العلاقات السعودية الإسرائيلية، والولاية الهاشمية على الأماكن المقدسة

الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في القدس بدأت عام 1924، وآلت للشريف الحسين بن على بما عرف ب”بيعة الشريف” بموجب قانون أقره الانتداب البريطاني، إذ كانت الأردن آنذاك لا تزال تحت سلطة الانتداب البريطاني مع منحها حكما ذاتيا، وبعد عام 1948عندما أصبحت الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية تابعة للحكم الأردني، تولت وزارة الأوقاف الأردنية بموجب الوصاية الإشراف على المقدسات الإسلامية والمسيحية ومن أبرزها الجامع القبلي، ومسجد قبة الصخرة، وكنيسة القيامة، وفي عام 1988 قرر الملك الراحل الحسين بن طلال فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية باستثناء الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة في القدس التي بقيت تحت الوصاية الهاشمية، وبتاريخ 31/ 3/ 2013 وقّع الملك عبد الله بن الحسين الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس اتفاقية أعادت تأكيد أن ملك الأردن هو صاحب الوصاية على تلك الأماكن، وله الحق في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ عليها.
ومرة أخرى عاد موضوع الوصاية الهاشمية إلى الواجهة بعد أن ازدادت التسريبات والأحاديث عن التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، والتي توجت، كما ذكرت مصادر إسرائيلية، بزيارة نتنياهو للسعودية ولقائه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومحاولات أمريكا وإسرائيل دفع السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل مقابل إعطائها دورا في القدس! فهل ستسلم إسرائيل المقدسات في القدس كهدية للسعودية مقابل تطبيعها معها؟ وهل سيتنازل الأردن عن دوره التاريخي في الوصاية عليها؟
إسرائيل تلعب دائما على أوتار النزاعات العربية – العربية، وتنتهج سياسة فرق تسد لمحاصرة الفلسطينيين، وخداع العرب حكاما وشعوبا لتصفية القضية الفلسطينية والتغلغل والتوسع في أوطانهم، ومن الممكن أن تستغل طموحات ولي العهد السعودي، وتسمح لبلاده بالمشاركة في الإشراف على الأماكن المقدسة لتدفع السعودية للتطبيع معها وتستغل نفوذها في التأثير على دول عربية وإسلامية للحذو حذوها. ولهذا فإن الاتصالات السعودية الإسرائيلية السرية، والسماح للطائرات الإسرائيلية بالتحليق في الأجواء السعودية، والتصريحات التي أدلى بها العديد من المسؤولين الأمريكيين عن قرب تطبيع السعودية مع إسرائيل أقلقت الأردن، وأثارت مخاوفه من فقدان وصايته على تلك الأماكن وإضعاف علاقاته السياسية والاجتماعية المتشعبة العميقة مع الشعب الفلسطيني، وبالتالي تهميش دوره في محاولات إيجاد حل للصراع، وفي التأثير سلبا على مكانته العربية والدولية.
ونتيجة لهذه التطورات والمخاوف ازداد النشاط الدبلوماسي الأردني لإفشال النوايا الإسرائيلية، وإجهاض محاولات السعودية للهيمنة على المقدسات الإسلامية في القدس. فقد ظهر موقف الأردن الرافض لتغيير وصايته على المقدسات جليا في الرسالة التي وجهها الملك عبد الله الثاني إلى لجنة الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني شيخ نيانغ بمناسبة يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني شدد فيها الملك بصفته صاحب الولاية الهاشمية على الموقف الأردني بقوله ” إن القدس الشريف ومقدساتها كانت وستبقى محور اهتمامنا ورعايتنا، وستبقى الوصاية واجبا ومسؤولية تاريخية نعتز بحملها منذ أكثر من مئة عام.” وفي لقائه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في العقبة يوم الأحد الماضي 29/ 11/ 2020 جدد الملك وعباس التأكيد على استمرار الأردن بتأدية دوره التاريخي والديني في حماية تلك الأماكن.
من الواضح أن تصريحات الملك عبد الله والرئيس عباس بخصوص الوصاية الهاشمية كانت بمثابة تحذير للسعودية وإسرائيل بأن تبتعدا عن المساس بها، وألا تحاولا استغلالها في تمرير التطبيع السعودي الإسرائيلي وتشجيع الهرولة العربية الإسلامية لتل أبيب! لكن الحقيقة المرة هي ان القدس وما فيها من أماكن مقدسة ستظل محتلة، بغض النظر عمن يتولى إدارتها في ظل الاحتلال، أو في حالة إقامة الدويلة الفلسطينية الموعودة التي تصر إسرائيل على ابقائها محدودة السيادة وتحت وصايتها، أي ان مشاركة السعودية في الوصاية على المقدسات في القدس لن تغير من الأمر شيئا، ولن تثني إسرائيل عن مخططاتها التوسعية، ولن تساعد السعودية في تمرير استسلامها بالادعاء بأنها طبعت لإنقاذ القدس، كما ادعت الإمارات بأنها طبعت لمنع الضم!؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى