متى تستكمل سورية تحرير ترابها الوطني ؟

ما الذي يؤخر الدولة الوطنية السورية عن تحرير ما تبقى من ترابها الوطني وفرض سلطتها الوطنية وتحقيق الأمن والاستقرار واستعادة الليرة السورية قيمة الصرف التي كانت عليها عند بدء الحرب الإرهابية الدولية سنة 2011 .
لا بد من التنويه أولاً أن عدم انهيار المكونات الرئيسة للدولة في السنوات الأربع الأولى من الحرب ، جعل دولاً كـ روسيا وإيران والصين تتوجه للمساعدة بطريقتها ، ما أدخل عنصراً جديداً في الصراع مكّن سورية الدولة الوطنية ؛ من الانتقال من الصمود إلى تحرير أجزاء واسعة من الوطن السوري ( حلب الشرقية ـ تدمر ـ الغوطة الشرقية ومخافظات الجنوب السوري الثلاثة ) وبالتالي سيطرة سورية على معظم ترابها الوطني .
وكانت سورية على وشك استعادة ما تبقى ، لولا انتقال الولايات المتحدة الأمريكية وتركياً ، وأطراف أخرى ، من الحرب بالوكالة عبر العصابات الإرهابية إلى الحرب المباشرة وبالوكالة معاً ضد سورية ، وتوسيع قاعدة الحرب من حرب عسكرية مباشرة إلى حرب إقتصادية وجغرافية وديمغرافية.
لم يكن سهلا على الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الرجعيتين العربية والتركية ، استيعاب ( نجاة ) سورية مما دبر لها ، واستعادتها زمام المبادرة ، فعملت على تعطيل التقدم السوري ، بشن حرب ضارية على سعر صرف الليرة السورية ، وحرق المحاصيل، فضلاً عن سرقتها ، والسيطرة على بعض حقول النفط والغاز السوري ، وفرض حصار إقتصادي واسع ، وإعاقة عودة اللاجئين السوريين بعد أن بدأت عودتهم فترة ، وضرب حالة الاستقرار في كل من العراق ولبنان للتأثير السلبي إقتصادياً وسياسياً على الأوضاع في سورية ، واستثمار إغلاق الحدود البرية مع الأردن بسبب وباء كورونا ؛ وتوجيه الصهاينة ضربات بين حين وآخر إلى أهداف مختارة كانت سورية تُفشل بعضها .
حدث ويحدث هذا، وسط ما يشبه الغياب الروسي والإيراني، بعد سنوات من الدعم الكثيف لسورية، فمن الطبيعي أن تكون لكل من موسكو وطهران حساباتهما الخاصة . . ومن الطبيعي أن تنسق سورية مع حلفائها ( موسكو وطهران بل ومع بكين أيضا )، لإستكمال استحقاقات التحرير وهي الدول المساندة في وقت الشدة ، فالدول بل والمؤسسات الكبرى ، كما نقول دائماً ليست جمعيات خيرية ، معنية بتوزيع مساعداتها للأسر الفقيرة في مواعيدها دون إنتظار ، بل لهذه الدول والمؤسسات حساباتها الخاصة.
ورغم أن تركيا أردوغان ( لعبت ) مرارا على روسيا وايران ، وتنصلت مما أتفق عليه معهما ، بل وما لم يتفق عليه من فتح أبواب للإختلاف والتعارض ، حتى تساءل الناس إلام هذا الصبر الروسي الإيراني ، وماذا يخفي والى متى ؟
لا تريد روسيا بدرجة رئيسة دفع تركيا الى أحضان الغرب وأمريكا كلياً ونهائيا ، وفتح جبهة معها، وتحوّل الداخل التركي الى اليمين اكثر مما هو عليه أردوغان ، واستخدام ورقة الشيشان ، وهي معنية أيضاً بعدم تفكيك تركيا الى كيانات تخل بالأمن الإقليمي في المنطقة وفي روسيا ، فضلا عن المصالح الاقتصادية الكبيرة بين الدولتين .
أما إيران ففضلا عن المصالح الإقتصادية الكبيرة ، فإن الحدود المشتركة بين الدولتين لا تسمح بترف تعكير الأمن المشترك ، وكما أن لإيران علاقات طيبة مع أرمينيا فإن لتركيا علاقات طيبة مع أذربيجان.. وهناك القضية الكردية الجرح النازف في أي وقت في خاصرتيْ البلدين ، ما يستوجب عدم الاختلاف بصددها ، وتأخذ طهران بعين الاعتتبار أنها ليست بصدد خلق خلاف مع اي دولة إسلامية ، إضافة لما هو حاصل مع الخليج .
لذلك فأن روسيا وايران معنيتان بحل الخلافات مع تركيا فيما يتعلق بالملف السوري على نارٍ هادئة وصبرٍ مديد ، واستخدام ذات الأسباب الموجبة للصبر الأنفة، لجرها الى الموقف الروسيالإيراني بأقل قدر من المغامرات . . وهو ما بدأنا نلحظ مقدماته بإنسحابات تركية متتالية من قواعدها المحاصرة من الجيش السوري في منطقة إدلب .
أما الاحتلال الأمريكي لبعض الأراضي السورية ، فستكون له آلية مختلفة للمعالجة ، تحول دون حصول صدام واسع كبير روسي أمريكي ، أو أمريكي إيراني ، بالانتقال الى مقاومة شعبية مسلحة وغير مسلحة ، ضد مليشيا قسد ( أمريكية الولاء ) وضد الوجود العسكري الأمريكي المباشر معاً ، ما يجعل الوجود الأمريكي مكلفاً وغير مجدٍ.
وتدرك وأمريكا تماماً رغم الكثير من (العنطزات) والتهديدات واستعراضات القوة ، بل وممارستها أحياناً ـ أن فتح هذا الباب ، لن تكون تداعياته يسيرة ومأمونة أو مضمونة ، ولذلك هي تكتفي بضربات محدودة سواء مباشرة ( أو غير مباشرة ـ إسرائيلية ) بحيث يمكن استيعابها بالإتجاهين ، تحول دون إتساع رقعة الحرب .
ومن الطبيعي ان تشجع روسيا وايران هذه المقاومة المسلحة وغير المسلحة ، بما تحمل عنهما وعن الدولة المركزية السورية كتفا ، في وقت تتكبد فيه قسد خسائر شبه يومية بنتيجة عمليات مسلحة ( مجهولة ) ، ومن المرشح أن تتسع هذه المقاومة بشقيها ضد قسد والوجود الأمريكي بل وضد تركيا أيضاً .
بكلمات : روسيا وإيران لن تبيعا سورية ، لكنهما لن تغامرا بحرب غير محسوبة جيداً مع أمريكا او تركيا أو مع غيرهما ، وتعملان بـ ( مقياس الذهب ) في آن لمساندة سورية لتحرير كامل ترابها الوطني .
تبقى الضربات الإسرائيلية المنتخبة والمحدودة لسورية،ولما تقول أنه مواقع إيرانية، فإن علاجها مستمر، بتسليح سورية بما يمكنها من إفشال أكبر قدر من هذه الضربات، وعدم تمكينها من تحقيق الغايات الإستراتيجية المرجوة، في حين يتميز الرد السوري بالصمت وعدم الضجيج ، حتى يأتي وقته ، فلكل أمر حين ، والحرب ليست ردّات فعل ولا رفع عتب .

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى