عن انعقاد المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين السوريين

انعقد في دمشق بقصر الأمويين للمؤتمرات يومي 11و12 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين السوريين، بحضور الأمم المتحدة بصفة “مراقب” ووفد روسي كبير، وممثلين عن بعض الدول الحليفة لدمشق مثل فنزويلا وإيران والصين ،وعدد من الدول العربية بينها لبنان والعراق، فيما قاطعه الاتحاد الأوروبي، الذي يفرض عقوبات على الحكومة السورية.
وخلال افتتاح المؤتمر،قال الرئيس السوري بشَّار الأسد في كلمة عبر الشاشة “نحن اليوم نواجه قضية مركبة من ثلاثة عناصر مترابطة، ملايين اللاجئين الراغبين في العودة ومئات المليارات من بنية تحتية مدمرة بنيت خلال عقود وإرهاب ما زال يعبث في بعض المناطق”.
وخلال لقاء جمع الرئيس السوري بشَّار الأسد ، يوم الاثنين الماضي ، عبر الإنترنت بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، قال الأسد:إ نَّ الولايات المتحدة والدول الأوروبية تمنعان عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، في وقت أيّدت فيه واشنطن العقوبات الأوروبية الجديدة على وزراء في الحكومة السورية قبيل عقد الأخير مؤتمراً بهدف “إعادة اللاجئين”.
وأضاف الأسد قائلاً “نحن اليوم أمام واجب التسوية بما في ذلك عودة اللاجئين والنازحين، كما نصَّ عليه قرار الأمم المتحدة 2254، واليوم فإنَّ أكثر من 6.5 ملايين لاجئ خارج الأراضي السورية وأغلبيتهم من القادرين على العمل ولا بد من أن يشاركوا في عملية إعادة إعمار بلدهم”.
وأكَّد البيان الختامي الصادر عن المؤتمر الدولي على الدعم الثابت لوحدة وسيادة واستقلال سورية ووحدة أراضيها ومواجهة جميع المحاولات الرامية لتقويض سيادتها وسلامة أراضيها.كما شدَّد البيان على مواصلة الحرب على الإرهاب حتى القضاء على جميع التنظيمات الإرهابية المدرجة على قائمة مجلس الأمن للكيانات الإرهابية.مشيراً إلى أنه لا حل عسكريا للأزمة في سورية والحل سياسي يقوده وينفذه السوريون بأنفسهم، إضافة إلى رفض جميع العقوبات أحادية الجانب غير الشرعية وخاصة في ظل انتشار وباء كورونا.
وأكَّد البيان أيضًا: على استعداد الحكومة السورية ليس لإعادة مواطنيها إلى أرض الوطن فحسب بل ومواصلة جميع الجهود لتوفير عيش كريم لهم، إضافة إلى توجيه الدعوة إلى المجتمع الدولي ووكالات هيئة الأمم المتحدة ذات الصلة إلى تقديم الدعم اللازم للمهجرين والنازحين السوريين وكذلك دعم سورية والبلدان المضيفة لضمان حقهم المشروع والثابت في العودة.
اللاجئون السوريون والهروب من الحرب
تحولت قضية اللاجئين السوريين إلى قضية عالمية في عام 2013، إذ تحوّل لاجئون كثر للسفر عن طريق البحر إلى دول أوروبية عديدة، بعد ازدياد أعدادهم في تركيا والأردن ولبنان. ورغم تضارب الأرقام والإحصائيات حول عدد النازحين السوريين من وطنهم، فإنّ الرقم الأكثر تداولاً من قبل المنظمات الدولية التي تُعنى بشؤون اللاجئين، يَدُورُ حول 5.6 مليون لاجئ سوري في الدول المجاورة لسورية وأوروبا، و6.6 مليون نازح سوري داخل البلد، وهو الرقم الذي يمثّل أكبر عدد نزوح لشعب في العالم، وهؤلاء فرّوا من العنف الذي أفرزته الحرب .
وتَدُّلُ المعلومات المتوافرة لدى “المركز الروسي لاستقبال وتوزيع اللاجئين في سورية” على أنَّ ستة ملايين و982 ألفاً و302 لاجئ سوري مسجلون اليوم في أراضي 45 دولة أجنبية، فيما بلغ عدد اللاجئين السوريين في أوروبا حدود الـ 900 ألف توزّعوا على حوالي 37 دولة أوروبية، 59% في صربيا وألمانيا و29% منهم بين السويد أستراليا هنغاريا والدنمارك، أما الباقي فقد شكّلوا حوالي 12% فتوزّعوا في بقية دول الاتحاد الأوروبي.
ويُقَدِّرُ البنك الدولي أنَّ الخسائر المتراكمة في إجمالي الناتج المحلّي السوري بين عامَي 2011 و2016 قد بلغت 226 مليار دولار، أي نحو أربعة أضعاف إجمالي الناتج المحلّي السوري في العام 2010. كما قدّر صندوق النقد الدولي كلفة إعادة الإعمار في سورية بما يتراوح بين 100 إلى 200 مليار دولار. وفي عشر أكبر مدن في البلاد، دُمِّر أكثر من ربع المساكن المتوفرة في 2010، جُزْئِيًا أوْ كُلِيًّا بحلول 2017، خصوصًا في المدن التي خرجت عن سيطرة الدولة لفترة من الوقت. مستويات الدمار كانت أكبر بكثير في دير الزور وتدمر (41 بالمائة في كلٍّ منهما)، وحلب وحمص (30 بالمائة في كلٍّ منهما)، ودرعا (15 بالمائة). وفي هذه الأثناء، أدَّى النزوح الجماعي للمدنيين إلى احتلال النازحين داخليًا على نطاقٍ واسعٍ للمساكن الشاغرة في غياب أصحابها، وإلى نشوءِ مُخَيَّمَاتٍ مُؤَقَتَةٍ على أراضٍ يملكها مدنيون فَرُّوا من النزاع. ويُرجَّحُ أن تُوَلِّدَ هذه المسائل نزاعات قانونية للاجئين العائدين الذين يسعون إلى استعادة أصولهم وممتلكاتهم.
وحوالي 78% من المواطنين السوريين يعيشون في مناطق دمشق وحمص وحماه والساحل السوري والسويداء والقامشلي حيث المواصلات متوفرة بين بعضها البعض، ويمكن لنا أن نُسَمِّيهَا (بسورية المفيدة) على أهمية كل الجغرافيا السورية بالنسبة للجيش والدولة السورية .
أعداد ضخمة من اللاجئين تحولوا إلى دول محيطة بسورية أو أوروبية أو حتى دول عربية وأفريقية بالإضافة إلى أمريكا وأستراليا، لكن ما زالت أعدادهم قليلة مقارنة بالنزوح الداخلي الأضخم. وتقول بعض التقارير الغربية: “إنَّ أَكْثَرَ من 7 ملايين سوري تَرَكُوا منازلهم وهَجَرُوا مناطقهم إلى مناطق أخرى ضمن سورية، حيث شهدت مدينة حلب بداية أكبر عدد من النازحين قبل أن يتم قصفها، ثم تلتها مدينة دمشق واللاذقية وحماه بالإضافة إلى مدينة طرطوس”.
