لمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاذا ؟؟؟؟

نستطيع إستيعاب فكرة أن يسعى الآخرون الى إيذائنا وايذاء أوطاننا ، ولكننا لا نستطيع أن نفهم أو نقبل أن يتم ذلك الأذى بأيادينا وتحت شعارات عجيبة مبهمة مثل “السيادة الوطنية “، أو “استقلال الارادة “أو رغبة فلان أو أوامر علان أو ” المصلحة العامة ” بمعانيها المبهمة ، وأن يتم تكليل كل أحجيات الفشل تلك وتتويجها بكلمة ” انتصرنا ” أو ” أنجزنا ” أو “حققنا ” ……إلخ . وضع محزن ومبكي ولكن للأسف هذا هو واقع الحال ، وهو في مجمله صناعة محلية سواء بالممارسة أو عدمها من خلال الاصرار على الخطأ أو القبول بالأمر الواقع والخضوع له دون وجه حق وبشكل استسلامي ، مما يعني بالتالي عدم جواز إتهام الآخرين ومنهم ” الاستعمار ” و” الرجعية ” و “الصهيونية ” بفعل ذلك بنا ، وبأننا براء من دم يعقوب أو بالأصح من دم الوطن .
السؤال الرئيسي يتمحور حول من هو صاحب المصلحة في إضعاف وتفتيت مؤسسات الدولة الوطنية في عالمنا العربي ؟ ما المصلحة في تطويع القانون ليصبح أداة لخدمة صاحب السلطة أو بعض المتنفذين على حساب مبدأ الفصل بين السلطات وسيادة دولة القانون والعدالة ؟
الأوطان العربية ومنها بالطبع الأردن تدور في حلقات مفرغة أصبحت مع مرور الوقت لا طعم لها سوى إستمرار ما هو قائم انطلاقاً من مفهوم أمن واستقرارالنظام الحاكم أولاً وأخيراً . المعضلة الحقيقية تكمن في مفهوم الولاء للنظام أولاً . وانطلاقاً من ذلك تصبح قاعدة الاساس لتصنيف المسؤول هي تصنيف درجة ولاء هذا المواطن أو ذاك للنظام تمهيداً لإقرار تعيينه في هذا المنصب أو ذاك . الولاء هو للنظام أولاً ومن ثم يأتي الوطن وكل شئ آخر .، وهو أمر خطير جداً وقد يكون تفسيراً لمعضلة توارث المناصب لأن الخلفية الحقيقية لذلك هي الولاء المطلق للنظام وليس الوطن . وهكذا يصبح ولاء الأب مدخلاً لتولي إبنه للمنصب لاحقاً بإعتبار أن تراث العائلة يكمن في ولائها وفي قدرتها على الاستمرار في تأكيد هذا الولاء حتى ولو كان ذلك الولاء على حساب الوطن ، كمدخل لإنتقال المنصب من الأب الى الإبن وفي بعض الحالات الى الحفيد . ونفس الشئ ينطبق على تدوال المناصب ، فقدرة المسؤول على إستمرار اثبات ولائه المطلق للنظام يدفع الحكم الى نقله من منصب لآخر كونه قد إجتاز إمتحان الولاء المطلق الذي لا تشوبه شائبة مرة تلو الأخرى . أما من يفشل في إمتحان الولاء المطلق وهو إمتحان مستمر فيتم إدخاله في العادة في ملف النسيان السياسي والمنصبي . وكلما إستفحل النظام في ممارساته وتشدد في تفسيره لمفهوم الولاء المطلق ، كلما تناقصت دائرة الموثوق بهم وأصبح النظام يعتمد أكثر فأكثر على أعداد متناقصة من المواطنين يتم الوثوق بها وبولائها المطلق للنظام بشكل مستمر . وهذا الوضع عادة ما يؤدي الى دخول الحياة السياسية في الدولة المعنية في نفق مظلم ينتهي بدوائر مغلقة تجعل من الدولة هيكلاً يقتات على نفسه عوضاً عن كونها جسداً ، وتُسحب الروح تدريجياً من ذلك الجسد الى أن يصبح جثة هامدة .
السير في دوائر مغلقة ومفرغة ليس بالأمر الذي يصلح لإدارة أي دولة . الأجيال المتعلمة وكذلك الشابة لم تعد تقبل مثل ذلك المسار أو تقبل مبرراته . إن منطق الأمور يفترض أن يأتي التغيير على أيدي الأجيال الجديدة والخطيئة الكبرى أن يجري العمل على إفساد أو قهر تلك الأجيال لمنع التغيير . واذا كانت طبقة المتنفذين تلك تعلم أن أساس وجودها المنصبي لا يعود الى كفاءتها بل الى ولائها المطلق ، فإن مصلحتها تقتضي المحافظة على مكاسبها من خلال إضطهاد ومقاومة واحتواء الأجيال الجديدة ومنعها من الاقتراب من مناصب الدولة ، وفي حال وصولها لأي سبب ، فانها تعمل جاهدة على إفشالها ، وهكذا بيدأ المجتمع في الانهيار وتبدأ الدولة في إجترارنفسها حتى النهاية المحتومة وكل ذلك فقط لخدمة أنانية الحاكم .
المجتمعات الحية تتميز بدرجة ملحوظة من الديناميكية (Mobility ) والقدرة على التواصل بين الأجيال وأيضاً بين الطبقات ضمن إطار من الشفافية وتوفر آليات واضحة ومستقلة ضمن مجتمع مدني فاعل تتمكن الكفاآت من خلاله بالتحرك والمنافسة والولوج الى مواقع المسؤولية المختلفة ضمن منظور الكفاءة والقدرة على التعامل مع المنصب العام ومسؤولياته وخدمة الصالح العام للدولة والمجتمع ضمن إطار من الشفافية الفاعلة . وهذا بالظبط ماهو مطلوب توفره في المجتمعات العربية .

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى