أخطاءٌ تاريخيّة ، و عثرات اجتماعيّة و سياسيّة

1▪︎ صحيحٌ أنّ عالم اليوم قائمٌ على النّهب و النّهب المتبادل في ما بين الدّول في العالم ، و كذلك في ما بين الشّعوب و الأفراد ، بطرق لا تُحصى لا يمكن لغير العقل الحادّ و الفضوليّ المعرفي أن يتصور بعضها أو يُدركَ برمجيّاتها العالميّة و المعاصرة ؛ و في ما يعرف الجميع بعضها الآخر الشّائع و المذلّ و المبتذل كتلك الأساليب المستعملة اليوم في ما بيننا في سورية ، في ” الدّولة ” و ” المجتمع ” ، بمهارات أصحابها الذئبيّة التي ، هي بالتّدرّب المستمرّ و اكتساب ” المهارات” الدّونيّة ، تتناهش الكثرة و” القلّة” ؛ و هذا بسبب تخاسر الآخرين منهم و انزلاقهم المتوالي في منظومة ” النهب ” الكونيّ و تهالكهم أمام القيم و الأخلاق ؛ بعيدا عن تلك ” القلّة “.. ممّن ترفّعوا عن الدّونيّات من التّكالبات المسعورات.
هذا أمرٌ هو أفظع ممّا يعرف نتائجه الكارثيّة جميع المتكلّمين ( الحكواتيين ) و الهزْليينَ من ” المهرّجين” الذين لفظهم ( أفلاطون ) من الدّول ( و المجتمعات ) ذات الأخلاقيّات السّياسيّة ..
من جهة استشراء ” الخطأ التّاريخيّ” المعاصر ، بصفة الفكر يستطيع الحكم على الحاضر دون أن يتورّط في وهم الحكم على الماضي أو المستقبل من التّاريخ ، لولا أنّ تراكم الماضي المستمرّ ناهباً حاضرَنا ، يسمح لنا بالحكم الواقعيّ على الماضي الذي رانَ و ما يزال يُنتج حاضراً مطابقاً له باستمرار ، ما يقوم به الحاضر من ” تغذية راجعة ” للماضي الّلصيق.
2▪︎ ربّما يقول ” الموضوعَويّون” إنّ ” الظّروف الموضوعيّة ” من الحرب و الخنق الدّوليّ هما سبب هذه الظّاهرة التي استشرت كسرطان خبيث ، اليومَ ، على نحو غير مسبوق ، بخاصّة في مجتمعنا العامّ و في “مجتمعنا السّياسيّ” في سورية..
وسيبقى الدوران في حلقة مفرغة ، يزداد اتساعا وعمقا ، طالما بقي القصور والتقصير في تصويب حيدانات العوامل الداخلية ، متلطيا وراء التحديات الخارجية ومتذرعا بها ..
فالتحديات الخارجية كانت وستبقى دائما ، تتموج بأشكال متباينة بين درجات عادية وناعمة من الحروب ، وصولا إلى درجات عليا وقاسية وفجة وفظة من الحروب .
و لكنّ هذا هو جزء فقط من الحقيقة ، بحيث يستثمرها ، أيضاً ، أولئك الذين يُنظّمون و ينتظمون هذه الظّاهرة التي تحوّلت عندنا إلى ثقافة عصر.
3▪︎ في الواقع ، فإنّ هذه الحالة المرضيّة التي بدأت تستعصي و تتفاقم حولنا ، هي إنتاج متبادل لقابليّات ” مجتمع قبَليّ” ( أعرابيّ ، ذي أصول شهيرة في تاريخ العرب و المسلمين ) يؤلّه ، في جذوره المطمورة تحت ثقافات الادّعاء و الكذب و النّفاق و النّهب و الافتراس و الثّأر و الانتقام ، المالَ ك ” طوطم ” بدائيّ ، من جهة ؛ و لتخلّفِ البناء التّشريعيّ و التنفيذيّ ، و همجيّةٍ أخلاقيّةٍ و استهتارٍ بالآخرين ، و خيانات لا تُضبط و ربمّا هي غير مفهومة في عمقها و دوافعها و أهدافها ، تلك التي ، معظمها و أكثر ، تشكّل الوشائجيّة الخفيّة لعلاقات بِنى و مؤسّسات الدّولة نفسها ، إذ أنّها تحيل ” الدّولة ” إلى كينونة عائمة فوق الأزمات و إلى رزقٍ داشر ، و هذا من جهة ثانية ، أخرى.
4▪︎ و إذا كان المجتمع أو ما يُسمّى بذلك ، هو الوسطُ الذي تؤول إليه جميع مُفرزات و معطيات ” القوانين ” المتخلّفة ( كالقوانين التي تحمي أمن الطعام و السّكن و المأوى ، و النقل ؛ و هذا مثال ) و مفرزات الممارسات الإداريّة و السّياسيّة للمجتمع السّياسيّ في منظومة الدّولة العامة من سلطات تشريعيّة و سلطات تنفيذيّة (حكوميّة) و سلطات قضائيّة ، و إعلامٍ مُتهدج و غَنوج بغنجٍ بدائيّ طفولي ..
إنّنا لا نستطيع بالاستنتاج و التّعليل أن ننظرّ إلى ” المجتمع ” كمجتمع ” خاطئ ” ، و إنّما علينا أن نسمّي مكمن ” الخطأ ” التاريخي في موقعه المصدّر للاستباحات السّياسيّة و الاجتماعيّة التي تستخف بالواجبات ، سواءٌ منها تلك التي تمكنت من الوصول إلى دائرة ” القرار ” السّياسيّ السّياديّ الأولويّ في مثل هذه الظّروف ، أو منها تلك التي تُدركْ بعد أو لم تصل إلى صيغة “القرار” ، و لأسباب غير معلّلة البتة ، و نشير إليه و نضبطه ضبط الفكر السياسيّ و “الأمن الوطنيّ” ، على أنّه يكمن مباشرة في خطأ المنظومة السّياسيّة ، المجتمع السّياسيّ ، أي : طليعة ” الدّولة ” ، بما هي الدّولة أكثر من مجرّد إقطاعات سياسيّة – اقتصاديّة – اجتماعيّة ، و ثقافيّة ، يرى بعض سدنتها في وظيفتها النّهب العلنيّ و الصّريح لروح السّاكنين المواطنين ، الذين يجري التعامل معهم ، وكأنهم أصبحوا اليوم مجرّد عبء على الغلاف الجويّ لأنهم يستهلكون فقط الهواء و يزفرون بِطُولِ إيقاعٍ “غاز الكربون”.
5▪︎ و بعد أن تحفّظنا كثيراً على مظاهر ” الخطأ الإداريّ – السّياسيّ ” ، فإنّ مثل هذا الخطاب النّقديّ ما يزال غير موجّه إلى الطّبقة السّياسيّة التي تشكّل طليعة “الدّولة” ؛ فهذا أمرٌ مفروغ منه ؛ بقدر ما هو موجّه إلى الاستراتيجيّات السّياسيّة و الاقتصاديّة و التّشريعيّة و الضّابطة للتبادلات المختلفة ، إذ أنها أثبتت و تثبت بالتّوالي أنّها ؛ و بإهمالها ل هذا المُناخ الذي يُعوِّمُ كلّ المقوّمات و المقدّرات و المُعطيات الواقعيّة فوقَ سطح الواقع في خياليّاته الحقيقيّة التي يمارسها و يعيشها ؛ تبدو وكأنّها ليست معنية بتحقيق أيّة درجة من درجات العدالة الاجتماعيّة و لو كان ذلك على المستوى اللفظي الكلامي ، الدّيماغوجيّ و التّملّقيّ لعواطف الفقراء الجائعين و المُشرّدين المعدَمين.
6▪︎ لقد أصبح الأمر يتجاوز مستوى الفوضى و الفساد ؛ فتلك عبارات متحوّلة و “متطوّرة” بشكل يوميّ إلى عبارات من مصفوفة لغوية أخرى كالقول إنّنا نعاصر اليوم واقعاً شاملاً من “السّرقة” الممنهجة و النّهب “المبرمج”، و ممارسات أقلّ ما سوف نسمّيها ضربٌ من “الثّأر التّاريخي” موجه لقوى إيجابيّة في قوام الدّولة وفي طليعتهم الجنود المقاتلون على الجبهات ، و نتائج “الحرب” العظيمة، و بقايا السّاكنين من النّساء و الرّجال الذين لا يزالون يطفون على موجة “القرار السّياسيّ” المفهوم و الضّمنيّ ، على رغم كلّ ما يُحيط به من مُخمّدات ، و الذي يُنتظر منه أن يشتدّ ، في ظروف الإحباط ، في قراراته الواقعيّة بالمقارنة مع ضرورات قسريّة عندما نَحسُب نتائج المحصول.
7▪︎ و ما لم تُحدّد “الأخطاء” في التّقديرات السّياسيّة العينيّة الآمرة ، و بخاصّة الكثيرين من المزايدين و المتآمرين و النّاهبين من أعداء المجتمع و الدّولة ، و الذين هم في قلب الهرم الحكوميّ و التشريعيّ و القضائيّ ، الفاشلينَ و العاملين ، عمدا أو جهلا أوإهمالا أو قصورا ، على إيجاد الهوّة وتعميقها مع ” الرّئيس ” ، بوصف ” الرّئاسة ” مؤسّسة بذاتها ؛ فإنّ الأخطاء يجري تحميلها إلى المؤسّسة السّياديّة العليا في نظر ” الجمهور ” الغفير.
8▪︎ و ما لم توضع الإجراءات السّياسيّة الاقتصاديّة التي هي مشاريع ناجزة و جاهزة عند ” البعض” – و الشّرفاء منهم – في سبيل اجتراح مآثر ” تشريعيّة ” و ” قضائيّة ” و ” حكوميّة ” و مؤسّساتيّة عامّة ، فإنّ ” الخطأ ” التاريخيّ سيجري تحميله للقُوة الآمرة التي يُحيل إليها جميع أبناء الطّبقة السّياسيّة الرّائجة في السّوق التّخريبيّ ، جميع أسباب الفشل الإداريّ و القياديّ في لحظة تاريخيّة تضاعف فيها الشّذوذ العينيّ الموصوف. .
وكلما تأخر ذلك ، أصبح المرض أكثر استشراء ، وأقل استجابة للعلاج الناجع .
9▪︎ و بهذا ستتحوّل جميع جرائم المجتمع المتاحة للخائنين و منهم سدنة الطّبقة السياسيّة ذوو السّلوك الناشط في مشاركة عتَلَةِ التّخريب الممنهج و المقصود بذاته ، و الذي يقوم إثراؤه على حساب بطون الجائعين ، ليس سوى أحد مظاهر و تظاهرات منهجيّته العدوّة للدّولة و المجتمع ..
وسيجري ، حينئذ ، تحميل الدّولة في قرارها التّاريخيّ في الهرمِ الأعلى ، رغم صمودها الأسطوري ، المسؤولية الأولى و الأخيرةِ عن هذه الأخطاء الظرفيّة و الاستراتيجيّة ، بحيث يتبرّأ منها جميع الآخرين في المجتمع السّياسيّ و في المجتمع اليوميّ و الأهليّ ، الذين يوقِدون الجريمة في “أمكنة” كلّ أمن و سلام ، بدايةً بالأسرة و الفرد و نهايةً بالمؤّسّسة العامّة و جميع مرافق الدّولة و الحياة.
10▪︎ هذا حيفُ تاريخيّ بحقّ السّياسة السّياديّة للدّولة ، قبل أن يكون حيفاً تاريخيّاً بحقّ أبناء الطّبقات و الفئات الاجتماعيّة التي أنهكها الصبر والفقر والصّمت أو السّكوت على العريّ و الجوع و انعدام الطّاقة و انعدام “الأمن” الوجوديّ لهؤلاء ..
و هذا ما يُنافي العدالة السّياسيّة ، أوّلاً ، كما ينافي العدالة الاجتماعيّة ، في ما يجعل منه استثماراً خطيراً في لعبة العنف المنظّم ، بأقصى و ” أنجع ” الطّرق ” السّلميّة ” الخادعة ، تلك الّلعبة التي يُمارسها الحاكمون على القرارات التّنفيذيّة الحكوميّة ، الضّالعون حتى النخاع في مراكمة السلبيات وتجاهل آثارها وارتداداتها على المجتمع والدولة ، فيما هم يُرحّبون ، عمليا ، بالتّمرّدات و الاحتجاجات و ” الثّورات !! ” ، و يُشجّعون عليها بشكل ملتوٍ و مدروسٍ و لئيم ، و يشتغلون عليها في أوقات ” الدّوام الرّسميّ” و في ” أوقات الفراغ “.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى