لماذا يطالب حكام المغرب بالسيادة على الصحراء الغربية ويتناسون سبتة ومليلة المحتلتين؟؟؟

أبى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن ينهي أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، دون أن يعمّق الجرح العربي وأن يزيد في تشتيت دول المنطقة، حيث أعلن تطبيع العلاقات بشكل كامل بين المملكة المغربية وكيان الاحتلال الإسرائيلي، بموازاة ذلك اعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
وكتب على “تويتر”، في تصريح هو الرابع من نوعه، بعد إعلان تطبيع الإمارات والبحرين وأخيرًا السودان: “تطوّر تاريخي آخر حدث اليوم، صديقتانا العظيمتان إسرائيل والمملكة المغربية وافقتا على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة”، واصفًا ذلك بأنه “اختراق كبير من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط.”
تطبيع عربي رابع، سيسجّله الرئيس الأمريكي كإنجاز سياسي في سجل سياسته الخارجية، لكن سيبقى “وصمة عار” في سجّل الملك المغربي محمد السادس، والذي يلقّب نفسه بأمير المؤمنين ويراه أتباعه أنه القادر على إعادة حق الفلسطينيين لأهله!
الصحراء مقابل التطبيع
ثمن تطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني، كان الاعتراف الأمريكي بسيادة المملكة على الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة “البوليساريو”، حيث قال ترامب إن “المغرب اعترف بالولايات المتّحدة عام 1777 ومن المناسب أن نعترف بسيادته على الصحراء الغربية”.
يؤكّد هذا الأمر أهمية قضية الصحراء الغربية عند السلطات المغربية، فقد أصبحت المحدد الأبرز والأهم للدبلوماسية المغربية وعلاقاتها الخارجية وجوهر فهم سياستها الخارجية للبلاد وتفاعلها مع العديد من القضايا الدولية.
لكن يتوجب السؤال هنا: لماذا الصحراء الغربية وليس سبتة ومليلة المحتلتين من طرف إسبانيا إلى غاية اليوم؟، وذلك لأن المغرب يرى أن الأقاليم الصحراوية جسرا يربطه بالعمق الأفريقي سواء في غرب أفريقيا أو دول الساحل، كما أنه يربط بين أوروبا وأفريقيا.
ليس هذا فحسب، فاهتمام المغرب بالصحراء لا يقتصر عند هذه النقطة، فالنقطة الأبرز هي ثروات المنطقة، حيث تملك الصحراء الغربية سواحل غنية بأنواع الأسماك، وثروة حيوانية قوامها الإبل، وأرضا تختزن معادن الفوسفات والنفط، وغطاءً نباتيا متنوعا، دون أن ننسى السياحة والموانئ.
كما تُقدر احتياطي منطقة بوكراع (الواقعة على مسافة 100 كلم إلى الجنوب الشرقي من مدينة لعيون بالصحراء الغربية)، بحوالي 10 مليارات طن ويشكل 28.5% من الاحتياطي العالمي من الفوسفات، وتمتد مناجمه على مساحة تقدر بـ800 كلم مربع، وتتراوح نسبة نقاوته ما بين 72 و75%.
تحتوي المنطقة على معادن أخرى أيضا، منها الملح الذي يتم استغلاله بالطرق التقليدية حتى الآن، وكذلك الرمال التي يتم تصديرها خصوصا إلى جزر لاس بالماس الإسبانية بمعدل إنتاج سنوي يصل إلى 80 ألف طن، والنحاس والمنجنيز والحديد والرخام والزركون والتيتان.
إضافة إلى مدخرات كبيرة من النفط والغاز، حيث تشير بعض الدراسات إلى وجود مخزون هام من النفط والغاز في سواحل الصحراء الغربية، وسبق أن وقّع المغرب عدة اتفاقيات للتنقيب عن النفط منها مع شركتي “توتال فينا إلف” الفرنسية و”كيرمالك غي كورب” الأميركية.
أما الثروة الأبرز في الصحراء فهي الأسماك، حيث يبلغ طول السواحل الصحراوية على المحيط الأطلسي 600 كيلومتر، وتوفر طاقة إنتاجية تقدر بحوالي مليون طن من الأسماك سنويا دون أن يؤثر ذلك في التوازن البيولوجي للثروة السمكية. وتتوزع هذه الثروة على 200 نوع من الأسماك و60 نوعا من الرخويات والعشرات من أنواع القشريات وراسيات الأرجل.
ترى السلطات المغربية أن باعتراف واشنطن بأحقيتها في الصحراء الغربية، ستتحكم في كلّ هذه الثروات دون أن يُعارضها أو يقف أحد أمامها، وهو ما يعني مكاسب مالية كبرى للشركات المقربة من بلاط الملك.
المسألة لا تتوقف عند الثروات فقط، بل أيضا تصل إلى الجارة الشرقية الجزائر، فاعتراف الإدارة الأمريكية بأحقية المغرب في الصحراء تراه الرباط انتصارا كبيرا في معركتها مع الجزائر في هذا الخصوص، وهو ما يقوّي سرديتها التاريخية.
تعتبر الجزائر أبرز الداعمين لجبهة البوليساريو، ويستند موقفها من نزاع الصحراء الغربية إلى نقطتين: أولها أن النظام تربى على عقيدة رفض كل حالة استعمار من أي جهة كانت، أما النقطة الثانية التي يرتكز عليها النظام فتكمن في استناده إلى القانون الدولي الذي يرى في الصحراء آخر النزاعات المسلحة في إفريقيا.
يرى المغرب في الجزائر عدّوه الأول وهو السبب في كلّ مشاكله الداخلية والخارجية، لذلك أي انتصار على حسابه وإن كان رمزيا (اعتراف أمريكا بالصحراء لا يعني اعتراف الأمم المتحدة بها) فسيقوّي موقفه داخليا وخارجيا، وتعرف العلاقات بين المغرب والجزائر منذ استقلالهما تدهورًا كبيرًا، وصل إلى حد نشوب حرب الرمال بينهما في سنة 1963.
تطبيع تحت رعاية أمير المؤمنين
صحيح أن التطبيع هذه المرة سيكون علنيا وعلى مرأى الجميع، لكن هذا لا يعني أن المغرب لم تكن لها علاقات سابقة مع الكيان الإسرائيلي، فالملك الذي يشغل منصب رئيس لجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، دائما ما يشجع المغاربة خاصة الشركات على إقامة علاقات مع الإسرائيليين بحجة أن العديد منهم أصلهم مغربي.
وتتميز المملكة المغربية بوجود جالية يهودية بها هي الأكبر بين الدول العربية، إذ تبلغ نحو 70 ألف مغربي من أصول يهودية بنسبة 02% من إجمالي سكان المغرب وفق إحصاء 2010، هذا بخلاف عشرات الساسة في “إسرائيل” أصولهم مغربية وأبرزهم: عمير بيرتز وزير دفاع إسرائيلي سابقًا، بالإضافة إلى وزيري الخارجية السابقين شلومو بن عامي وديفيد ليفي.
يأخذ التطبيع في المغرب أشكالًا كثيرة، حيث يحاول الكيان التغلغل في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية والرياضية، كل ذلك تحت أعين أمير المؤمنين الملك محمد السادس، الذي دائما ما يقول إنه حريص على دعم القضية الفلسطينية.
العلم الإسرائيلي رفع في سماء المغرب، أكثر من مرة، خاصة في المسابقات الرياضية، نتذكر السنة الماضية عندما رفضت السلطات الماليزية، السماح لأي وفد إسرائيلي بدخول البلاد مهما كانت صفته وتحت أي ذريعة، لكن المغرب فتح أبوابه أمام الإسرائيليين.
ومس التطبيع المجال التجاري أيضًا، حيث بلغ حجم المبادلات التجارية بين المغرب و”إسرائيل” خلال سنة 2015 ما يقارب 33 مليون دولار، وفق ما أورده المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء، وبلغت قيمة الصادرات الإسرائيلية نحو المغرب ما يزيد على 22 مليون دولار، هيمنت عليها بدرجة أولى المنتجات الكيميائية المصنعة والمنسوجات والأجهزة الميكانيكية والحواسيب والآليات الموجهة إلى القطاع الزراعي.
كما يشمل تبادل الزيارات، فكثيرا ما يزور الإسرائيليون المغرب، ويقصد السياح الإسرائيليين المدن الجنوبية، على غرار الصويرة التي تعتبر الوجهة المفضلة الأولى لهم، تليها مدينة ورزازات ثم مدينة أكادير ثم مراكش، ودائمًا ما يكون المسار السياحي لهؤلاء ثلاثيًا، وغالبًا ما تكون الدولة “الوسيط” إحدى دول البحر الأبيض المتوسط، ويفوق عدد هؤلاء السياح القادمين إلى المغرب 40 ألف سائح.
في أغسطس 2015، كشفت قناة i24 الإسرائيلية أن المغرب أرسل نحو 30 شابًا من اليهود المغاربة إلى “إسرائيل”، للمشاركة في برنامج يرمي إلى دمجهم داخل المجتمع الإسرائيلي قبل توطينهم في “إسرائيل” والخدمة في الجيش الإسرائيلي.
ليس هذا فحسب، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2017، استضاف البرلمان المغربي وفد من الكيان الصهيوني يترأسه وزير الحرب السابق عمير بيرتس، للمشاركة في المناظرة الدولية التي نظمها مجلس المستشارين والجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط.
وفي سنة 2016، صوتت المملكة لصالح “إسرائيل” لرئاسة اللجنة القانونية بالأمم المتحدة، وعلى الرغم من دعوة “مجموعة العمل من أجل فلسطين” بالمغرب، حكومة المملكة، ومطالبتها بإصدار توضيح لهذا الأمر، فإن الحكومة المغربية لم تعلق على الموضوع.
يؤمن هذه العلاقات القوية من الطرف المغربي المستشار أندريه أزولاي الذي كان يشتغل أيضًا مع الملك محمد الخامس، وعن طريق رئيس الطائفة اليهودية في المغرب سيرجي برديجو، وهو ما يؤكد رعاية محمد السادس لها.
علاقات سرية قديمة
هذه العلاقات ليست وليدة اليوم، فهي تعود إلى ستينات القرن الماضي، تحديدا سنة 1961، بعد غرق السفينة “إيغوز” وانتقال السلطة من الملك محمد الخامس إلى ابنه حسن الثاني، حيث جرت مفاوضات سرية بين الكيان الإسرائيلي والمغرب، وتوصل الجانبان إلى اتفاق للسماح بهجرة يهود المغرب، وبمقتضاه تحصل الرباط على 250 دولارًا عن كل يهودي تسمح له بالهجرة إلى “إسرائيل”، كما تلتزم الأخيرة بمساعدة المغرب على تطوير أجهزته الأمنية.
منذ ذلك الحين، بدأ المغرب والكيان الإسرائيلي في تأسيس علاقات سرية بينهما، وهو ما اتضح في فضيحة “بن بركة”، ففي 29 من أكتوبر 1965، اختطف الناشط السياسي في المعارضة المغربية بفرنسا مهدي بن بركة وقتل، لكن ما كشفته التحقيقات والوثائق بعد ذلك، وتسبب في أزمة بين “إسرائيل” وفرنسا، أن الموساد الإسرائيلي هو الذي أمد أجهزة الأمن المغربية بالمعلومات عن المكان الذي يقيم فيه بن بركة.
شهدت منتصف الستينيات ذروة استفادة “إسرائيل” أمنيًا من التعاون مع المغرب، إذ تقول وسائل إعلام إسرائيلية إن العاهل المغربي الملك الحسن الثاني ساعد “إسرائيل” في التجسس على القمة العربية التي انعقدت في المغرب عام 1965، مما هيأ لها سبل الانتصار في حرب 1967.
يذكر أن الحسن الثاني دعا قادة ورؤساء الدول العربية بعد حرب 67 إلى الاعتراف بـ”إسرائيل”، وضمها كذلك إلى جامعة الدول العربية، وقد خلص في كتابه “ذاكرة ملك” إلى أن “إسرائيل” لا يمكن أن تختفي، واعتبر أن من أساء إلى القضية الفلسطينية هم العرب أنفسهم عندما رفضوا تقسيم 47، وعوض ذلك رفعوا شعارات مهيجة تدعو لتدمير “إسرائيل” ورميها في البحر.
وتحتل المملكة المغربية طليعة الدول العربية التي سمحت للمسؤولين الإسرائيليين بزيارتها سواء بشكل سري أم علني، ففي 22 يوليو 1986، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز المغرب، والتقى الملك الحسن الثاني في مدينة إفران السياحية، وعام 1995 وبعد اتفاق أوسلو، تأسست العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين، لكن عام 2000، بعد أحداث الانتفاضة الثانية، قطع المغرب العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع “إسرائيل”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى