هكذا يتكلم الاسد.. الخطر على الاديان لا يأتي من خارجها بل يطلع من داخلها وبايدي معتنقيها

لم تكن المؤسسة الدينية في سوريا ضمن دائرة الضوء خلال سنوات الأزمة السورية، لكن دورها لم يكن أقل فعالية من دور المؤسسات الأخرى بما فيها مؤسسة الجيش، حيث ساهمت هذه المؤسسة في تحصين الداخل السوري، ووقفت عائقا في وجه الكثير من المغرر بهم، وشكلت سنداً كبيراً لقوات الجيش، فالجميع يعلم أنه خلال العقد الماضي جرى تشويه صورة الدين بوسائل شتى من قبل الدول الغربية وبعض المتطرفين، وكانت فتاوي بعض رجال الدين قاتلة، وخاصة تلك التي دعت إلى تدمير البنى التحتية للدولة السورية، وكان غريبا جدا كيف يمكن لانسان عاقل ان يقدم على تدمير معمل يعيش منه سكان منطقته أو حتى شركات للهاتف أو الكهرباء، ومع ذلك صمدت المؤسسة الدينية السورية في وجه هذا الارهاب وكانت سدا منيعا في وجه الفتاوى الباطلة وكان لها دور فعال في الفصل ما بين الخطأ والصواب حتى لا يشتبه الامر على الناس.
الرئيس السوري بشار الاسد وخلال الاجتماع الدوري الموسع الذي تعقده وزارة الأوقاف لـ”العلماء والعالمات” في جامع العثمان بدمشق، ألقى كلمة استثنائية حول دور المؤسسة الدينية خلال الازمة وما قدمته هذه المؤسسة من جهود جبارة لخدمة الوطن، حيث أشاد الرئيس الاسد بهذه المؤسسة ودورها في مساندة الجيش السوري، ورأى الاسد أن “الجيش يحارب الإرهاب” و”المؤسسة الدينية تحارب الفتنة”.
وصف الاسد مؤسسة الاوقاف بالمؤسسة العريقة، وقال: “كلنا يعرف بأن الحرب التي استخدمت المصطلحات الدينية في سورية بدأت قبل الحرب العسكرية، وكان أملهم بأن الحالة الطائفية هي التي ستدفع الناس إلى حمل السلاح والقتال، ولكن عندما فشلوا قرروا أن يذهبوا باتجاه الإرهاب”. وأضاف: “فلذلك عندما أقول رديفاً للجيش، فهذا الكلام دقيق، لأنه لو تخاذل الجيش لانتصر الإرهاب ولو تخاذلت المؤسسة الدينية لانتصرت الفتنة، لذلك كانت الحرب عليكم كأشخاص وعليكم كمؤسسة حرباً شرسة جداً من قبل الطائفيين”.
وقال الرئيس الأسد إن الإرهاب ليس سبباً، بل هو نتيجة، ولولا عوامل الأمان والاستقرار في المجتمع السوري، لكان قد غرق منذ الأسابيع الأولى.
صحيح ان بعض الدول الخليجية ودول الغرب تمكنت من خلال شراء بعض رجال الدين واطلاق فتاوي مضللة للشباب السوري من قبل شخصيات كانت حتى وقت قريب من الازمة ذات مصداقية، الأمر الذي سبب فوضى لا يستهان بها بين الشباب السوري وأزمة انتماء وبدأت التحليلات الشخصية والمصالح الخاصة تطغى على المشهد السوري الامر الذي أخذ البلاد نحو المجهول، ولكن نتيجة حكمة المؤسسة الدينية تمكنت سوريا من البدء باستعادة عافيتها، وكلنا شاهدنا كيف ان قسما كبيرا جدا من المقاتلين قاموا بتسليم اسلحتهم، ومنهم من عاد للقتال في صفوف الجيش السوري، وهذا الامر ساهم في اعادة التوازن لسوريا وحماها من الغرق في وحل الفوضى الكبيرة.
الأسد نوه بهذا الامر وتحدث عن أهمية الفكر، قائلاً: “نحن في حالة حرب قد تكون اقتصادية أو عسكرية، وقد تكون فكرية تتوجه باتجاه العقائد”، مشيراً إلى أنه بدلاً من أن يكون الدين الذي أنزل أداة لتطور المجتمعات، استخدم أداة لتخريب تلك المجتمعات، وشبه الوضع في العالم بالمحيط الهائج الذي تضرب أمواجه في كل الاتجاهات، “تضرب بالاتجاه الأمني عبر الإرهاب، وتضرب بالاتجاه الاقتصادي عبر الحصار والتجويع، وتضرب بالاتجاه الفكري عبر دفع المجتمعات إلى الدرك الأسفل”.
وأضاف الأسد إن في ذلك المحيط سفناً ومراكب، البعض يهتز بهدوء والبعض يترنح والبعض غرق، وإن ما يحدد الفارق وقدرة تلك المراكب على مواجهة تلك الأمواج هو عوامل الأمان والاستقرار التي تمتلكها تلك المراكب، مؤكداً: “هذا هو حالنا كمجتمع. لو لم نكن نمتلك هذه العوامل، لكنا غرقنا منذ الأسابيع الأولى، وفي الوقت نفسه، لو كنا قد قمنا بصيانة تلك العوامل والحفاظ عليها بشكل جيد، لما دفعنا ذلك الثمن الغالي اليوم”.
كما قال في كلمته إن جوهر الفكر في المنطقة في الشرق، وليس في سوريا فقط، هو الدين، “لأنه يدخل في كل جوانب الحياة”، وأضاف الأسد: “يكفي أن نخرّب هذا الفكر كي نخرب المجتمعات”.
اذا كان للدين الصحيح فضل كبير في انهاء براثن الفتنة، التي سببتها بعض دول المنطقة ودول الغرب، واستعرض الأسد بعض ما جرى في فرنسا وامتدت آثاره إلى الكثير من البلدان، وخصوصاً حالة الغضب التي سادت في بعض المجتمعات، وقال: “بين الهجمة والإدانة والغضب، يتحول الدين إلى كرة يتقاذفها الانتهازيون من السياسيين”.
وتطرق بشار الأسد لمسألة الإساءات التي صدرت أخيراً تجاه الرسول والإسلام من فرنسا، ورأى أن سببها هو عدم التصدي، والاقتصار فقط على التعبير عن الغضب، مرجعاً تفاقمها إلى صراع السياسيين، زاعماً بأن “الأول في فرنسا (الرئيس إيمانويل ماكرون) لديه انتخابات العام المقبل، وهو يريد أن يستقطب المصابين برهاب الإسلام، والثاني لديه انتخابات في عام 2023 في تركيا.. أردوغان.. ولم يعد لديه من الأكاذيب ما يقنع بها شعبه وبدأ يخسر شعبيته، فقرّر أن ينصّب نفسه حامياً للإسلام”.
وتساءل الأسد لماذا لم يتغير شيء بعد كل الإدانات والغضب؟ و”لماذا تستمر هذه الإساءات؟
وأجاب: “لأننا نغضب وفقط، لكننا لا نتصدى وهناك فرق كبير بين الغضب والتصدي، وكل ما يجري يدور حول مشاعرنا لا يدور حول مصالحنا، وعندما نتحدث عن مصالحنا فهي لا تنفصل عن عقائدنا”، وأوضح الأسد أن “الغضب هو رد فعل طبيعي لكن عندما لا يُضبط بالعقل يتحول إلى مجرد تنفيس وبالتالي يعرف الأعداء أن هذه المجمتعات لا تستطيع أن تقوم بشيء إلا بالغضب”، وأن الغضب كرد فعل “لم يتحول إلى فكر أو خطة عمل”.
وقال الأسد إن الدين ينتصر ليس بالغضب بل بالتطبيق، وعندما يتم تطبيق الدين بشكله الصحيح في المجتمع عندها سيكون المجتمع معافى وسليماً، وعندها ينتصر الدين”، ورأى الأسد أن الفهم المشوه للدين والمصطلحات الخاطئة والممارسة والسلوك العشوائي، والعواطف والمشاعر العابرة رغم استمرار الإساءة واستمرار وجود السبب هو ما يؤدي إلى “تشجيع الآخرين على الاعتداء علينا وعلى الإساءة لمشاعرنا”.
وسأل الأسد: كيف نتصدى؟ وأين يبدأ التصدي؟ ليجيب أن “التصدي أولا بمعرفة العدو الحقيقي وأين يوجد، وقال إن أول عدو لأي عقيدة لا يأتي من الخارج وعبر التاريخ لم يحصل أن انهارت أي عقيدة بهجوم خارجي”.
فالخوف على الدين من الخارج غير مبرر، ولا مكان له، الخطر يأتي من الداخل، والخطر هو من أبناء الدين، ومن أتباع الديانات وأتباع العقيدة، وأنه يبدأ بالتخلف وبالتطرف والتعصب وبعدم قدرة أبناء تلك العقيدة على التفكير السليم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى