عيد ثورة تشرين العراقية الأول.. ثبات استراتيجي على طريق التغيير الكامل
بقلم: حسن خليل غريب
بعد مرور سنة على انطلاقة الثورة العراقية، يطغى على المشهد العراقي صورة الصراع الأميركي – الإيراني، وهو متحول لم يكن موجوداً ما قبل تلك الانطلاقة بمثل هذه الصورة الحاسمة. ويمكننا أن نبني عليه نتائج تصب بعضها في مصلحة الانتفاضة، وقد يظهر بعض منها قد يتسبب ببعض الإرباكات لها. ولهذا، وقبل الدخول في استعراض ما نحسب أن له تأثيراً عليها، يتعين أن نمهد لما نراه من أهداف لهذا الصراع.
تمهيد: إذا كانت إيران الداء، فإن أميركا ليست الدواء:
في معرض الصراع الدائر بين أميركا وإيران، نتذكر القصة الرمزية التي يصف بها أحد الأدباء القدامى حالة الصراع بين الأقوياء، وموجزها التالي:
سمع حمل صغير وامه النعجة، صفيراً حاداً في السماء، فرفع الحمل نظره ليستكشف الأمر، فإذا بنسرين يتعاركان بشراسة وريشهما المنتوف ينتشر في السماء. فرفع الحمل صوته بالدعاء لهما ليصلح الله ما بينهما. فقالت النعجة لابنها: يا حملي الوديع، لا تدعو لإصلاح ذات البين بينهما فهما يتقاتلان للفوز بافتراسك. فالمنتصر منهما سيستأثر بلحمك. وإذا صلح ذات البين بينهما سيفترسانك معاً، ويتقاسمان ذبيحتك.
إن من يتوهمون بأن تتحول أميركا إلى صديق يعيد العراق إلى أهله لن يصلوا إلى نتيجة، لأن أميركا لا تقاتل إلاَّ من أجل مصالحها الخاصة، وتعمل على تقليص نفوذ إيران لتستفرد بافتراس العراق. ولا ننسى أنه ما كان لإيران نصيب بالوصول إلى العراق لولا أميركا، فهي سمحت للنظام بالتسلل وهي التي سلَّمته العراق بعد هزيمتها العسكرية. فما هي تأثيرات صراع القوتين على ثورة تشرين في عامها الأول؟
ثورة العراق تضع الميليشيات الإيرانية تحت المجهر الإعلامي:
بين الخامس والعشرين من تشرين الأول من العام 2019، وشقيقه في العام 2020، مسافة سنة واحدة، كانت حبلى بالمفاجآت والتحولات. فما قبله كانت الأرض تنذر بظهور المارد العراقي من قمقمه ليملأها عدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً، فكان الأول من تشرين 2019، موعد المارد مع ثورته المنتظرة. ولكنه بنظر الظالمين والجائرين، كان كأنه حلماً سرابياً عند القائمين به، فلم يأخذوه على محمل الجد، وإنه لا يحتاج إلى كثير من العناء لاجتثاثه. وسلُّوا سيوفهم لنحره، ومنُّوا النفس بالقضاء عليه قبل أن يستفحل أمره. وكان في مقدمة الناحرين، عشرات من الميليشيات العراقية التابعة للنظام الإيراني. ولعلَّ نظام (ولاية الفقيه) الذي زعم أنه يمثل مركزية من يقفون على أبواب الانتظار، كانت الأكثر فتكاً بـ(مارد الثورة الحقيقي). فقتلت وخطفت وخرَّبت بساحات الاعتصام ما لم يفعله (الشيطان الأكبر) في زمن احلاله للعراق. وإذا بالشيطان الأميركي الأكبر يجد شيطاناً إيرانياً أكبر منه.
قبل ثورة تشرين الأول في العراق، كانت أخبار الميليشيات قليلة جداً، وكانت المعلومات عنها ضحلة بالقدر الذي لم تنل اهتمام المتابع العادي، وكان من المعروف أنها مجرد ميليشيات طائفية أسهمت في المواجهة مع داعش. ومكافأة لها تمَّ دمجها بالأجهزة الأمنية الرسمية.
أما بعد تشرين، وخاصة عندما انكشف دورها في إجهاض الثورة، بالتضييق والحصار والقتل والملاحقة والخطف، تكاثرت التقارير لتكشف عن دورها الأمني الخطير، وكذلك دورها في تخريب الاقتصاد العراقي لأنها تشكل الذراع الطويلة بيد النظام الإيراني، حيث كانت الحارس الأقوى للمصالح الإيرانية في السيطرة على مفاصل التجارة، واحتكار شركات النهب والسرقة وتهريب النفط، وتعطيل المصانع العراقية لترويج البضائع الإيرانية. … ومن جراء تلك الجرائم الكبرى كان قادة الميليشيات يكدسون الأموال الخاصة بالمليارات، التي تشكل جزءاً يسيراً من الأموال التي كان يتم تهريبها لدعم الاقتصاد الإيراني. تلك الأموال التي لولاها لكان انهار بوتائر أوسع.
كانت الميليشيات الولائية، نسبة لولائها للنظام الإيراني، تتشكل ممن يزعمون بأنهم ينتظرون ظهور (الإمام المهدي المنتظر)، وهو غطاء ديني يسترون به جرائمهم لتضليل العامة من أنصارهم، والخطورة فيه أنه غطاء طائفي يجذب إليه أصحاب النفوس البريئة، ويستقطب كذلك النفوس الدنيئة من اللصوص والخونة، وأصحاب النفوس التي يملأها التعصب للمذهب.
ولأن البعث بعقيدته القومية، واتجاهاته التقدمية الحضارية، يشكل العائق الأكبر في مواجهة المناهج الاستعمارية الصهيونية خاصة أنه كان يوظَّف ثروات العراق لمصلحة الشعب العراقي، وخدمة القضايا القومية، كان قرار اجتثاثه قراراً أميركياً صدر في الأيام الأولى للاحتلال، هو الذي فتح شهية النظام الإيراني للتنكيل به بواسطة ميليشياته ومنعه من الظهور وحقه في ممارسة النشاط وذلك من أجل استباحة العراق من دون حسيب وطني أو رقيب.
ولأن القرار الخطير يصب في معرض صراع الأفكار الذي تقوده أميركا لاجتثاث الفكر القومي، بما يمثِله من خطورة على المذهب الرأسمالي الذي يعمل على عولمة الثقافة العربية وفق مقاييس السوق. كان أيضاً مطلباً إيرانياً للقضاء على الفكر القومي الذي يُعتبر النقيض الأشد خطورة ضد ترويج الفكر الطائفي الذي يستند إلى الولاء للدين أو المذهب على حساب الفكر الوطني الجامع لكل الأديان والطوائف.
تحولات مهمة كانت حصيلة العام الأول من عمر الثورة:
والآن يستقبل العراقيون الثوار الخامس والعشرين من تشرين الأول من العام 2020، مما يدفعنا إلى التساؤل: عندما نتفحَّص نتائج ما جرى في عام واحد، ماذا تحقق من أهداف معلنة من أهدافها؟ يؤكد لنا أن ما كان قبل تشرين العام 2019، واستناداً إلى التحولات التي حصلت في العام الفائت، لن يجد له ما يشبهه فيما بعده. ونلخِّص التحولات باثنين رئيسين، وهما:
-أولاً: التحول الأول: انكشاف واضح لأهداف الميليشيات المرتبطة بإيران:
1-تعريف الميليشيات العراقية: هي مجموعات مسلحة من العراقيين، ولكنها تدين بالولاء للنظام الإيراني. وهم من الذين يزعمون أنهم يمهدُّون لـ(ظهور المهدي المنتظر) لكي يملأ الأرض عدلاً. وإذا كانت الثورة قد عرَّتهم من أكثر الأوراق التي تغطي عورات مزاعمهم بأنهم (ينصرون الحسين)، التي تغطي ادعاءهم بـ(حماية المذهب). فكان هتاف (باسم الدين باكونا الحرامية)، تعرية سياسية لمزاعمهم الزائفة، لذا سنقوم في هذا المقطع، بتعريتهم عقيدياً.
لمن المخزي أن نؤمن بأن من يمهِّد لظهور (المهدي المنتظر)، قطيع من الرعاع اللصوص. فهم جميعهم من الذين أفقروا الشعب العراقي وفي الطليعة منهم من يزعم أنهم شيعة (المهدي المنتظر). وإذا كان من المعتقد أن (المهدي المنتظر) سيملأ الأرض عدلاً، فمن الزور أن يكون من يمهد لظهوره لصاً ومجرماً وظالماً؟
وإذا كان (المهدي المنتظر) سيملأ الأرض عدلاً، فإن من أهم واجباته، ليتمم رسالته، أن يخلصَّها من اللصوص والحرامية والمجرمين والظَلَمَة. وإن أول من سيخلِّص (المهدي) الأرض منهم هم الذين سرقوا وأجرموا وظلموا، وكل من أفتى لهم. وهؤلاء هم ذاتهم قادة الميليشيات وأنصارهم وحشودهم، الذين يمثِّلهم (الحشد الشعبي). وكل من يخلِّص العراق اليوم منهم، فهو الوحيد الذي يُعتبر من أنصار المهدي. ولأن الثورة المندلعة الآن، هي التي تقوم بهذا الدور، فمارد الثورة هو الصادق الصدوق، بنشر العدل في الأرض بعد أن ملأها هؤلاء ظلماً وجوراً، ويأتي في المقدمة منهم أصحاب العمائم الذين يتباكون على الحسين، ومن الذين يزعمون أنهم يعملون على التمهيد لظهور حفيده. كانوا يخدعون الناس بأن الحسين استشهد لأنه خرج يطلب حقاً، فإذا بهم ينحرون الثوار الذين خرجوا للمطالب بالحقوق المسلوبة. فشتان ما بينهم وما بين الحسين.
سواءٌ أكانت نظرية المهدوية (أمراً إلهياً) كما يعتقد بعض الشيعة، وهي ابتكار تلجأ إليه الجماعات التي تتعرض للظلم والاضطهاد؛ أم كانت قضية رمزية تمثِّل انتظار المظلومين ظهور من يخلِّصهم ممن ظلمهم، فهي لن تصل إلى خواتيمها المرجوة منها سوى بمحاربة الظالمين والفاسدين. وكل من يعمل على محاربتهم يكون (المهدوي الصادق).
فمن يزعمون في العراق، أو مرجعيتهم في إيران، أنهم يؤسسون لـ(الدولة المهدوية) هم كذبة ومنافقون لأنهم يمارسون بالضد من الأمر الإلهي الذي يزعمون بأنهم مكلفون بتنفيذه، لأنهم يملأون أرض العراق اليوم، ومنذ أن وكَّلتهم أميركا بإدارة شؤون احتلاله، ظلماً وأيما ظلم، وجوراً وأيما جور، وفساداً وأيما فساد.
إن المزاعم بأن نظرية الظهور إلهية تجد أسباب تهافتها في أن الخمينية لم تجزم بأنها واقعية حتى، ويدعم ذلك ما جاء في كتاب (الحكومة الإسلامية) للخميني: (إنتظرنا 1200 عاماً ولم يظهر المهدي. وقد ننتظر 1200 عاماً أخرى وقد لايظهر. وقد لا يظهر إلى آخر الدهر). وأما إصراره على بناء نظام سياسي في مرحلة غيبة المهدي المنتظر، على الرغم من مخالفته للنظرية الإثني عشرية التي لا تجيز قيام نظام سياسي قبل ظهوره، فهو دليل على شدة شبق الخمينية لإيصال رجال الدين إلى السلطة لتكوين منظومة دينية سلطوية أشد ديكتاتورية من كل نظام سياسي آخر. خاصة وأنه يشرِّع قتل معارضيه قبل محاكمتهم. وقد أثبت التاريخ فشل الدول الدينية الذريع عبر تاريخ الشرق والغرب معاً.
2-في مواجهة النظام الأكثر خطورة على مصالح العراق، خاصة أنه تم استنزاف ثرواته الطبيعية، وموارده الاقتصادية على شتى صنوفها. وبعد محاولات شعبية عديدة في الانتفاضة ضد الواقع المزري القائم. برزت ثورة تشرين من العام 2019، لتعلن أهدافها في إسقاط (العملية السياسية) التي تحمي الفاسدين والمجرمين العابثين بأمن العراقيين السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
رفع الثوار شعارات محاربة الظلم والجور، وخاصة وكلاء إيران الذين أسسوا لعشرات الميليشيات التي تسرق وتنهب وتقتل باسم (المهدي المنتظر)، وكشفوا الزيف عن أكاذيبهم باستغلال مشاعر البيئة الشعبية، مرددين (باسم الدين باكونا الحرامية)، خاصة أن الحرامية يمثلون دور من ينصر المهدي المنتظر لأنه سيملأ الأرض عدلاً، فإذا بهم يتصدرون صفوف من يملأ الأرض ظلماً وجوراً.
ولأن ثوار العراق يحاربون الظلم والجور، فهم (المهدويون الحقيقيون). ولا (مهدوي حقيقي) سوى من امتلك قرار تخليص نفسه بقوة الإيمان بالحقوق المسلوبة.
3-مشهدية المهدويين المزيفين والمهدويين الحقيقيين:
وكأننا في المشهد السائد على أرض العراق الآن، تدور معركة بين الخير الذي يدعو إليه ثوار تشرين، والشر الذي تمارسه الميليشيات الولائية (الحشد الشعبي)، والذين لا يخجلون من أنهم من أنصار إيران. وفي معرض اقتلاعهم كأداة للظلم والجور، ومن أجل وصف قذارة ما يقومون به، نتذكر ما قاله المتنبي بكافور الأخشيدي، وزبانيته منذ مئات السنين:
نامت نواطير (العراق) عن ثعالبها فقد بشمن ولم تفن العناقيد
ولكثرة ما ارتكبوا من جرائم وظلم وفساد، صحَّ فيهم قول المتنبي أيضاً، وهو القائل:
ما يَقبضُ المَوْتُ نَفساً من نفوسِهِمُ إلاّ وَفي يَدِهِ مِنْ نَتْنِهَا عُودُ
وكل ما يمكننا التعويل عليه في مرحلة التعارك الأميركي – الإيراني، هو أن الأميركي يقوم بتصفية الوجود الإيراني لأنه استأثر بسرقة ثروات العراق من دون مشاركته بجزء من تلك السرقات؛ علماً أن تصفية هذا الوجود هو أحد أهم مطالب ثوار تشرين، كأحد سبل الخلاص من أحد عدوين يحتلان العراق. خاصة أنه لا يعمل على قاعدة الاستيلاء على الثروات فحسب، بل على قاعدة اقتلاع الهوية القومية والوطنية والدينية، لاستبدالها بهوية أخرى أجنبية في هويتها وأهدافها.
ثانياً: التحول الثاني: صمود لثورة الشباب وانقلاب على المفاهيم الغيبية:
وعن هذا التحول، يمكننا تقسيمه إلى فروع، ومن أهمها:
1-الانقلاب على المفاهيم الغيبية:
إن مفهومنا للتحوّل ليس بما حقق من إنجازات مادية ملموسة فحسب، بل بمقدار ما نجح في الصمود والاستمرار في مواجهة أعتى وسائل القمع أيضاً. لأن مجرد استمراره لسنة، يعني أنه أنجز مرحلة مهمة من رسالته وأهدافه، وأثبت تصميمه على الاستمرار. والاستمرار هو الخطوة الأساسية للقيام بالتغيير.
لذا يمكننا أن نصف ما حصل بالتحول، هو ما استطاعت الثورة أن تحققه في الكشف عن أكاذيب عدد لا يُستهان به من رجال الدين الشيعة العراقيين الذين يروِّجون لمزاعم نظام الملالي في طهران وأكاذيبهم حول بناء نظام (المهدوية) التي يزعمون أنها ذات (مرجعية إلهية). فأحدث هذا الكشف تحولاً مهماً في ثقافة أعداد كبيرة من قوى الشعب العراقي، وخاصة في الأوساط التي تم تضليلها بشعارات التمهيد لظهور المهدي المنتظر، وشعارات حماية المذهب، ونصرة الحسين وآل بين رسول الله… وأحلوا مكانها نظرية المهدوية الثورية الرمزية التي تعني تفجير الثورة على الفساد واللصوص وآكلي حقوق الفقراء والمعوزين والمضطهدين. وهذا ما أنجزته ثورة تشرين خلال عامها الأول. وعن ذلك ارتفعت هتافات الثورة، حتى في قلب المناطق التي اعتبرها نظام الملالي أنها تشكل حاضنتهم العقيدية الشعبية، وأصبح الشعار يتردد على كل لسان، بعد أن كان من الممنوعات المقدَّسة: (باسم الدين باكونا الحرامية).
2-مواجهة قاسية مع الميليشيات الإيرانية، (أي الدم في مواجهة مع السيف):
إذا كانت السلمية شعاراً يأخذ بالاعتبار إلغاء عامل عسكرة الانتفاضة لأنها تحمل خطرين بالغين، وهما: غياب تكافؤ القوى العسكرية مع الميليشيات، ومنع تحويل الثورة إلى حرب أهلية.
فكانت السلمية استراتيجة سليمة، ولكنها في الوقت ذاته كانت مكلفة بالأرواح والإصابات الأخرى التي أدت إلى استشهاد المئات، وإلى إعطاب جسدي جزئي للآلاف من الثوار. وإذا كانت الخسائر فادحة من جراء سلوك الثورة السلمية إلاَّ أنها ضمنت للثورة حواضن شعبية واسعة لم تكن لتتوفر في حال عسكرتها. والتي ستكون خسائرها أكثر اتساعاً وأكثر حجماً وأقل شعبية.
كما كانت داعش ابتكاراً أميركياً – إيرانياً من أجل تعزيز مخطط التفتيت الطائفي في الوطن العربي ابتداءً من العراق. وتلك حقيقة كشفت عنها مراسلات هيلاري كلينتون مع الخامنئي مرشد النظام الإيراني. فقد كان تشكيل (الحشد الشعبي الشيعي) قراراً إيرانياً وجد تبريراً له في مواجهة (داعش السنية). ولما غابت داعش كان يجب أن يغيب الحشد الشعبي بعد أن فقد مبرر وجوده. ولكن كان تشكيل الحشد الشعبي قراراً استراتيجياً شبيهاً بتشكيل (الحرس الثوري الإيراني). فمهمة الحرس الثوري، كبديل للجيش النظامي الإيراني، كان حماية النظام في إيران، فإن مهمة الحشد الشعبي هو حماية (العملية السياسية) التي استولى عليها ذلك النظام بالكامل، ومنع التأثير عليها حتى من قبل أميركا.
ولهذا السبب يصر الجانب الأميركي في الصراع الدائر حالياً على حل الحشد وتسليم أسلحته لمصلحة الجيش العراقي، وبمثل هذا التدبير تسحب أميركا البساط من تحت أرجل النظام الإيراني. وحتى لو صبَّ هذا القرار في المصلحة الأميركية، إلاَّ أنه يرفع السيف المسلط على رقاب كل المعارضين للوجود الإيراني في العراق أو الرافضين له، ويأتي ثوار تشرين في المقدمة منهم. وإذا حصل هذا الأمر سيوفِّر حماية أكثر للثوار بعد أن كانت ميليشيات الحشد ترتكب أكثر الجرائم فظاعة بحقهم، وكانت توفر للسلطات الأمنية الرسمية غطاء للتنصل من مسؤولية القمع.
ولأن سكة تجريد الميليشات من سلاحها، قد ارتفعت وتيرة المطالبة بها والعمل من أجل تحقيقها، فقد وجدت تعبيراتها الظاهرة في إحراق الثوار لمواقع إيرانية معروفة، وكذلك حرق مكاتب الميليشيات حيثما وصلت أيديهم.
3-إسقاط الحكومات على التوالي:
استجابة ظاهرية لمطالب الثورة، كان تغيير الحكومات يقوم على التجديد في جلودها، وليس في منهجها. وأما المنهج فهو نشر الفساد والإفساد. والتغيير الشكلي كان يطال تغيير الحكومة من قناع إيراني يعمل لمصلحة النظام الإيراني، إلى قناع أميركي يعمل لمصلحة الرأسمالية الأميركية، والعكس صحيح. وهذا ما يعيه الثوار أن التغيير الحكومي لن يكون جذرياً سوى بإسقاط منهج (العملية السياسية برمته.
إن المنهج السائد، على الرغم من التغييرات المتواصلة في شكل الحكومة، لم يتغيَّر. وأما المطلوب فهو أن يحاكي التغيير ما ترمز إليه قصة (الحمل والنسرين)، وهو أن على العراقي أن يختار واحداً من بين مفترسين متعاركين، إمأ أن يقوم افتراسه على طريقة الرأسمالية الأميركية، أو على طريقة خداع المهدوية الإيرانية، وإما عن طريق توافقهما معاً. وإذا كانت الطريقة الأميركية رفعت شعارات الثورة، فأصابت إعلامياً ولكنها استخدمت شعارات حق باطنها باطل، فإن الثورة رفضت الطريقتين معاً. وهي مستمرة من دون الوقوع فريسة بينهما فرفضتهما معاً.
إن خيارات الثورة استراتيجية لا تراجع عنها، ومن الخطورة بمكان أن تنزل تحت سقفها.
4-في النتائج المرحلية، تقدم للثورة، وتراجعات في بعض العوائق التي تعمل على كبحها:
بمجرد الاعتراف بشرعية أهداف الثورة تكون قد سلكت الخطوة الأساسية على طريق الألف ميل. ولهذا، ولأنه ليس لدى الثائرين ما يخسرونه بعد أن قام التحالف الأميركي – الإيراني بهدم الهيكل العراقي بكامله، ولم يوفر لقمة العيش اليومية من تخريبه، فليس أمام الثوار سوى أن يتابعوا مسيرتهم لأنها الطريق الوحيد الذي يقودهم إلى شاطئ الأمان. وأما على المستوى المرحلي، فأن يُنهك أحد الخصمين ألخصم الآخر. ويتم ذلك، بأن يستفيد الثوار من المرحلي لتعزيز أهدافه الاستراتيجية.
وأخيراً، كل التحية لثوار تشرين وصمودهم، فثورتهم أصبحت حقيقة على الأرض، فرضت نفسها وشقَّت طريقها، ولن يستطيع أحد إلغاءها، أو إلهاءها، بعد أن امتلكت التجربة النضالية والثقافية التي تحصَّنها من كل المنزلقات التي يتم التخطيط لها.
الوقت: 23 أكتوبر,2020 at 1:44 ص
البريد الإلكتروني: [email protected]