوني المحتل هو الفساد الذى مابعده فساد بل هو الفساد الاعظم الذي لايغتفر لا دنيا ولا ديناً !!!
البريد الإلكتروني: [email protected]