مشاركة لبنان ومخاوف الدولة اللبنانية من اللاجئين السوريين
شارك لبنان في المؤتمر بوفد رسمي ترأسه وزير السياحة والشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال رمزي مشرفية، حيث تُعَدُّ قضية اللاجئين السوريين ، مسألة استراتيجية بالنسبة إليه.ويستضيف لبنان حوالي 1.011.366 لاجئ سوري مسجل لدى مفوضية شؤون اللاجئين، وهو رقم كبير بالنسبة لبلد صغير كلبنان، حيث لا يتعدى عدد سكانه 4.4 ملايين نسمة. مما يعني أن تدفّق اللاجئين زاد من تعداده السكاني بنسبة 25%، في وقت يعاني فيه أصلاً من ضعف في الخدمات والبنى التحتية. إلّا أنَّ الرئيس ميشال عون،قال إنّ لبنان لم يعد قادراً على تحمّل المزيد من التداعيات السلبية لهذا النزوح، الذي كبّد لبنان خسائر تجاوزت الأربعين مليار دولار أميركي وفق أرقام صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى أنّ وجود نحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري، ونحو 500 ألف لاجئ فلسطيني، يشكل مجموعهم نصف سكان لبنان، يؤثر سلباً على مختلف القطاعات فيه ولا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، وتداعيات فيروس كورونا، فضلاً عن الخسائر التي حصلت نتيجة الانفجار في مرفأ بيروت.
وقال أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأمريكية في بيروت ناصر ياسين، لصحيفة ـ”العربي الجديد”بتاريخ 10نوفمبر 2020، إنّ “تعامل لبنان مع أزمة بحجم اللجوء السوري لم يكن كافيًا، في ظل غياب المقاربة الشاملة للتعاطي معها، وغلب طابع استجداء المساعدات من الخارج، الذي قابله في الوقت نفسه، استخدام خطاب التخويف، والتهويل بالانفجار، والقنبلة الموقوتة المُسمّاة اللاجئين”.
اللاجئون السوريون في تركيا
أصدرت وزارة الداخلية التركية ودائرة الهجرة التابعة لها مؤخرًا إحصائية جديدة لعدد اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، قالت فيها إنَّ عددهم تجاوز الثلاثة ملايين و600 ألف لاجئ سوري. بينما ذكرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أنَّ عَدَدَ اللاجئين السوريين في تركيا وصل إلى ما يقارب مليونين و800 ألف لاجئ مُسجلين في الكشوفات الرسمية، مشيرةً إلى أنَّ اللاجئين غير المسجلين يُقَدَّرُ عددهم بقرابة 200 ألف لاجئ.
وعلى عكس الاعتقاد الشائع بأنَّ إسطنبول تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين، فإنَّ الإحصائية أظهرت أنَّ ولاية هَاتَايْ(مقاطعة أسكندرونة السورية التي ضمتها تركيا بتواطىء من الاحتلال الفرنسي سنة 1937، لكي لا تنظم تركيا إلى بلدان المحور في الحرب العالمية الثانية) هي أكثر المدن التركية استضافة للاجئين السوريين، وقد يعود ذلك إلى جانب تَكَلُّمِ شريحةٍ كبيرةٍ من سكانها اللغة العربية، وقُرْبِهَا من الحدود السورية، ووجود قَرَابَاتٍ بين السكان على جانبي الحدود، وبَلَغَ عدد اللاجئين السوريين المتواجدين بها 385 ألف و180 لاجئ.
وجاء رجال أعمال سوريون برؤوس أموالهم وخبرتهم وعلاقاتهم الدولية، وأسَّسُوا أعمالاً في تركيا، وثمّة رقم يقول إنَّ نحو 15 ألف شركة أسَّسَهَا سوريون، بلغت صادراتها العام الماضي نحو 1.5 مليار دولار. وتتحدث تقارير غير رسمية عن أنَّ حجم الأموال السورية المستثمرة في تركيا يتعدَّى عشرة مليارات دولار.
اللاجئون السوريون في الأردن
منذ انطلاقة شرارة الأحداث في سورية سنة 2011، بدأ تدفق اللاجئين السوريين إلى المملكة الأردنية، ومع تزايد أعداد اللاجئين السوريين بدأ الأردن يَشْعُرُ بِالْقَلَقِ الْأَمْنِي، وتنامت لديه المخاوف الديموغرافية والتحديات الهيكلية. هذا وتقدّر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد اللاجئين المُسجلين في الأردن حالياً بـنحو 659 ألف لاجئ، فيما قدّرت الحكومة الأردنية في 2017 أنَّ ثمة 643 ألف لاجئ سوري إضافي غير مُسجلين، لأسباب مختلفة، لا سيما الخشية من الطَرْدِ والاضْطِهَادِ على يدِ الحكومة السورية. ويشكّل الشباب دون الثامنة عشرة من العمر نحو نصف عدد اللاجئين، فيما 30 بالمائة من الأسر ترأسها نساء.
دول أوروبا واستقبال اللاجئين السوريين
انتشرت بعد سنة 2013 بين اللاجئين السوريين ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى البلدان الأوروبية من شواطئ البحر المتوسط، بواسطةِ سَمَاسِرَة ٍ ومُهَرِّبِينَ، لكن الرحلات البحرية هذه تحمل الكثير من المخاطر واحتمالات الموت غرقاً، كما أن تكلفتها مرتفعة جداً، إلا أن المهاجرين ظلوا متمسكين بهذه الطريقة بحثاً عن حياة أفضل من مناطق اللجوء.
وأَصْدَرَتْ الدول الأوروبية(ألمانيا وفرنسا و إيطاليا) بيانًا مشتركًا، يوم الأربعاء 9 أيلول/سبتمبر 2015،في محاولة لضمان “انتشار عادل” للمهاجرين في أنحاء أوروبا. وبعد اجتماع رؤساء ألمانيا وفرنسا وإيطاليا واتصالهم بأوروبا وكندا وأمريكا، تَقَرَّرَ أنْ يَتِمَّ توزيع اللاجئين السوريين فقط على الدول وفق الجدول التالي:
1-كندا تستقبل نصف مليون لاجئ سوري شرط أن يأخذوا تأشيرات من سفاراتها حيث ستعطي أوامر بإعطاء السوريين تأشيرات لنصف مليون سوري.2-فرنسا وافقت على استقبال 300 ألف لاجئ سوري.3-ألمانيا وافقت على استقبال مليون لاجئ سوري.4-إيطاليا وافقت على استقبال نصف مليون سوري.5- صربيا وافقت على استقبال 100 ألف لاجئ سوري.6-بولندا وافقت على استقبال 100 ألف لاجئ سوري.7- هنغاريا وافقت على استقبال 100 ألف لاجئ سوري.
وسوف يعطى الْحَقَّ باللجوء للسوريين فقط مع عائلاتهم مع إعطائهم، وبعد خمس سنوات جنسية للبلد الذين هُمْ فِيهِ، وهكذا يكون 4 مليون ونصف سوري قد لجأوُا إلى أوروبا وكندا وأمريكا.
وتُعَدُّ هذه الهجرة أكبر هجرة بعد الحرب العالمية الثانية، وتفقد سورية5 مليون نسمة من سكانها، إضافة إلى وجود 6 مليون لاجئ في تركيا والأردن ولبنان ومصر والعراق واليونان. ويكون مجموع الذين هاجروا 11 مليون سوري موجودين خارج سورية.
خاتمة:
يُعَدُّ انعقاد المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين السوريين خطوة مهمة على طريق إيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية المتفجرة منذ عشر سنوات عجاف ،رغم الخلافات و العراقيل التي حالت دون انعقاده في السابق ، بسبب التباينات في المواقف العربية والغربية والأمريكية، في مقاربة لملف عودة اللاجئين السوريين الذي ربط مساره بالحل السياسي في سورية.
لا شكَّ أنَّ ملفَّ عودة اللاجئين مرتبطٌ بمسألة إعادة الإعمار التي تضع دول غربية في مقدمتها الولايات المتحدة، خطوطاً حمراء على البدء بتنفيذها في البلاد، قبل إنجاز التسوية السياسية بناء على القرار 2254 والمرجعيات الأممية.ومسألة إعادة الإعمار تتطلّب تمويلاً، وغالباً ما يكون مصدره الأوروبيون والبنك الدولي والمؤسسات الدولية وبعض الصناديق العربية، وبالتالي أجواء هؤلاء لا تزال رافضة لأي تعاون مع الدولة الوطنية السورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى