مؤتمرالحوار الليبي في تونس وخارطة الطريق الوطنية
بقلم : توفيق المديني

منذ سقوط نظام العقيد القذافي في2011،عاشت ليبيا عشر سنوات من الحروب والدمار والانقسام بين مختلف الأطراف الليبية المتناحرة في هذا الصراع الأهلي،إضافة إل تدخل الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في هذه الأزمة الليبية،الباحثة عن تحقيق محاصصة مرضية في الموارد الليبية،ولاسيما في مجال النفط والغاز،وباتت مقتنعة أيضًا ،في ضوء تقارب خطاباتها، مثل وحدة الأراضي الليبية،والحفاظ على أمنها،واستقرارها،وضمان انتقال سياسي سلمي بها،وشمول كل أطراف النزاع الليبية في التسوية النهائية للأزمة التي رعتها الأمم المتحدة، عبرخريطة طريق أممية تم إقرارها في سبتمبر/ أيلول 2017، بإيجاد تسوية سياسية مرضية تتفق مع مخرجات هذه المحاصصة وضوابطها.
نتائج مؤتمر الحوار الليبي في تونس
ضمن هذه الرؤية،تابعت الأوساط العربية والدولية بكل اهتمام مسارالمفاوضات التي احتضنتها تونس من 9 الى 15 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري في إطار الجولة الأولى لملتقى الحوارالسياسي الليبي المنعقد تحت إشراف البعثة الأممية للدعم في ليبيا التي تقودها المبعوثة الأممية بالنيابة إلى ليبيا الأمريكية ستيفاني ويليامز.وشارك في الملتقى وفدان من مجلس الدولة، ونواب طبرق،و75 شخصية ليبية تمت دعوتهم،وذلك بعد تعهدهم بعدم الترشح لأي منصب تنفيذي أو رئاسي في الفترة التحضيرية.
في كلمة الافتتاح، قال الرئيس التونسي قيس سعيَّدْ: “لا وصاية على الشعب الليبي والحلّ يجب أن يكون نابعًا من إرادة الشعب الليبي”،مؤكِّدًا قناعته بأنَّ الحل لا يمكن أن يكون إلا ليبيًا –ليبيًا.واقترح الرئيس سعيَّدْ على الفرقاء الليبيين المشاركين في ترتيب الفترة الانتقالية عدم الترشح إلى عضوية المؤسسات الدائمة.وبرَّرَهذا المقترح إلى أنَّ المنع القانوني للمشاركين في إدارة المرحلة الانتقالية سيسمح بتفادي توتراتٍ لاحقةٍ يطول أمدها في مؤسسات الحكم الدائمة.كما وصف سعيَّدْ الحوارب”اللحظة التاريخية”،مشدِّدًا على الحلِّ الليبي-الليبي لإنهاء الأزمة وعلى الدعم التونسي غير المشروط.
ومن جهتها،قالت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة البعثة الأممية للدعم في ليبيا بالإنابة ستيفاني ويليامز:”نحن على مشارف ليبيا الجديدة بعد سنوات من الشدِّ والجذْبِ والحروبِ والأزماتِ”,وأضافت ويليامز:”نحن نخطو إلى الأمام بخطواتٍ واثقةٍ في مساراتٍ متعددةٍ التى تسيربعضها الأمم المتحدة، مستندين إلى إرادة الشعب الليبي”.ولفتت إلى أنَّ الطريقَ لن يكون مفروشًا بالورودِ، ولكنَّ اتفاق وقف إطلاق النار في أرجاء ليبيا أسهم في تهيئة الأجواء قبل الحوار.
وقد استند الحوار الليبي في تونس إلى قرار مجلس الأمن رقم 2510 لسنة 2020 ،الذي تبنى نتائج مؤتمر برلين بشأن ليبيا في 19يناير/ كانون الثاني الماضي،إضافة إلى توصيات:مونترو والتفاهمات التي توصل إليها في محادثات برلين وبوزنيقة والقاهرة وغدامس.وتوصل المشاركون في الحوار اللّيبي بتونس ،في سابع أيام المناقشات إلى توافق في ثلاثة ملفات أساسية، أولها تحديد تاريخ 24 كانون الأول/ديسمبر 2021 موعدا لإِجْراء انتخابات برلمانية ورئاسية على أسس دستورية.
وبخصوص ثاني الملفات المتفق حولها: “تمَّ تحديد اختصاصات السّلطة التّنفيذية وشروط التّرشح للمجلس الرئاسي،حيث سيكون لديه مسؤوليات بسيطة بينها العمل على المصالحة الوطنية، ويتكون من 3 أعضاء يمثلون مناطق الجنوب والشّرق والغرب”.أما الملف الثالث الذي توافق عليه المشاركون ،فهو يتجسد باختصاص الحكومة الذي سيكون مُحَدَّدًا في تقديم الخدمات للشعب الليبي، كالماء والكهرباء وغيرها.
رصد في ردود الفعل على نتائج الملتقى الليبي
رحّب رئيس المجلس الرئاسي فائز السرّاج،بما توصل إليه المشاركون في ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي عقد في تونس، مؤكِّداً في بيان، الإثنين الماضي ،على “دعمه الكامل لهذا التوجه الذي يعزز مطالب المواطنين،ويشكل أساس مبادراته التي طرحها تباعاً للخروج من الأزمة الراهنة”.وأعلن السرّاج “تخصيص مبلغ مالي للمفوضية العليا للانتخابات، وتسخير كافة الإمكانات المتاحة لتمكينها من أداء عملها بكفاءة ومهنية”،مشدِّدًا على “أهمية الالتزام بالتاريخ المعلن لإجراء الانتخابات”.
بدورها،رحبت السفارة الأمريكية في ليبيا بالتقدم المحرز في مسارالحوارالسياسي والانتخابات، مُؤَكِّدَةً وقوفها مع جميع الأطراف الليبية في الحوارالسلمي، لتأكيد سيادة ليبيا ورفض التدخل الأجنبي وبناء مستقبل العملية الديمقراطية.واعتبر وكيل وزارة الخارجية الإيطالية مانيلو دي ستيفانو،أنَّ اختتام ملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس دون اتفاق على الحكومة الجديدة، ليس تباطؤاً سياسياً، بل تسارع بالنظر إلى الوضع في ليبيا قبل شهرين فقط. وأعرب دي ستيفانو في مقابلة مع وكالة “نوفا” الإيطالية في روما عن اعتقاده بأنَّ ليبيا “مع كل أبعاد القضية اليوم، لن تعود إلى حالة الفوضى التي كانت سائدة قبل أشهر”.
ولدى اختتام الملتقى،أكدت المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني ويليامز أنَّ “المشاركين أنجزوا الكثير،وتوافقوا على خريطة طريق،وأقرّوا موعداً للانتخابات، وخطّة إصلاحية للمؤسسات، وتمّ الاتفاق أيضاً على الفصل بين المجلس الرئاسي والحكومة وتحديد صلاحيات كل منهما، وهذا سيُسّجل لهم،وأثبتوا أنَّهم مع التغيير والإصلاح وتغيير المشهد في البلاد، وهناك الآن خريطة طريق نحو الانتخابات”.
كانت ويليامز تُدْرِكُ أنَّ الوضع في ليبيا معقدٌ، وأنَّ الصراع لا يزال ساخناً، والأسلحة لم تذهب بعد إلى مستودعات جيشٍ موحدٍ، وأنَّ التغييرَ يحتاجُ إلى وقتٍ طويلٍ وصبرٍ أطولٍ، ولذلك أكَّدتْ أنَّ “عشر سنوات من الصراع لا يمكن حلّها في أسبوع واحد”. لكنَّها لفتت إلى أنَّ هناك “تجربة لدى المشاركين في التنازل المتبادل من أجل التوصل إلى تفاهمات، وتحدوهم رغبة كبيرة في تغيير الوضع في ليبيا، وهناك رغبة لتكون أصوات الشباب والنساء ممثلة في المشهد الجديد، وينبغي الإنصات لذلك”.
عدم سقوط مقترح استبعاد المسؤولين السابقين
رغم الإنجازات الإيجابية التي حققها مؤتمر الحوار بين الفرقاء الليبيين في تونس،فإنَّه فشل في استبعاد المسؤولين السابقين من الترشح للحكومة الجديدة، إذْ إِنَّ مقترحَ منعِ كبارِ المسؤولينَ الليبيينَ المشاركينَ في الحكم منذ 2014 من الترشح للمناصب لم يُحْظَ بإجماع.فقد رفض المشاركون في المؤتمر ذلك بسبب عدم تحقيق 75 من جملة الأصوات، ولكنَّ تمّ ذلك بنسبة 60 في المائة،وهو ما يوجه رسالة قوية حول هذه :”ليبيا الجديدة”.
وتوضح ويليامز بهذا الخصوص،و”هي أغلبية حقيقية(60%) توجه رسالة حقيقية لكل أولئك الذين سبق لهم أن تقلدوا مناصب”. وذكّرت المبعوثة الأممية بما قالته سابقاً، حول تسليط عقوبات على المعرقلين للمسار،وشدَّدَتْ على أنَّه لن تكون العرقلة مسموحةً، محذرةً من وصفتهم بـ”ديناصوراتٍ” سياسيةٍ، ومؤكِّدَةً أنَّه “وجب عليهم التفاعل مع الحوار وإلا كان مآلهم الإنقراض”. ويبدو أنَّ وليامز ستؤجل استبعاد الوجوه القديمة لـ12 شهراً إلى غاية الانتخابات، إذ يَنُصُّ باب شروط الترشح لمهام السلطة التنفيذية على أنَّ “كل مرشح ملزم قانونياً وأدبياً بالتعهدات التالية: يتعهد شاغلو المناصب القيادية في السلطة التنفيذية الموحدة للمرحلة التمهيدية بعدم الترشح للانتخابات العامة التي تنهي هذه المرحلة، وأن يقدم تعهداً باحترام خريطة الطريق للمرحلة التمهيدية للحل الشامل وللمسار الانتخابي والإطار الزمني المحدد لها.
وتذهب دعوة الشخصية الليبية المعروفة، علي الصلابي، في هذا الاتجاه، حين دعا في تصريح صحافي “كلّ الشخصيات التي تعتلي المناصب الكبرى في ليبيا، من أمثال عقيلة صالح وفائز السراج وخليفة حفتر وخالد المشري، إلى أخذ خطوة للوراء، وترك المساحة لليبيين للتوافق على أسماء بعيدة عن الصراع، ويمكن أن تحقق المصالحة الوطنية”. وأشار الصلابي إلى أن “تصويت أعضاء الحوار بنسبة تجاوزت الـ60 في المائة ضد ترشح المسؤولين السابقين التنفيذيين والتشريعيين، يعكس رغبة الليبيين في تجديد الدماء والخروج بأسماء جديدة”.
ويؤكد الباحث التونسي في الشأن الليبي، مهدي ثابت، في تصريح لـصحيفة “العربي الجديد”،بتاريخ 18نوفمبر الجاري أنَّ الحوار السياسي الليبي في تونس حقّق بعض الأهداف، لكن ليس كلّها،وذلك بالنظر لما كان يرجى،وبالآمال والتوقعات المطروحة، مبيناً أن العقبات الموجودة على الأرض لم يتم التقدم فيها.وحول هذه العقبات، تحدث ثابت خصوصاً عن المعايير الخاصة باختيار رئيس المجلس الرئاسي،أي من هي الشخصية الليبية التي يمكن أن تحكم بأقصى قدر من الإجماع، ويكون حولها توافق،وتكون قادرة على قيادة المرحلة المقبلة، خصوصاً أن من بين مهام من يتقلد هذا المنصب رئاسة القوات المسلحة، بمعنى أنه يسيطر على الكتائب العسكرية في إطار حكومة موحدة. ورأى أنَّ العثورعلى شخصية توافقية تنال رضا الشرق والغرب أمرٌ صعبٌ جدًّا.
واستطرد الباحث التونسي بقوله إنَّ إيجاد هذه الشخصية، يعني التصدي لأيِّ مشروعٍ من شأنه تخريب الاتفاق الليبي،والأهم حصول اتفاق على الأرض،لأنَّ ليبيا اليوم منقسمةٌ إلى قسمين، وهذا الانقسام عسكريٌ أساساً. وبالتالي، برأيه، فإنَّه يمكن القول إنَّ بعثة الأمم المتحدة فشلت في الوصول إلى حلٍّ، والسبب أنَّ الاعتقاد الذي كان سائداً قبل الحوار هو أنَّ الليبيين ملُّوا الاقتتال وسيقبلون بأيِّ حلٍّ، في حين أنَّ منظمي الحوار لا يعرفون أنَّ حَجْمَ الخلافاتِ وتراكمها على مرِّ السنواتِ سيُعَقِّدُ الحلَّ، الذي ليس من السهل بتّه في مؤتمر. واعتبر أنَّ مقاربة الأمم المتحدة في التعاطي مع الملف الليبي، كانت منذ البداية خاطئةً.
خاتمــــــــــة
من العوامل التي أسهمت في تحقيق نتيجة إيجابية لملتقي الحوارالليبي في تونس، توقيع كبار القادة العسكريين من الشرق والغرب (مجموعة 5+5 ،أو مجموعة العشرة) على اتفاق “وقف نهائي”لإطلاق النار،وصدور قرارات مهمة عن المؤتمرات السياسية التي عقدت في غدامس،وجنيف،و المغرب،ومصر،وتركيا،وألمانيا،من بينها استئناف إنتاج النفط وتصديره، وتبادل الأسرى والمعتقلين وإعادة فتح المطارات والطرق الساحلية بين الشرق و الغرب الليبي.
أما نجاح التسوية السياسية ،فهو مرتبطُ بتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية،وتشكيل جيش ليبي وطني،بوصفه شرطًا رئيسًا،وإن كان بالغ التعقيد،لهذه التسوية،بسبب وجود المعوقات الداخلية، المتمثلة بـ”المشروع الشخصي لحفتر”،وتدني مؤسساتية القوات الداعمة لحكومة الوفاق الوطني، وانتشار الميليشيات الإرهابية في المكونات العسكرية للجانبين، ربما تؤثر لاحقًا على مهنية “الجيش الليبي”.
أما على الصعيد الخارجي، تتجسد معوقات التسوية السياسية في الصراع بين الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة للاستئثار بمصالح اقتصادية مهمة في قطاع الطاقة الليبي. فهناك الصراع الأمريكي -الأوروبي-الروسي على محاصصات الطاقة، وهناك التنافس الإيطالي-التركي للإستئثار بمشروع الطاقة،إذ يسعى هؤلاء الفاعلين لتسوية حقيقية للأزمة الليبية تخدم بالأساس مصالحهم .وهكذا، فإنَّ التعافي الاقتصادي في ليبيا، القائم بالأساس على قطاع الطاقة، يظل رهنًا بمضي خطط المحاصصة الدولية فيه قدمًا.
ولما كانت الأطراف الليبية القائمة حاليًا لا تمتلك مشروعًا وطنيًا وديمقراطيًا لإعادة بناء الدولة الوطنية الليبية الحديثة،فإنَّ مسارات التسوية السياسية الحالية في ليبيا، وتهديدات المحاصصة القائمة، تقود إلى توقع استمرار رهن مستقبل الدولة الليبية بمخرجات التوافق الدولي والإقليمي حول الأزمة،واستمرار تهميش مواقف الشعب الليبي، والارتهان فقط بمواقف الأطراف السياسية والعسكرية الليبية المستقوية بالدعم الإقليمي والدولي ،والتي تبتعد شيئًا فشيئًا عن التعبير عن الإرادة الشعبية الليبية.