منذ زمن طويل، اقيم متحف يهودي في الدار البيضاء للحفاظ على الذاكرة اليهودية، وهو يعتبر الوحيد من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وجاء في وثائق هذا المتحف ان السلطان المغربي محمد الخامس قد عمل على حماية يهود المملكة من مضايقات السلطات الفرنسية، بعدما أنشأت “حكومة فيشي” مراكز اعتقال في مستعمراتها الإفريقية إذ اعتقلت بعض اليهود الأصليين في شمال إفريقيا.
وظل محمد الخامس متضامنا مع اليهود إبّان الحرب العالمية الثانية عندما حاولت الحماية الفرنسية مضايقة اليهود المغاربة، تبعاً للتوجيهات الصادرة من لدن “حكومة فيشي” التي تعاونت مع نظام الحكم الألماني، حيث أكد الملك للسلطات الفرنسية أنه “لا يوجد يهود في المغرب، هناك مغاربة فقط، وكلّهم من رعاياي”.
وقد سارَ الحسن الثاني على نهج والده، حيث استطاع موازنة علاقاته مع فلسطين وإسرائيل خلال فترة سياسية متوترة، اعتباراً لكونه كان يرأس لجنة القدس، ويحافظ في الوقت ذاته على جسور التواصل مع الإسرائيليين.
وفي السياق أكد لصحافي المصري محمد حسنين هيكل، أن الحسن الثاني اضطلع بدور محوري في توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” عام 1978، بعدما قرّب وجهات النظر بين أنور السادات ومناحيم بيغن، وساهم أيضا في عقد لقاءات مباشرة بين مسؤولين مصريين وإسرائيليين أفضت إلى التفاهم الثنائي.
وقد عُرف الحسن الثاني كذلك بمقولته الشهيرة: “عندما يغادر يهودي مغربي بلده نخسر مقيما، ولكننا نربح سفيراً”؛ إذ لا تزال الرباط تحتفظ بعلاقاتها مع الجالية اليهودية المغربية في إسرائيل.
وفي عام 1986 استقبل العاهل المغربي رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز في محاولة منه لتعزيز عملية السلام بالشرق الأوسط من خلال بوابة المغرب، وهو ما خلّف سخطاً عربيا وقتئذ، لكن الملك ردّ على الانتقادات بقوله: “لم يُذكر في مقررات فاس (يقصد القمة العربية التي أقرت مشروع السلام العربي) أن الاتصال بإسرائيل حرام”.
وكان للملك الراحل، دورٌ مهم في توقيع اتفاقية “أوسلو” للسلام لعام 1993، وقيل أن مفاوضات السلام الأولي التي شهدها الشرق الأوسط انطلقت من مكتب الحسن الثاني، الذي عمِل على مراعاة قضية الفلسطينيين بالموازاة مع حفاظه على العلاقات التاريخية مع المكون اليهودي.
واسفرت مجهوداته عن فتح إسرائيل قنوات الاتصال الرسمي بالمغرب سنة 1994، ثم فتحت الرباط مكتبا مماثلا في تل أبيب خلال العام الموالي.
وبعد تولي محمد السادس، عملت سلطات العهد الجديد على تنقيح المناهج التربوية والتعليمية لإزالة أي محتوى غير ملائم لسياسات المغرب تجاه الثقافة اليهودية، تدعيماً للوثيقة الدستورية التي نصت على انصهار الرافد العبري في الهوية الوطنية. حيث قام مجلس الجماعات اليهودية بالمغرب بإصدار نشرته الداخلية سنة 2000. وطالب العاهل المغربي بإحياء الهيئات التمثيلية للجماعات اليهودية في المملكة، من خلال إجراء الانتخابات المنظمة لأعضاء لجان مجالس الطوائف اليهودية.
وتحتوي العاصمة الاقتصادية للمملكة على متحف يهودي يروم الحفاظ على الذاكرة اليهودية، وهو المتحف الوحيد من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ذلك أنه يعرضُ عديداً من الآثار العريقة التي تعود إلى الجالية اليهودية عبر فترات متفرقة من إقامتها بالمغرب.
وأطلق الملك محمد السادس برنامجاً لترميم مئات المعابد والمقابر ومواقع التراث اليهودي عام 2010، وأعاد الكثير من الأسماء الأصلية للأحياء اليهودية، بعدما غيّرتها الحماية الفرنسية، أو تم استبدالها بعد نيْل الاستقلال، فضلا عن تنظيم عشرات المهرجانات الروحية التي تستضيف أسماء فنية يهودية.
ينضاف إلى ذلك، ضمان حق التقاضي بالنسبة إلى اليهود المغاربة، من خلال محافظة وزارة العدل على الغرفة العبرية التابعة للمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، التي تنظر في طلبات الطلاق والشكايات المتعلقة بالزواج والإرث، حيث يُعيّن قضاتها بظهير ملكي.