لماذا غنّى عبد الوهاب في الصحراء بعد حفل بقصر الملك فيصل؟

فجأة، وقف الموسيقار محمد عبد الوهاب في جوف الصحراء تتسارع دقات قلبه في تلاحق عنيف، وقد انعقد لسانه عن الكلام، ينظر إلى المكان من حوله، حيث الرمال الممتدة على مرمى البصر، وتسيطر عليه حالة من الاضطراب، ورأسه مثقلة بالتساؤلات، تنتابه رجفة الخوف، تكاد تقطع فؤاده، حيث ظل مذعورا يتلمس الخلاص من هذا المأزق الذي وقع فيه داخل صحراء العراق.
فيما يلي ننكشف عن أغرب حفلة أقامها الفنان محمد عبد الوهاب داخل الصحراء، وما تعرض له، حيث كانت البداية عندما سافر عبد الوهاب في رحلة فنية عام ١٩٣٢، لإحياء حفل بالقصر الملكي بالعراق، أمام الملك فيصل، وكبار رجال الدولة.
وبعد أن انتهى عبد الوهاب من الغناء، كان مقررا له أن يسافر إلى سوريا، لإقامة حفل غنائي هناك، فاستقل السيارة وبصحبته أحد أعضاء فرقته، ويدعى إبراهيم أفندي عبدالله، وبعد مسيرة طويلة في الصحراء ما بين العراق وسوريا، اكتشف بأنه «تايه في قلب الصحراء، فوقف بالسيارة لا يعرف أين يتجه، ولا يوجد وسيلة اتصال يبلغ من خلالها عن مكان تواجده.
وبعد أن سيطر عليه القلق مطولا هو وعضو فرقته، أنقذته العناية الإلهية، ومر به اثنان من بدو العراق، وما أن وقعت عيناه عليهما، حيث كانا عريضي المنكبين، ويحملان أسلحة من كل نوع، جحظت عيناه ولم يعرف كيف يتصرف بعد أن سيطرت عليه الهواجس بأنهما من «قطاع الطرق».
أثقلت رأسه بالتساؤلات؟ فإذا أفصح عن شخصيته، وقال بأنه عبد الوهاب المطرب المصري الشهير فسوف يقومان بالاستيلاء على كل متعلقاته والسيارة، وليس بعيدا أن يكون القتل نهايته على أيديهما.. تملكته الحيرة وكاد أن يغشى عليه، حتى أفاق على صوت إبراهيم أفندي، يقول لهما: «أنتم عارفين ده مين؟ ده الأستاذ عبد الوهاب المطرب المشهور».
وفي هذه اللحظات، ارتجف الموسيقار الكبير وتلعثمت الكلمات على شفتيه، ولكن فجأة انفرجت أساريره، وعلت وجهه ابتسامة خفيفة يصحبها الأمل بأنه لن يصاب بمكروه، بعدما قال له أحدهما: مش حضرتك اللي بتغني أغنية «يقولون ليلى في العراق مريضة.. إحنا سمعناك في الفونوغراف أثناء زيارتنا لمدينة بغداد، والنبي لازم تغنيها لنا هالحين»، فما كان منه إلا أن أخذ يشدو ويغني تلك الاغنية بصوت يجلجل وسط الصحراء التي كانت تردد اصداء الغناء؛ قبل أن يقوما بتوصيله ومرافقه إبراهيم أفندي إلى حيث أرادا.. لتصبح هذه أغرب حفلةيحييها الفنان عبد الوهاب في جوف الصحراء.
وقد روى محمد عبدالوهاب احداث زيارته للعراق في مجلة (الكواكب) المصرية التي صدرت في عام 1947، وتحدث عن دعوته للغناء في القصر الملكي بحضور الملك فيصل الاول وولي عهده الامير غازي وعدد من الوزراء وكبار موظفي الدولة، وقد انشد في هذه الحفلة قصيدة (ياشراع وراء دجلة يجري) وعندما مثل بين يدي الملك بعد الغناء سمع من جلالته كلمات الاطراء والثناء، مما كان مدعاة فخر واعتزاز له.